Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 7-7)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي أصنافاً ثلاثة . وذلك لأنّ الإنسان فيه مبادي إدراكات ثلاثة من جهة قوى ثلاث : قوّة العقل ، وقوّة الخيال ، وقوّة الحسّ . ولكلّ قوّة كمال ، فكمال القوّة العاقلة بإدراك المعارف الإلهية والعلوم الربانيّة ، وبه يشحر الإنسان في جوار الله وملكوته ، وكمال القوّة الخياليّة في فعل الخيرات وتهذيب الصفات وتبديل السيّئات بالحسنات ، وكمال القوّة الحسيّة بإدراك الملايم الحسّي من الملاذ الجسمانيّة والأعراض البدنيّة . والإنسان في أوّل تكوّنه بالقوّة في كمال كلّ من هذه المبادي الثلاثة ، وهو بحسب كمال كل قوّة يقع في عالَم من العوالم بمقتضى طبيعة تلك القوّة إن لم يكن لها مانع ، فله نشآت ثلاث بحسب قوى ثلاث ، فهو بالقوّة في أوّل الوجود . فأوّل ما يخرج فيه من القوّة إلى الفعل هو نشأة الحسّ ، وكماله بحسبه يقتضي السكون في هذه الدار ، والإنسراح في مراتع الشهوات كالبهائم والحشرات ، فإذا تجاوز عن هذا المنزل ، يحدث فيه العقل العملي . وقوّة التخيل ، وكماله بحسب هذه القوّة يقتضي له التشوّق إلى الدار الآخرة ، والكون هناك من حيث يتخيّل الخيرات المظنونة ، ويقصد الأفعال الحسنة ، وينوي فعل الطاعات وترك القبايح والسيّئات ، ومعاد الإنسان من حيث همّته ، ثمّ إذا ساعده التوفيق الإلهي ، وارتفع إلى كمال القوّة النظريّة يحيط بالكليّات ويتّصل بالمفارقات ، ويعرَف المبادئ والغايات علماً برهانيّا وإدراكاً مقدّساً عن شوب تغيّر وتجدّد ، أو ظنّ ، أو تخمين فمنزلته منزلة المقدسين . فعلم انّ الإنسان صار بحسب هذه المقامات منقسماً على ثلاثة أقسام ، ولكلّ قسم أحوال مخصوصة بحسب الآخرة ، وله منزل خاصّ من المنازل الكليّة - وإن كان تحت كلّ قسم أنواع بلا نهاية - ، وهذا لا ينافي وحدة النوع الإنساني قبل أن يصير باطنه خارجاً من القوّة النفسانيّة إلى الفعل الصوري الباطني ، في صفة من الصفات المكمونة فيه ، والمخزونة في طينته ، فوقعت الإشارة إلى تفصيل هذه الأقسام الثلاثة في قوله عزّ اسمه : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } .