Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 26-26)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف سبحانه على ما تقدم من ذكر المرسلين مجملاً ، بذكر نوح وإبراهيم - على نبينا وعليه السلام - مفصلاً ، وإنما خصّهما بالذكر ، وذكر قصتهما ، لفضلهما وكونهما أبوي الأنبياء ، كما يدل عليه قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } ، فإن الأنبياء كلهم من نسلهما وذريتهما - عن ابن عباس - . الكتاب : الخط بالقلم . يقال : كتب كتاباً وكتابة . ثم أخبر تعالى عن حال الذرية بحسب النشأة الأخروية ، فقال : فمنهم - أي فمن الذرية ، أو من المرسل إليهم - ، لدلالة ذكر الإرسال عليه - مهتدٍ - إلى طريق الحق ، - ومنهم فاسق - عن أمر ربه ، والغلبة للفساق . مكاشفة إعلم أن لوجود كل من الصنفين مصلحة وخيراً تخصّه وتليق به ، لئلا يلزم أن يكون الخير قليلاً والشر كثيراً في أشرف أنواع الكائنات . فليس لأحد أن يقول : أكثر أفراد الإنسان يغلب عليهم الشر على ما دلت عليه الآية ، ولأن مناط تحصيل السعادة والشقاوة للنفس الآدمية إنما هو استعمال قواها الثلاثة : - الإدراكية ، والشهوية ، والغضبية - إذ هي مبادئ الأفاعيل والانفعالات ، ومن تكرر الأفاعيل والانفعالات تحصل أخلاق ومَلَكات هي المنتجة للسعادة أو الشقاوة في العاجل والآجل ، والغالب على أكثر الناس - على ما نراه - أضداد الأخلاق الحسنة ، من الجهل ، وغلبة الشهوة ، واستيلاء حب الدنيا ، وميل الرياسة ، والبخل ، والحسد ، والكِبر ، والرياء ، وأشباهها . وما يترتب عليها وينبعث عنها من الفسوق والمعاصي ، فيلزم كونهم من الأشرار المردودين عن رحمة الله ، على أن رحمته وسعت كل شيء ، فما معنى كونه تعالى محض الرحمة التي لا جهة شَرِّيّة فيها ؟ وما معنى قول الربّانيين من الحكماء : " إن الخير مرضيٌّ والشر مقضيٌّ " ؟ لانّا نقول : لا بد أن يعلم أن الخُلُق الذي لا نجاة معه في الآخرة ، هو صفة واحدة للنفس من حيث جزؤها العلمي ، وهي ضَرْبٌ من الجهل ، وهو ما يكون مُرَكباً مع الاعتقاد الراسخ المضاد للحق ، وأما من حيث جزؤها العملي ، فليس كل رذيلة توجب الحرمان عن الغفران ، بل الرذائل التي رانت على القلوب وصيّرتها فاسدة الجوهر ، كجرم المرآة التي أحاطت بها النداوة ظاهراً وباطناً ، وغاصت فيها وأفسدتها سطحاً وعمقاً ، وكون أكثر الناس فسّاقاً ذوي صفات ذميمة لا يستلزم كونهم مطرودين من رحمة ربهم ، بل كما أن الجهل المركّب الراسخ المضاد لليقين ، الذي يوجب الشقاوة الأبدية ، نادر كوجود اليقين الذي يوجب خيراً كثيراً وقسطاً وافراً من السعادة ، والجهل البسيط الذي لا يضر في المعاد عامُّ فاشٍ في هذا النوع ، فكذلك حال القوتين الأخريين . فالبالغ في فضيلة العقل والخلق - وان كان نادراً - ، كالشديد النزول فيهما ، لكن المتوسطين على مراتبهم أغلب وأوفر ، وإذا ضم إليهم الطرف الأعلى ، كانت لأهل النجاة غلبة عظيمة . وما أشبه حال الأرواح في انقسامها إلى هذه الأقسام بحسب السعادة والشقاوة الأخرويتين ، بحال الأبدان في انقسامها بحسب السعادة والشقاوة الدنيويتين إلى العالي في الجمال والصحة ، والمتوسط فيهما - وهو الأكثر - ، والقبيح السقيم - وهو أقل من عدد المتوسط فضلاً عن مجموع القسمين . فإذن قد ثبت أن السعيد أكثر من الشقي ، فالحكم بأن رحمة الله تعالى لا تنال إلاَّ قليلاً من عباده غير صحيح ، وقد قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 156 ] . وأما خلود أهل الكفر في النار ، ففيه سر لا ينكشف لأحد إلاَّ من يشاء من خُلّص عباده وهو العليم الحكيم .