Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 92-94)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقرئ : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } - بالرفع - عطفا على نُزُل - وبالجرّ - عطفاً على حميم . أي : إن كان المتوفّى من أهل الشمال والنكال والشرّ والوبال ، وهم المضلّون المكذّبون بيوم الدين ، والضالّون الناكبون عن منهج الدين ، لعدم نور المعرفة واليقين ، فله نُزُل من حميم جهنّم بإزاء ما يعدّ للضيف من الأطعمة والأشربة ، وتصلية نار الجحيم أي : إدخالها له إيّاها لأنّ حقيقة ذواتهم النفسانيّة حصلت من نار الطبيعة وشرورهم من شررها ، كما مرّت إليه الإشارة ، فلا جرم أن الشيء يعود إلى أصله . وتلك النار الأخرويّة كانت كامنة في بواطنهم ، متسخّنة في قلوبهم ، وكانوا في الدنيا محترقين بها وهم لا يشعرون لغلظ الحجاب ، فإذا أزيل بالموت ظهر أنها موقدة تطّلع على الأفئدة ، كما قال الله تعالى : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ الهمزة : 6 - 7 ] . وطبايعهم أصلها وقلوبهم القاسية كالحجارة والحديد وقدودها ، لقوله تعالى : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ البقرة : 24 ] وقد قال : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] . واعلم أنّ النار التي يصل إليها من هو من أهلها في الآخرة مشهودة اليوم لك من حيث موضوعها ومصداقها - لا من حيث صورتها - ، وينقلب فيها أهل الجحيم على الحالة التي هم عليها ، وكذا الجنّة مشهودة لك أيضاً وأنت تتقلب فيها وتترقّى من درجة منها إلى درجة ، ومن باب إلى باب ، - إن كنت من أهل الجنّة والترقّي - وأنت لا تعلم ولا تشاهدهما ، لأنّ الصورة الدنيويّة تحجبك عن ملاحظة حقيقتهما وصورتهما الأخرويّة ، فأهل الكشف الذين أدركوا ما غاب عنهم ، يرون موضوعات الأمور الأخرويّة ويرون من كان من أهل الجنّة في روضة خضراء ، ويرون تقلّبهم في مراتبها وتردّدهم في غرفاتها ، ويرون الجهنّمي متى استقرّ له دار الجحيم وكيف يتقلّب فيها ويهوي إلى منازلها ودركاتها ، وما يكون فيها من لُغُوب ونَصَب وحرور وزمهرير ، كما في قوله : { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } [ الشورى : 22 ] . وأكثر أهل الكشف في ابتداء طريقتهم يرون هذا ، ومن لم يكشف الله عن تبصيرته وبقي في عماء حجابه لا يدرك هذا ، ويكون مثل الأعمى الذي في بستان ، فإن لم يرَ ما هو فيه فلم يلزم من ذلك أن لا يكون فيه . وقد نبّه الشرع على ذلك بقوله تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [ العنكبوت : 54 ] . وعلى بعض مواضع الجنّة والنار بقوله : " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة " . وبقوله في وداي محسِّر بمنى وغير ذلك : " من أودية النار " . ولهذا شرع الإسراع في الخروج عنه لأمّته ، فإنّه يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون . وأخبر أيضاً في نهر النيل والفرات وسيحان وجيحان إنّها : " من أنهار الجنّة " . وأهل الكشف يرون هذه الأنهار من عسلٍ وماءٍ وخمرٍ ولبنٍ كما هو في الجنّة ، ومن الناس من يستصحبه هذا الكشف ، ومنهم من لا يستصحبه لحكمة أخفاها الله تعالى في خلقه . وإلى هذا الكشف وقعت الإشارة .