Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 27-27)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الحسن " الأنجيل " - بفتح الهمزة - ، والأمر فيه هيّن لأن الكلمة أعجمية لا يلزم فيها حفظ أبنية العرب ، بخلاف أمر " البَرطيل " " والسَكين " فيمن رواهما بالفتح . وقرأ " رآفة " على وزن فعالة . و " التقفيّة " : جعل شيء إثر شيء على نهج الاستمرار ، ولهذا قيل لقواطع الشعر " قوافي " إذا كانت تتبع البيت على أثر بيت مستمراً في غيره على منهاجه . و " الرهبانية " أصلها من الرهبة والخوف ، يوصف بها النصارى لترهّبهم بعد موت عيسى ( عليه السلام ) في الجبال فراراً من الفتنة في الدين ، لظهور الجبابرة على مؤمني ذلك الزمان ، واخلاصاً لأنفسهم في عبادة الرب عند التفرد عن الخلق ، فهي " الفَعلة " المنسوبة إلى الرَهْبان - بالفتح - ، وهو الخائف ، " فعلان " من " رهب " ، كخشيان من خشي ، وقرئ : " ورُهبانية " بالضم منسوبة إلى " الرُهبان وهو جمع " راهب " ، كرُكبان جمع راكب ، وهي عبادة مخصوصة بالنصارى ، لقول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " لا رهبانية في الإسلام " وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " رهبانية امتي الحج والجهاد " . وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر ، أي : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، ويجوز أن تكون معطوفة على ما قبلها ، والجملة بعدها صفة لها في محل النصب ، والمعنى : ثم اتبعنا بالإرسال على آثار المذكورين كنوح وإبراهيم ومن أرسلنا إليهم أو من عاصرهم من الرسل برسل آخرين ، أي : اتبعنا رسولاً بعد رسول ، وقفيّنا سابقاً بلا حق حتى انتهى الأمر إلى عيسى بن مريم بعدهم ، فارسلناه رسولاً وأعطيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه من الحواريين وأتباعهم للتراحم والتعاطف بينهم رأفة ورحمة ، بأن أمرهم الله بهما ورغّبهم فيهما ، أو خلق في قلوبهم الرأفة والرحمة . وإنما مدحهم على ذلك - وان كان من فعله - لأنهم تعرضوا لهما وابتدعوا رهبانية لم يكتبها عليهم ، وهي خصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة ، إما في كنيسة ( شعشعة - شعثة - ن ) ، أو تَوَحُّش عن الخلق ، أو تَفَرُد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الأمور التي تعلق بنسك صاحبه . وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء واتخاذ الصوامع - عن قتادة - . وعلى تقدير عطفها على ما قبلها يكون المعنى : وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم . بمعنى : وفّقناهم للتراحم بينهم ، ليبتغوا بها رضوان الله ويستحقوا بها الثواب ، والاستثناء منقطع ، أي ما فرضناها تعبّدناهم بها " ، حتى يكون مشتملاً على نفي الإيجاب والندب المستلزمين لمطلق الراجحية والتقرب ، وهذا وان كان مخالفاً لقوله : { ٱبتَدَعُوهَا } ، لكن يوجه بأن يقال : معناه : ولكنهم ابتدعوها ثم نُدبوا إليها . وابتدعوها : بمعنى : استحدثوها من قبل أنفسهم ووافوا بها ، فما رعَوها حق رعايتها ، أي : الذين بعدهم ما رَعَوا جميعاً للرهبانية ، أو للمذكورات من الرأفة ، والرحمة ، والرهبانية - حق رعايتها ، ولكن بعضهم رعاها ، وبعضهم ضم إليها التثليث ، والقول بالإلحاد ، وقصد السمعة والرياء والكفر بمحمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ونحو هذه الأشياء ، كما ان المنسوبين إلى التصوف في هذه الأزمنة والدورة الإسلامية بعضهم مما رعوا حقّه - من تصفية الباطن ، والتزهد في الدنيا ، والانقطاع عن أهلها وذويها طلباً لمرضاة الله - ، وأكثرهم لم يراعوا حقّه ، بل ضموا إليه السمعة والرياء ، والتغنّي والسماع ، والاشتغال بالملاهي وصحبة الأباطيل ، والمعطّلين عن الفكر والسير في الملكوت وعن ذكر الله إلاَّ بمجرد اللسان عند مجمع الخلائق . فآتينا المؤمنين المراعين منهم لهم أجرهم ، وكثير منهم فاسقون - وهم الذين لم يراعوها ولم يوفوا بها . قال الزجّاج : إن تقدير { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } : ما كتبنا إلاَّ ابتغاء رضوان الله وهو اتباع ما أمر به - فهذا وجه - . قال : وفيها وجه آخر في التفسير ، وهو أنهم كانوا يَرَوْنَ من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسراباً وصوامع وابتدعوا ذلك ، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا عليه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوماً لم يُفْرَض عليه لزمه أن يتم . قال : وقوله : { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } على ضربين : أحدهما : أن يكونوا قصّروا فيما ألزموا به أنفسهم ، والآخر - وهو الأجود - : أن يكونوا حين بعث النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فلم يؤمنوا به ، وكانوا تاركين لطاعة الله ، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها ، ودليل ذلك قوله : { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } ، يعني الذين آمنوا بالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي كافرون - انتهى كلام الزجّاج - . ويؤيده ما روي عن ابن مسعود قال : " دخلت على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : يا ابن مسعود ، اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة ، نجا منهم اثنتان وهلك سايرهنّ ، فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى ( عليه السلام ) فقتلوهم ، وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك ولا أن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله تعالى ، ودين عيسى ( عليه السلام ) ، فساحوا في البلاد ، وترهبوا ، وهم الذين قال الله لهم : " ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم " . ثم قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون " . مكاشفة في هذه الآية حجة على عدم خلوّ الزمان عمن تقوم به حجة الله على خلقه ، إذ علم أنه بهذا جرت سنّة الله من لَدُنْ آدم ونوح وآل إبراهيم ، إلى وقت نبيّنا - صلوات الله عليهم أجمعين - ، ولن تجد لسنّة الله تبديلا ، لكن النبوة قد ختمت برسولنا ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والولاية التي هي باطن النبوة باقية إلى يوم القيامة ، فلا بد في كل زمان - بعد زمان الرسالة - من وجود ولي يعبد الله على الشهود الكشفي من غير تعلّم ، ويكون عنده مأخذ علوم العلماء والمجتهدين ، وله الرئاسة العامة في أمر الدين والدنيا ، وهو الداعي للخلق بحسب الفطرة من قِبَل الله ، سواء أطاعته الرعية أَوْ لاَ ، والناس أجابوه أو أنكروه ، وسواء كان ظاهراً مشهوراً ، أو مستتراً مغموراً ، كأكثر الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين - . وكما ان النبوة والشريعة قد خُتمت برسولنا ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فالولاية التي هي باطنها تختم بآخر أولاده المعصومين ، وهو الذي يواطي اسمه اسم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ومعناه معناه ، وبجوده أقيمت البلاد ، ورُزقت العباد ، وبظهوره يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً . وفي حديث كميل بن زياد النخعي ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ما يدل على هذا المطلب ، وهو قوله - بعد كلام سابق - : " يا كُمَيل ، مات خُزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، آهٍ آه ، إن هاهنا - وأشار بيده الشريفة إلى صدره المقدس - لعِلماً جمّاً ، لو أصبت له حَمَلَة ، بلى أصيب له لقِناً غيرَ مأمون ، يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على خلقه ، وبنعمه على عباده ، أو منقاداً للحق لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض شبهة . أَلاَ - لا ذا ولا ذاك - أو منهوماً باللذّات سلس القيادة للشهوات ، أو مُغْرَماً بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شيء شَبَهاً بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه . اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، إما ظاهراً مشهوراً ، واما خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيّناته وكم ذا وأين أولئك ؟ أولئك والله الأقَلّون عدداً ، والأعظمون عند الله قدراً ، يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتى يودعوها نُظَراءَهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استعوره المترفون ، وأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتهم . وفيه إشعار بأمور : الأول : إن العالِم الحقيقي ، له الولاية على الدين والرئاسة فيه . الثاني : إن سلسلة العرفاء بالله والولاية المطلقة لا تنقطع أبداً . الثالث : إن عمارة العالم الأرضي ، ووجود أفراد الإنسان وسائر الحيوانات وغيرها من الكائنات ، إنما يكون بوجود العالِم الرباني ، وقد يقام عليه البرهان في الحكمة المتعالية ، فيلزم منه الاعتراف بوجود إمام حافظ للدين في كل زمان . الرابع : ان هذا القائم بحجة الله ، لا يجب أن يكون ظاهراً مشهوراً كمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أيام تمكنه من الخلافة الظاهرة ، بل ربما يكون خاملاً مستوراً - كهو ( عليه السلام ) قبل ذلك الوقت ، وكأولاده الأحد عشر بعده ، سيما القائم المنتظر امامنا المهدي - سلام الله عليه وآله وآبائه الطاهرين - المشار إليهم في قوله تعالى : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } [ آل عمران : 34 ] . وفيما روي عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " لا تزال أمتي بخير ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . الخامس : ان من خواص أولياء الله وحججه ، أن تكون علومهم ومعارفهم حاصلة بحدس تام وإلهام من الله من غير تعمّل وتكسّب ، كما دلّ عليه قوله ( عليه السلام ) : " هجم بهم العلم على حقائق الأمور ، وباشروا روح اليقين " أي أطلعهم الله على حقائق الموجودات ، وقذف في قلوبهم نوراً من لدنه ، يريهم الأشياء كما هي ، وهذه هي الحكمة الحقيقية التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً . السادس : انه قد علم شرف الحكمة الإلهية ومنزلة حامليها ، حيث اشتاقت نفسه الشريفة ( عليه السلام ) إلى لقائهم مع كونه قدوة الربّانيين ومقدّم السائرين إلى الله بقوة الحكمة والعرفان ، وبه تنتهي سلسلة السالكين وأصحاب الطريقة والصوفيين ومن يحذو حذوهم في التألّه والمعرفة - لا في مجرد الرياضة البدنية وجلوس الصوامع ولبس الخرقة ، إذ لا كمال فيه يعتد به - . وذلك لأن الجنسية علّة الضم ، والجنس يحنّ إلى جنسه ، ولأن فنون التقرب إلى الله تعالى متعددة ، وأذواق الكاملين مختلفة ، مع اشتراكهم في غلبة جانب التوحيد والعلم والفناء والبقاء ، فلا يبعد أن يكون الاشتراك في جهة الكمال المطلق ، ومظهرية الذات الأحدية يوجب أصل المحبة ، والاختلاف في ظهور بعض المظاهر الاسمائية والصفاتية ، وخفاء بعضها ، يوجب التشوق بجهة خفاء اسم أو صفة إلى جهة ظهور اسم أو صفة ، فإن تجليّات الحق بحسب الأسماء والصفات غير متناهية عدداً ، فكذلك تختلف المظاهر والمجالي اختلافاً غير متناه شخصياً . ومما يدل على وجود الإمام المطاع في الأحكام في جميع الأزمنة ، ما اتفقت روايته بين الخاص والعام في قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية " . وقد اتفقت الأمامية على أن الإمام في زماننا هذا هو المهدي ( عليه السلام ) ، الموعود ظهوره في آخر الزمان ، واستبعاد أهل السنة وجوده وبقاءه إلى الآن في غاية السقوط ، إذ الأدلة الطبيّة والنجومية على امتناع بقاء الإنسان بعد المأة والعشرين غير تامة ، ومع ذلك منقوض بوجود الأعمار الطويلة للسابقين ، كما هو المشهور من آدم ونوح ( عليه السلام ) ، وغيرهما ، وببقاء الدجّال اللعين من اللاحقين مدة طويلة هي من زمن الرسول - عليه وآله السلام - إلى وقت خروج المهدي ( عليه السلام ) . وأسقط من ذلك تشنيعهم على الفرقة الإمامية بأن أي ثمرة في وجود امام لا يمكن التوصل إليه وأخذ المسائل الدينية منه ؟ فإن مجرد المعرفة بإمامته ورئاسته ، والتصديق بوجوده وأنه خليفة الله في أرضه ، ثمرة ينتفع بها ، وليست الفائدة منحصرة في مشاهدته ، أَوَلاَ ترى أن من كان في عهد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وصدّق بوجوده وبرسالته ، كان مؤمناً حقاً وان لم يره مشاهدة كأوَيْس القرني - رضي الله عنه - فكذا ها هنا . و " روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري : " ان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذكر المهدي فقال : ذلك الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان . قال جابر : فقلت : يا رسول الله - هل لشيعته انتفاع به في غيبته . فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أي والذي بعثني بالحق ، أنهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب " " . والعجب أنهم حملوا الإمام في قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على أهل الشوكة الظاهرة من ملوك الدنيا - كائناً من كان ، عالماً أو جاهلاً ، عادلاً أو فاسقاً - فتشنيعهم على الإمامية مقلوب عليهم بأشد وجه بأن يقال : أي ثمرة تترتب على معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ؟ وأما رجوعهم عن هذا الحمل لغاية سخافته ، إلى أن المراد بالإمام في ذلك الحديث هو " الكتاب " ، فدفعته الإمامية بما نقله بعض الأعلام منهم بقوله : إن إضافته إلى زمان ذلك الشخص يشعر بتبدل الأئمة في الأزمنة ، والقرآن لا تبدل له - بحمد الله - على مَرّ الأزمان ، ولأن المراد بمعرفة الكتاب ، إن أُريد بها معرفة ألفاظه أو الاطلاع على معانيه ، أشكل الأمر على كثير من الناس ، حيث يكون موتهم ميتة جاهلية ، وإن أُريد مجرد التصديق بوجوده ، فلا وجه للتشنيع علينا إذا قلنا بمثله . اعلم أنه ذكر الشيخ محي الدين الأعرابي في الباب الثلاثمائة والست والستين من كتاب الفتوحات المكية كلاماً بهذه العبارة يدل على أنه كان معتقداً وجود المهدي ( عليه السلام ) ، وقد نقل بعض الأعلام من الكرام تمام هذا الكلام في كتاب الأربعين من أراد الاطلاع عليه فلينظر فيه ، ونورد فيه نبذة منه هي : " وان لله خليفة يخرج من عترة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من ولد فاطمة ( عليها السلام ) يواطئ اسمه اسم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، جده الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، يبايع بين الركن والمقام " . - وعدّ بعض نعوته وأوصافه الشريفة إلى أن قال : - " يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي ، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه ، لولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله ، ولكن الله يُظهره بالسيف والكَرَم فيخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان ، ويضمرون خلافه ، ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهب أئمتهم أنه على ضلال في ذلك " . - انتهى - . واعلم أن كل عالم رباني ذي مكاشفة تامة يعرف طريق التبتل إلى الله تعالى ، وكيفية التخلص عن ورطة التعلق بالمهلكات الدنيوية والمؤذيات النفسانية ، فإن اتّباعه وتعلم السلوك منه واجب عقلاً ، كما أن اتباع الرسول والأئمة ( عليهم السلام ) واجب عقلاً وسمعاً ، فكما أن المريض ومَن به داء مهلك ، عند التساهل عنه ، إذا وجد طبيباً حاذقاً يعرف معالجة ذلك المرض المهلك يجب عليه اتباعه وقبول ما أمر به ، بحسب ما جبل عليه من التحفظ على الحياة البدنية ، فكذلك من به مرض الجهل وداء الخُلُق الردي النفساني الذي به تفوت الحياة السرمدية ، يجب عليه بالضرورة أن يتبع العارف الواقف بكيفية إزالة الجهل وسائر الأخلاق الذميمة ، ويتعلم منه طريق الاستكمال ، ويتأسّى به ، ويسلك بسلوكه ، ويقبل منه النصائح في كيفية التقرب إلى المبدأ الفعّال . وكما ان من تيسر له خدمة عالم متألّه ، ثم تساهل في ملازمته وتَحَمُّلِ المعارف منه - خوفاً من سقوط منزلته عند الناس ، وتحفظاً على جاهه الحقير لدى العوام الناقصين - ، فيوشك أنه إذا خرج الإمام المهدي ( عليه السلام ) - الذي وجبت إطاعته عقلاً - تمرد على حكمه وتحاشى إطاعته ، إذا انحطت عند ذلك مرتبته عند الناس وسقط به جاهه الخسيس ، اللهم إلاَّ خوفاً أو طمعاً ، لا تقرباً إلى الله تعالى ، وإلاَّ لأطاع كل من له قدم راسخ في العلم بالله وملكوته ، وذلك لمرض نفسه ، وخبث جوهره ، وقصور ذاته بحسب نفس الأمر ، وسقوط منزلته عند الله حيث تصدّه المنزلة عند الخلق عن تحصيل المنزلة عنده ، ويُرْجُحُ عنده رضاء الخلق على رضاء الخالق ، وقد قال سبحانه : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] .