Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 8-8)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو عمرو : " أُخِذ " بضم الهمزة ، و " ميثاقُكُم " بالرفع ، والباقون بصيغة المعلوم ، ونصب " ميثاقكم " على المفعولية ، والضمير يعود إلى الله تعالى ، وجملة : " لا تؤمنون " حال من معنى الفعل في " مالكم " . حاصله : وما تصنعون كفّاراً بالله - مع وضوح البراهين على وحدانيته - ، والحال ان الرسول يدعوكم للايمان بقواطع الحجج والبينات ، ويتلو عليكم الكتاب الناطق والآيات المبينات ؟ ففي الكلام حالان متداخلان . وقرئ : ومالكم لا تؤمنون بالله ورسوله والرسول يدعوكم ، أي . وأي عذر لكم في ترككم الاعتقاد بوحدانية المبعود ، وما أتى به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد أقيمت البراهين على ما تؤمرون به سمعاً وعقلاً ؟ أمّا الأول : فلأن الرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ، والعقل السليم عن الأمراض ، والآفات النفسانية ، مجبول على الاعتقاد بصدق قوله ، بما أظهره الله على يده من المعجزات التي هي خارجة عن طَوْق البشر . وأمّا الثاني : فلنهوض البراهين القاطعة الدالة على الإيمان بالله والرسول ، وكون الغريزة الإنسانية مرتكز فيها التصديق بحقائق مفطورة عليها ، كما أشار إليه بقوله تعالى : وقد أخذ ميثاقكم . والحاصل أنه : أيّ عذر لكم في ترك الإيمان بعد ما أزيحت عنكم العلل ، وأوضِحَت لكم السُبُل ، بما ركّب فيكم من غرائز العقول ، ونصب لكم من دعوة الرسول المؤيدة بالدلائل والآيات التي ينبه لكم بها على الإيمان بمن هو ربكم ، دون من هو مربوب مثلكم ؟ إن كنتم مؤمنين - ، أي ممن يهمّكم التصديق بما يقوم البرهان الواضح على صحته ، فقد قام ذلك عقلاً وسمعاً ، وهما فطرة العقول ودعوة الرسول . هذا إذا جُعل خطاباً للمشركين ، فإن جعل خطاباً للمؤمنين فمعناه : أي سبب يزيلكم عن الإيمان ، والرسول بين أظْهُرِكُم يدعوكم إلى الثبات عليه ، وقد أخذ هو عليه ميثاقكم إن كنتم مؤمنين موقنين بشرائط الإيمان ؟ وهو كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } [ آل عمران : 100 ] وعلى التأويل الأول ، أخْذُ الميثاق من الله على عباده هو ميثاق الخِلقة ، وقيل هو أخذ ميثاق الذرية . مُكاشفة يحتمل أن يكون معنى قوله تعالى : إن كنتم مؤمنين : إن كنتم ممن تتمشى منه المعرفة والإيقان ، لا من الذين انحطّت درجتهم عن هذا وقيل فيهم : أولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً ، ولا من الذين طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ، فالبراهين والدلائل العقلية والسمعية ليست نافعة في حق الأشقياء الناقصين بحسب الفطرة ، لامتناع قبولهم للهداية لعدم استعدادهم رأساً ، ولا لأهل الجحود والإنكار ، لزوال استعدادهم ومسخهم وطمسهم بالكلّية لفساد اعتقادهم ، فهم أهل الخلود في النار إلاّ ما شاء الله . فالخطاب في هذه الآية ، إمّا لأهل الفضل والثواب ، سواء كانوا من المقربين والسابقين ، أو من أصحاب اليمين ، على تفاوت طبقاتهم ، أو كانوا من أهل الرحمة الباقين على سلامة نفوسهم وصفاء قلوبهم ، المتبوئين درجاتِ الجنة على حسب استعداداتهم من فضل ربهم ، لا على حسب كمالاتهم من ميراث عملهم ، أو كانوا من أهل العفو الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ، سواء كان العفو عنهم لقوة اعتقادهم وعدم رسوخ سيئاتهم ، أو لمكان توبتهم عنها وإنابتهم إلى الله - فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات - . أو لأجل نجاتهم من الجحيم بعد أن زال عنهم دَرَنُ ما كسبوا من السيئات ، كالسبيكة من الذهب التي تخرج من النار خالصة ، وهم أهل العدل والعقاب ، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيّئات ما كسبوا ، لكن الرحمة الإلهية تتداركهم وتنالهم بالآخرة .