Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 18-18)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما عجزوا عن إلزام الرسل ، وسكتوا عن إقامة العذر عن قبول دعوتهم ، ولم يبقَ لهم مهرب عن ذلك ، تشبّثوا بذيل النفس والدنيا ، وأقرّوا بالعجز عن ترك هذا الأدنى ، وتعلّلوا أعذارهم في عدم الإيمان بالرسل ، وقبول دعوة التكليف ، بأن صحبة الهداة والمذكّرين شؤم لهم . ثم ما اكتفوا بذلك ، حتى قابلوا أهل الله بالمجاهدة بالنزاع ، والمخاصمة والرّجم والإيلام الشديد . وذلك كله لفساد العقل ، ومحبة الباطل ، وطاعة الهوى ، وقبول دعوة الشيطان ، لأن الشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء وسوء الظن بالله ، وترْكِ التوكل وتكذيب الرسل ، والاعراض عن الحق والإقبال على الخلق ، وانقطاع الرجاء من الله ، ومتابعة الشهوات ، ومواصلة السيئآت ، وإيثار الحظوظ ، وترك العفة والقناعة ، والتمسك بالملوك والظَّلَمَة ، وتعلّق القلب بحب الدنيا ، وهو رأس كل خطيئة ، وبذر كل بليّة . فهذه كلها وأضعافها ، من فروع وسوسة الشيطان ، وترويجه الباطل في معرض الحق ، فمن فتح على قلبه باب وسوسة الشيطان وترويجه ، ولم يقمع فساده وشرّه عن قلبه ، بالعقل الكامل ، والبرهان النّير القدسي ، الدالّ على خسّة الدنيا وحقارة طالبيها ، أو بالسماع من أهل الله وأصحاب القلوب ، المذكورين لخساسة الدنيا وزوالها ، ووخامة عاقبة شهوة النفس وَوَبالها ، فسوف يبتلى بهذه الآفات ، ويقع في عرضة هذه البليّات ، التي من جملتها التشؤم بصحبة الفقراء وأهل الدين ، الذين هم ملوك الآخرة وسلاطينها ، وخِدمتهم مفتاح أبواب الرحمة والسعادة ، والوصولُ إلى صحبتهم مقصودُ الأولياء ومجهودُهم في الدعاء ، كما في الصحيفة المَلَكوتية ، لمولانا وسيدنا ، زين العابدين ، وسيد الساجدين ، علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من قوله : " اللهم حبّب إليَّ صحبة الفقراء ، وأعنّي على صحبتهم بحسن الصبر " . وقد أمر الله سبحانه ، حبيبه ( صلى الله عليه وآله ) بصحبتهم ، وحسن معاشرتهم ، والصبر معهم ، والإطالة في مجالستهم بقوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } [ الكهف : 28 ] الآية . لأن في صحبتهم خير الدارين ، وفي صحبة الجهّال وأهل الترفّه والتنعم شر الدارين ، وصرف العمر في هوى النفس وطاعة الشيطان ، وفساد الآخرة وَوَبالها ، لِشؤْمِ اقتران عَبَدَة الهوى والأوثان ، ولهذا قال حكايةً عن جواب رُسُله لأعدائه : { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } [ يس : 19 ] :