Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 21-21)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه الآية ، كلام تام في الترغيب إلى الإيمان بما يقول الرسول ، ونصيحة جامعة في إعلام المحجوبين عن الوصول إلى معرفة حال الأنبياء ، وحثهم على الاهتداء بهداهم والإقتداء بقولهم ، أي : لا يأخذون من دنياكم شيئاً ، حتى تقع لكم الخسارة باتِّباعِهم ، ويوصِلون إليكم الخير الكثير ، والهداية إلى طريق النجاة عن العذاب الأليم يوم القيامة ، فلكم في اتّباعِهم ، انتظام خير الدنيا والآخرة ، وهذا أقرب معالجة في دَفْع مرض الشك في صدق الأنبياء ، عن الناقصين في المعرفة واليقين . ويقرب منه ، ما قاله أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) ، لبعض من قَصُرَ عقله عن فهم حقيقة الدين . وكان شاكّاً في صدق خبر المرسَلين : " إنْ صحَّ ما قلتَ فقد تخلّصنا جميعاً ، وإلاّ فقد تخلَّصْنا وهلكتَ " أي العاقل هو الذي يختار طريق الأمن في جميع الأحوال ، فطريق ترغيب المنكرين للشريعة والدين ، كما يستفاد من كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حَسْبَ ما شَرَحَه بعض أعلام علماء المسلمين ، أن يقال لهم : أن ما قال الأنبياء والرسل ، المؤيدون بالمعجزات ، هل هو ممكن الصدق ، أو ممتنع الصدق . فإن قال قائل منهم : " إني أعلمُ أن ما يقولون أمر مستحيل كاجتماع النقيضين ، وحلولِ عَرَضٍ واحد في محلَّين ، وكون شخص واحد في آن واحد في مكانَين " ، فهو فاسد العقل مخروق ، لا يوجد مثله في العقلاء ، بل خارج عن حد التكليف كالصبيان والمجانين . وإن قال : " إني شاكٌّ فيما يقولونه " ، فيقال : " لو أخْبَرَك شخص مجهول عند تركك طعاماً في بيتك لتأكله ساعة أخرى ، " أنه قد وَلَغَتْ فيه حيّة ، وألقَت سمّها فيه " ، وجوَّزتَ صدقَه ، فهل تأكل منه أم تتركه ، وإن كان ألذَّ الأطعمة عندك ؟ " فتقول : أترُكُه لا محالة ، لأنني إن قبلتُ قوله - وكان كاذباً - فلا يفوتني إلاّ هذا الطعام ، والصبر عنه وإن كان شديداً فهو أقرب ، وإن لم أقبل وكان صادقاً ، فتفوتني الحياة ، وألمُ الموت بالإضافة إلى ألَمِ الصبر عن الطعام عظيم . فيقال له : سبحان الله ، كيف تؤخّر صدقَ الرسل والأنبياء ، والأولياء والعلماء كلهم - مع ما ظهر معهم ولهم من المعجزات - عن صدق رجل واحد مجهول الحال ، لعل له غرضاً فيما يقوله ؟ فكيف تُرجّح قوله في التصديق ، على قول أولئك الأخيار ؟ بل جميع العقلاء وذوي الألباب قائلون باليوم الآخر . وإن اختلفوا في كيفية كونه ، روحانياً أو جسمانياً أو مجموعاً ، فإنْ صَدَق الرسل والعلماء ، وأنت مُعْرِضٌ عن قبول ما يقولونه ، فقد أشرفتَ على عذاب يبقى أبد الآباد ، وإن كذَبوا ، فلا يفوتك لوفاتك ، إلاّ بعض شهوات هذه الدنيا الفانية الكدرة . فلا يبقى له توقف إنْ كان عاقلاً مع هذا الفكر اليسير ، أن يقبل دعوتهم ، إذ لا نسبةَ لمدة العمر إلى أبد الآباد ، فإنّا لو قدَّرنا الدنيا مملوءة بالذُرَة ، وقدَّرنا طائراً يختطف كلَ سنة واحدةً منها ، لَفَنِيتَ ، ولم ينقص من أبد الآباد شيء ، فكيف يَغترّ رأيُ العاقل في الصبر عن شهوة الدنيا ، لأجل سعادة تبقى أبَدَ الآباد ؟