Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 19-19)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قريء " طَيْرُكُم معكم " أي : سببُ شؤْمِكُم معكم ، وهو الكفر ، أو أسباب شؤمكم معكم ، وهو الكفر والمعاصي ، فإن رأس الشقاوة الأبدية الكفر مع الجحود ، لأنه جهل مضادٌّ لليقين ، وبعده المعاصي والأعمال القبيحة ، كما أن رأس السعادات الأبدية ، الإيمان الحقيقي ، لأنه ضَرْبٌ من العلم اليقيني بالأمور الإلهية ، وأحوال المبدء والمعاد ، لأن معنى السعادة ، إدراكُ الخير والملائم ، وخير الخيرات هو الله سبحانه ، وملائكته ورسله ، وأولياؤه وعباده الصالحون ، فإدراكه وإدراك مقرّبيه ومعتكفيه ، ألذ الخيرات وأشرف السعادات ، وبعد هذه السعادة الذاتية ، السعادة الحاصلة من فعل الحسنات ، لأنها توجب الفوز بدرجات الجنان ، والنجاة من عذاب يوم القيامة والنيران . فإذا تقرّر أن السعادة والشقاوة ، بحسب العلم والجهل ، ذاتيّتان أزلاً وأبداً ، مخلّدَتان دائماً سَرْمداً ، وبحسب الأعمال والأفعال تترتب عليهما المكافأة ، والمجازاة ، وتتقدر بِحسَبهما المثُوباتُ والعُقُوبات بقوله : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ التوبة : 95 ] . فلا شؤمَ كشؤمِ الكفر ، ثم المعاصي . ولا خير كخير الإيمان ، ثم الحسنات ، إلاّ أن هذه المسألة مع وضوحها وإنارتها ، قد خفِيَت على أكثر الأذهان ، لاشتغالهم بما يلهيهم عن الذكر ، وينسيهم عن طلب السعادة ، وترك الشقاوة ، ولذا قال : " أئِنْ ذُكِّرتم " ، معناه إن تدبّرتم عرفتُم صحة ما قلناه ، وقيل معناه : " إن ذُكّرتُم تطيَّرتُم بِمَا مَعكم " . وقريء : " أإن ذكرتم " بهمزة الاستفهام ، " وإن " الشرط . وقريء : " آإن ذكرتم " - بألف بينهما - بمعنى " أتطيَّرون إن وُعِظْتُم " . وقريء : " أأنَ ذكرتم " - بأن الناصبة بعد الهمزة الاستفهامية - بمعنى " أتطيُّركم لأن ذكرتم " . وقريء : " أنْ " الناصبة بغير استفهام ، فيكون إخباراً ، أي " تطيَّرتُم بأنفسكم لأن ذكرتم " . وقريء : " أين ذكرتم " - على التخفيف - أي شؤمكم لازم معكم ، بحيث يسري في كل مكان ذُكِّرتُم ، وذلك يُتصور بوجهين : إما بأن كانوا إذا ذُكِرَت اسماؤهم ، لُعِنوا وشُتِموا وشُئِموا بهم ، لقبح أفعالهم وسوء أعمالهم ، وابدائهم الظلم والبدعة كأمَراءِ الجَور ، وإما بأن كان ذكرُهم يؤدي إلى الوحشة والغيبة والعداوة والبغضاء بين الناس ، وإلاّ فصيرورة المكان مشؤوماً بمجرد ذكر طائفة - كما فسّره صاحب الكشاف - حيث قال : " وإذا شؤم المكان بذكرهم كانوا بحلولهم فيه أشأم " ، فلا وجه له ظاهراً ، لأن المكان لو شؤم بذكر الكفار والظلمة ، فما من مكان ومَجْمع ، كالمساجد والمساكن الشريفة ، إلاّ وقد يُذكر فيها أحياناً الكفارُ الأشرار ، خصوصاً إذا كانوا ملوكاً وأمراء في الدنيا ، فتُذكر اسماؤهم في كل مجمع ، بفنون من الذكر مدحاً وذَمَاً ، فيلزم أن يكون أكثر المجامع مشؤوماً . ثم ذكر سبب شؤمهم ، ومبدأ شرهم ، وهو إفسادهم لفساد عقولهم بقوله : " بل أنتم قوم مسرفون " ، لأن " الإسراف " في اللغة : الإفساد ، ومجاوزة الحد " والسرف " : الفساد ، ومعناه : ليس فيها ما يوجب التشؤم بنا ، ولكنكم متجاوزون عن الحد في التكذيب والمعصية ، فمِن قَبلِكُم أتاكم الشؤم ، لا من قبل رسل الله وتذكيرهم ، أو ( قيل ) : بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم ، متمادون في غيّكم ، حيث تتشاءمون بمن يجب التبرّك بهم ، واستفاضة الخير من صحبتهم ، من رسل الله وأوليائه ، المذكرّين بالله ، وسبيل العافية ، والدار الآخرة ، فغاية منشأ الشؤم ، التشؤم بما يجب التبرّك به ، كما أن غاية الجهل ، عناد أهل العلم والمعلمين ، وغاية الضلال معاداة أهل الهداية والهادين .