Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 8-8)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيّن الحقّ سبحانه في الأوّل حال المبدأ ، وأمَر الإنسان بأن ينظر بَدْوَ أمره ومادّة وجوده . وأشار ثانياً إلى أن يعلم من أصل خلقته ومادّة طينته ما يتسبّب به أمر معاشه ومعاده ، وليكتسب الحكمة الخُلُقيّة والمنزليّة والمدنيّة ، ويعلم أنّ محلّه العجز والافتقار ، ومقامه النقص والاضطرار ، ليس له على شيء يد ، ولا له على نفسه سلطان ، ويستفيد من ذلك العلم بقدرة الحقّ وسلطانه ، وباهر حكمته ببرهانه ، وتفرّده بوجوب الوجود ، واستغنائه عن كلّ موجود . وأشار ثالثاً إلى معاده ، وأنّه ممكن مقدور عليه ، ولا تتقاصر عنه القدرة الإلهيّة والمكنة الجبروتيّة . ولمّا كان العلم بالموت من اليقينيّات التي لا شبهة فيها ، أعرض عن ذكره صفحاً ، وذكر المعاد الذي هو من مزالّ الأقدام ومداحض العقول والأفهام ، وتعرّض لبيانه على وجه التعريض والتلويح - وربّ تعريض أبلغ من التصريح - فقال : إنَّهُ - ، الضمير للخالق ، لدلالة " خَلق " عليه - لَقادِر - ليبيِّن أن القدرة لا يتأبّى عنها شيء من المقدورات ولا يعجز ، يعني أنّ الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة هي أمر بالقوّة في غاية الوهن والسخافة ، وقبول الآفة والفساد ، فهو قادر على إعادته . والتنكير في قوله : " لَقادِر " للتفخيم ، أي لَقَادرٌ وأيّ قادرٍ ، ونظيره : " انَّني لَفَقير " . ومعنى " الرجع " ردّ الشيء إلى أوّل حاله ، فعن الحسن والجبائي وقتادة : إنّ الذي خلقه ابتداء من هذا الماء يقدر على أن يرجعه حيّا بعد الموت . وعن عكرمة ومجاهد : إنه لقادر على ردّ الماء في الصلب . وعن الضحاكّ : إنّه على ردّ الإنسان ماء كما كان قادر . وقال مقاتل بن حيّان : كأنّه يقول : " إنّه قادر على ردّ الإنسان من الكِبَر إلى الشباب ، ومنه إلى الصِبى ، ومنه إلى النطفة ، ومنه إلى الإحليل ، ومنه إلى الصلب ، فكيف لا يقدر على إحيائه بعد الموت . والأصحّ القول الأوّل ، لأنّ قوله جلّ اسمه :