Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 106-113)

Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فأما الذين شقوا ففي النار } جزاءاً على أعمالهم يخلدون فيها { لهم فيها زفير وشهيق } ، قيل : الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف ، قال جار الله : وقوله تعالى : { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } فيه وجهان أحدهما أن يريد سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد ، والدليل أن لها سموات وأرضاً قوله تعالى : { يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسموات } [ إبراهيم : 48 ] وقوله : { وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } [ الزمر : 74 ] والثاني أن يكون عبارة عن التأييد ونفي الانقطاع كقول العرب ما دم لعار وما أقام ثير وما لاح كوكب ، قال جار الله : فإن قلت : ما معنى الاستثناء بقوله : { إلاَّ ما شاء ربك } وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار خلود الأبد من غير استثناء ؟ قلت : هو استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة ، وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب وحده ، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار وبما هو أغلظ منها كلها ، وهو سخط الله عليهم وإهانته لهم ، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكثر منها وأجلّ موقعاً منها وهو رضوان الله تعالى كما قال : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنَّات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } [ التوبة : 72 ] ، وقوله تعالى : { إن ربك فعال لما يريد } يعني أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له ، قوله تعالى : { غير مجذوذ } أي غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية ولما بيَّن تعالى قصص أهل الأوثان وأنه أهلكهم بكفرهم قال : { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء } يعني قريش { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } يعني على طريق التقليد { وإنا لموفوهم نصيبهم } من العقاب { غير منقوص } يعني من غير نقص ، وقيل : هو من خير وشر ، وقيل : هو نصيبهم من الرزق ، وقيل : نصيبهم من العمر { ولقد آتينا } أي أعطينا { موسى الكتاب } يعني التوراة { فاختلف فيه } يعني اختلف فيه قوم موسى فمن مصدق ومن مكذب كما اختلف { ولولا كلمة سبقت من ربك } يعني كلمة الأنظار إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } بين قومنا وقومك وهذه من جملة التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { وانهم } يعني قوم موسى { لفي شك منه } أي من كتابهم ، وقيل : من نبوة موسى ، وقيل : في شك من الوعيد { مريب } والريب هو الشك { وإن كُلاًّ } ، قيل : من الجاحدين والمخالفين ، وقيل : هؤلاء الذين قصصنا عليك نبأهم { ليوفينهم ربك أعمالهم } أي يعطيهم جزاء أعمالهم { فاستقم كما أمرت } روي عن ابن عباس أنه قال : ما نزلت آية أشد على رسول لله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هذه الآية { فاستقم كما أمرت } ولهذا قال : " شيبتني هود " أي استقم عن أمر ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرت { ومن تاب معك } والمعنى فاستقم أنت وليستقم من تاب من الكفرة وآمن معك { ولا تطغوا } ، قيل : لا تجاوزوا أمر الله تعالى بالزيادة والنقصان فتخرجون عن الاستقامة ، وقيل : لا تعصوا الله وتخالفوه { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار } الآية تدل على قبح الركون إلى الظالم ، وهذا الركون ينقسم فمنها الميل إليهم ، ومنها الرضا بطريقتهم ، ومنها معاونتهم ، ومنها موالاتهم فأما لدفع الشر فذلك غير منهي عنه ويدل على أن من ركن إلى الظالم تمسه النار ، وروي أن في جهنم وادياً لا يسكنه إلاَّ الزائرون للملوك ، وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه " ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في بريَّة هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا ، فقيل له : يموت ، فقال : دعه يموت ، وقد قيل : ان الركون الميل اليسير وهو مصاحبتهم ومجالستهم ، وقوله : { إلى الذين ظلموا } يريد الذين وجد منهم الظلم ولو مرة واحدة ، وفي الحديث : " يؤتى بالظالمين وبأعوان الظالمين حتى من أمد لهم دواة أو برى لهم قلماً فيوضعون في تابوت من نار " ، وعن بعضهم : " ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور والياً " { وما لكم من دون الله من أولياء } من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه .