Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 31-31)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" الرؤية " هنا بمعنى " العلم " أي : ألم يعلموا كثرة إهلاكِنا القرون ، ويسمى أهل كل عصر " قرناً " لاقترانهم في الوجود - كذا في مجمع البيان - ، والظاهر أنه من باب حذف المضاف مثل : " واسئل القرية " ونظائره ، والاسم بحاله في الاستعمال لقطعة من الزمان من غير وضعٍ ثان . ولفظة " كم " استفهامية كانت أو خبرية ، وإن لم يعمل فيها عامل - أما في الاستفهامية فظاهر ، وأما في الخبرية فلأن أصلها الاستفهام فحكمها واحد - إلاّ أن معنى العامل سارٍ في معنى الجملة بنفسها سرايتها في مثل قولك " ألم يروا أن زيداً لمنطلق " وان لم يعمل في لفظها ، وهذا القدر كاف في تعلق جملة " كم أهلكنا " بعامل " ألم يروا " وانتصابها به و " كم " ينتصب بأهلكنا ، وقوله : " أنهم إليهم " بدل من " كم أهلكنا " بحسب معناه من حيث هو ، لا بحسب لفظه . والمعنى : ألم يعلم هؤلاء الكفار كثرة إهلاكنا القرون الماضية لجحودهم ، وإنكارهم لأهل الحق أنهم لا يرجعون ؟ أي : كونهم غير راجعين إليهم ؟ أي : لا يعودون إلى الدنيا ، أفلا يعتبرون بهم ؟ ووجه التذكير بكثرة المُهلكين أي : أنكم ستصيرون إلى مثل حالهم ، فانظروا لأنفسكم ، واحذروا أن يأتيكم الهلاك وأنتم في غفلة عريضة وغرة شديدة . وعن الحسن : " إنهم " بالكسر ، فيكون استئنافاً لا بدلاً ، وفي قراءة ابن مسعود : " ألم يروا من أهلكنا " فيكون البدل بدل اشتمال . وفي الكشّاف : " هذا مما يردُّ قول أهل الرجعة " ، وفيه نظر لا يخفى على المنصف ، فإن عدم رجعة قرون من الكفرة الناقصين الهالكين هلاك الأبد ، لا يدل على عدم رجعة غيرهم من النفوس الكاملة الحيّة بحياة العلم والعرفان ، فلا استحالة في إنزال الأرواح العالية بإذن الله وقدرته في هذا العالم ، لخلاص الأسارى والمحبوسين بقيود التعلقات من هذا السجن . وأما ما نقله تأييداً لمذهبه من منع الرجعة من قوله : " ويحكى عن ابن عباس أنه قيل له : أن قوماً يزعمون أن علياً ( عليه السلام ) مبعوث قبل يوم القيامة . فقال بئس القوم ، نحن إذن نكحنا نساءه وقسّمنا ميراثه " ، فمدفوع : بأنه مجرد حكاية غير معلومة الصحة ، وعلى تقدير صحة الرواية عنه فالمروي ممنوع ، فإن المتبع في الإعتقاديات إما البرهان وإما النقل الصحيح القطعي عن أهل العصمة والولاية . وقد صحّ عندنا بالروايات المتظافرة عن أئمتنا وساداتنا من أهل بيت النبوة والعلم ، حقيّة مذهب الرجعة ووقوعها عند ظهور قائم آل محمد ( عليه وعليهم السلام ) ، والعقل أيضاً لا يمنعه ، لوقوع مثله كثيراً ، من إحياء الموتى بإذن الله بيد أنبيائه كعيسى وشمعون وغيرهما ( على نبينا وآله وعليهم السلام ) . ثم يحتمل أن يرجع ضمير " أنهم " إلى الكفرة ، وضمير " إليهم " إلى القرون ، ويكون معناه : أن هؤلاء لا يرجعون بحسب القوة والقدرة ، أو الشوكة والجاه ، أو العدة والكثرة إليهم ، فكيف لا يعتبرون بمن سبقهم . ولا يبعد أن يكون المراد اهلاكهم بحسب موت الجهل والكفر والعناد هلاكاً سرمدياً ، فحينئذ معنى : " أنهم إليهم لا يرجعون " ، أي في شدة الجحود والنفاق والاستكبار والإغترار بالظنون الفاسدة والعقائد الباطلة ، كما هو شيمة أصحاب الجدال وأهل المكر والاحتيال ، الذين هم أعدى أعداء الله ورسوله ، كما ذكر وصفهم وذمهم في القرآن كثيراً ، ويؤيد هذا الحمل ، كون هذه الآية عقيب قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] . فالمعنى أن هؤلاء لا يصلون في الاستهزاء بالرسول إلى من أهلكنا قبلهم من المستهزئين بالرسل ، الذين كانوا أشد منهم في الجحود والاستهزاء ، على وزان قوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } [ طه : 128 ] ، { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } [ الروم : 9 ] .