Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 28-28)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكِفْل : النصيب . يا أيها الذين آمنوا - أي : اعتقدوا توحيده وعلمه وقدرته وصدّقوا بأنبيائه ( عليهم السلام ) ، - اتقوا الله - فيما نهاكم عنه من قبائح الأفعال ورذائل الصفات - وآمِنوا برسوله - : محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . أو : يا أهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . وعن ابن عباس : يا أيها الذين آمَنوا ظاهراً ، آمِنوا باطناً ، يعطكم نصيبين من رحمته ، نصيباً لإيمانكم بمحمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ونصيباً لإيمانكم بمن قبله من الأنبياء ( عليهم السلام ) ، إن كان خطاباً لمؤمني أهل الكتاب ، ولا يبعد أن يُثابوا بما عملوا في دينهم السابق وإن كان منسوخاً . هكذا قيل ، وفيه تفصيل : فإنهم إن لم يكونوا معاندين ، بل كانوا منقادين للحق إذا ظهر عليهم ، فكل ما عملوا سابقاً طلباً لمرضاة الله ، كانوا مثابين به إلى أن وصل إليهم صيت الإسلام ، فإذا اجتهدوا في تحقيق الأمر حتى ظهر لهم ، فلا شبهة في أن لهم كفلين من رحمة الله ، وان لم يكونوا كذلك ، بل كانوا متعصبين لدينهم ، متصامّين عن استماع الحق ، فلا اعتداد بالأعمال التي فعلها الإنسان تعصباً وتجاهلاً من غير طلب البصيرة . وقيل : الخطاب للنصارى ، الذين كانوا في عهده ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . وان كان خطاباً لغير أهل الكتاب فالمعنى : اتقوا الله وأثبتوا على إيمانكم برسوله يؤتكم ما وعد مؤمني أهل الكتاب من الكِفْلَين في قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } [ القصص : 54 ] . ولا ننقصكم من مثل أجرهم لإنكم مثلهم في أنكم لا تفرقون بين أحد من رسله . ويجعل لكم يوم القيامة نوراً تمشون به - اي : هدى يهتدون به . وعن ابن عباس : " النور " : القرآن ، لما فيه من الأدلة النيّرة على كل حق ، والهداية إلى كل خير ، وبه الاستحقاق لحصول الضياء في القلب الذي يمشي به يوم القيامة . ويغفر لكم - أي : يستر عليكم ذنوبكم التي أسلفتم من الكفر والمعاصي . روى سعيد بن جبير : بعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه ، فقدم عليه ودعاه ، فاستجاب له وآمن به ، فقال أناس ممن آمن به من أهل مملكته ، وهم أربعون رجلاً : " إئذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم " . فأذن لهم . فقدموا مع جعفر ، وقد تهيأ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لوقعة أحد ، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة ، استأذنوا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فرجعوا وقدِموا لهم بأموال لهم ، فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [ القصص : 52 ] الى قوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [ القصص : 54 ] . فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } [ القصص : 54 ] فخروا على المسلمين فقالوا : " أمّا من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم ، فما فَضْلُكُم علينا " ؟ فنزلت الآية ، فجعل لهم أجرين ، وزادهم النور والمغفرة . وروي ان مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم ، فنزلت . مكاشفة يا أيها المعدودون من أهل الإيمان ، اتقوا الله بتكثير الحسنات وتنقيص السيآت ، وآمنوا برسوله أي : حصّلوا لأنفسكم مَلكة المعرفة بالله ، وكيفية إرسال الرسول ، وإنزال الكتب عليه ، وإفاضة الحقائق العلمية على قلبه بواسطة المَلَك الموحى إليه بإذن الله ، والتصديق برسالته واطلاعه على المغيّبات وحقيّته في كل ما أتى به . والأول : رعاية للجزء العملي من النفس الإنسانية ، ومحافظة على حصول ثمرته التي هي تصفية وجود ( وجه ) النفس بتقوى الله ، والزهد الحقيقي عن كدورات الشهوات الدنيوية من المعاصي والقبائح . والثاني : رعاية للجزء النظري منها ، وايصاله بكماله الذي هو المقصود من وجود الإنسان ، وهو اكتساب المعارف الحقة الباقية معه أبداً مخلداً . وحيث كان كمال الإنسان ومنزلته عند الله ، وحصوله المثوبة الأخروية له ، منوطاً بثمرة استكمال كل من هاتين القوتين ، فلا بد لكل من آمن بالله واليوم الآخر ، أن لا يتوانى عن اكتساب الأحوال والأعمال ، واقتناء العلوم والمَلَكات المؤدية إلى هاتين الثمرتين . أما ثمرة الأعمال الصالحة ، فالتخلص من ذمائم الأخلاق ورداءة الأوصاف والتعلقات الدنيوية المانعة عن قبول الرحمة والهداية ، وإلاَّ فالجود مبذول والرحمة واسعة عند عدم المانع . وأما ثمرة العقائد الحقة ، فمشاهدة الأعيان الشريفة النورية ، ومنادمة الملائكة القدسية ، وأهل الصفوة ، وعباد الله المقربين ، وقبول التجليات الإلهية . أما صاحب رتبة العمل دون العلم ، فهمّته متوجهة نحو لذّات الجنان ، والمشتهيات من الحور والغلمان ، وكل ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين بقوة التخيّل وتصل همّتها إليه - وان كان نازلاً عما يهمّه ويقصده المقرّبون من العرفاء ، كالسِدر المخضود والطلْح المنضود . واما صاحب المعرفة ، فهمّته متوجهة نحو عالم القدس والوحدة ، ومشاهدة الجمال والجلال ، فله المثوبة الكبرى والدرجة الكبرى والدرجة العظمى ، والمشرب الكافوري - وما هو دون ذلك إن أراد كالمشرب الزنجبيلي - فلما أمر سبحانه أهل الإيمان بالتقوى والمعرفة ، وكل منهما ينتج ثمرة خاصة ونصيباً مخصوصاً من فيضه ورحمته ، وقعت الإشارة إلى حصول النصيبين لهم من الرحمة ، نصيباً لأجل العلم ، ونصيباً لأجل العمل . ولما كانت ثمرة العلم أجلّ رتبة وأفضل قدراً من ثمرة العمل - فضيلة الإدراك على الحركة ، وشرافة العين على القدم - ، أشار أولاً إلى ذكر ثمرة العلم وتعيين ماهيّتها بقوله : { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } [ الحديد : 28 ] ، فإن هذا النور بعينه هو النور المذكور في قوله : { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ } [ التحريم : 8 ] . ثم أشار إلى ثمرة العمل بقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ، ثم أشار إلى كون ذاته تعالى منشأ جميع الخيرات ومبدأ فنون المبرّات بقوله : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } ، نظراً إلى إمداد لطفه في اجتناب الإنسان عن الرذائل ، وقبول توبته { رَّحِيمٌ } ، نظراً إلى إفاضة جوده في تلبّس الإنسان للفضائل .