Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 36-53)
Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإن الله ربي } خالقي وخالقكم { فاعبدوه } وحّدوه { هذا صراط مستقيم } أي طريق واضح { فاختلف الأحزاب } الجماعات { من بينهم } ، قيل : هم النصارى افترقوا في عيسى فرقاً ثلاثاً اليعقوبية والنسطورية والملائكة ، وقيل : اليهود والنصارى من أهل الكتاب اختلفوا في عيسى ، وقيل : أراد جميع الكفار الذين تحزّبوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { من بينهم } من للتبعيض لأن منهم من ثبت على الحق { فويل للذين كفروا } ، قيل : الويل كلمة وعيد { من مشهد يوم عظيم } يعني من مجمع يوم ، أي الويل لهم من الفضيحة على رؤوس الجمع وهو يوم القيامة ، قال جار الله : أو من كان الشهود فيه وهو الموقف ، أو من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم { أسمع بهم وأبصر } ، قيل : ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة ولكن لا ينفعهم ، وقيل : أسمعهم ما أنزلنا عليك من وعيدهم وأبصرهم بالوصف لهم ذلك حين يصيرون كأنهم يبصرون { يوم يأتوننا } أي يأتون القيامة { لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } يعني في الدنيا في ضلال مبين ظاهر ، قال جار الله في قوله : { أسمع بهم } معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون ما يسؤهم ويصدع قلوبهم { وأنذرهم } خوَّفهم { يوم الحسرة } أي يوم القيامة ، وسميت الحسرة لكثرة الحسرات والتأسف على ما فرط ، وقيل : إنما يتحسر من يستحق العقاب فقط والله أعلم ، قوله تعالى : { إذ قضى الأمر } فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ، وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه سُئِل فقال : " حين يذبح الكبش والفريقان ينظرون " { وهم في غفلة } يعني في الدنيا عن ذلك { وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } يعني نميتهم فلا يبقى ملك ولا متصرف ويبقى الله تعالى فيرث الأرض ومن عليها ، والمراد بالإِرث زوال ملك أهلها { وإلينا يرجعون } يعني يبعثون يوم القيامة فيرجعون إلى حكمه وجزائه على أعمالهم ، ثم ذكر قصة إبراهيم فقال سبحانه : { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { إبراهيم إنه كان صدّيقاً نبياً } كثير الصدق في أمور الدين ، وكثرة ما صدق به من عيوب الله وآياته وكتبه ورسله { إذ قال لأبيه } آزر وكان كافراً : { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ، قيل : لا ينفعك ولا يضرك ولا يغني عنك شيئاً ، قيل : أراد الأصنام ، وقيل : أراد كل معبود عبدوه قومه من الشمس والقمر والنجوم { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك } يعني من علوم الدين وأمر القيامة وأحوالها ومن وعد الله ووعيده ما لم تعلم { فاتّبعني أهدك صراطاً سويَّاً } أي طريقاً مستوياً وهو طريق الحق ، وقيل : طريق الجنة { يا أبت لا تعبد الشيطان } ، قيل : لا تطيعه فيما يدعوك فتكون بمنزلة من عبده لأن من أطاع شيئاً فقد عبده ، ويحتمل أن المراد بالشيطان رؤساءهم والأول الوجه ولا شبهة أنهم لم يعبدوا الشيطان ولم يصلّوا له ولكن أطاعوه { يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليّاً } قريناً في النار ، وقيل : لا حق للشيطان في اللعن ، ثم بيّن تعالى حديث إبراهيم ( عليه السلام ) في دعوته إلى دينه فقال سبحانه : { قال } يعني أبو إبراهيم وهو آذر مجيباً له حين دعاه إلى الإِيمان { أراغب أنت عن آلهتي } أتزهد في عبادة آلهتي التي هي الأصنام ، وقيل : تأنف عن عبادة آلهتي { لئن لم تنته لأرجمنَّك } ، قيل : بالحجارة ، وقيل : أظهر أمرك للناس فيرجموك ويقتلوك { واهجرني مليَّاً } ، قيل : دهراً طويلاً ، فلما سمع ابراهيم من أبيه هذا الجواب الموحش { قال سلام عليك } ، قيل : توديع على اللطف وهو سلام متاركة ومباعدة ، وقيل : أما أن لك مني ما أردت من اعتزالي فإني أفعله ، وقيل : أراد سلامة الدنيا ، قال في الحاكم : وهذا يجوز أن يدعا به للكافر { سأستغفر لك ربي } ، قيل : كان وعده أن يؤمن فاستغفر له بشرط أن يصدق وعده { إنه كان بي حفيّاً } لطيفاً رحيماً ثم بيَّن أنه يختار الدين على مساعدة الأب والهجرة عن الوطن فقال : { وأَعتزلكم وما تدعون من دون الله } ، قيل : تدعونه إلهاً وهي الأوثان ، وقيل : تدعون تعبدون { وأدعوا ربي } أي أعبده وأدعوه إلهاً { عسى } على وجه الخضوع { ألاَّ أكون بدعاء ربي } ، قيل : هو ها هنا واجبٌ ومعناه { ألاَّ أكون بدعاء ربي شقيَّاً } كما شقيتم بدعاء الأصنام { فلمَّا اعتزلهم } أي فارقهم قيل : فارقهم إلى الأرض المقدسة { وما يعبدون من دون الله } يعني يدعونه إلهاً وهي الأوثان { وهبنا له إسحاق ويعقوب } إبناً وابن ابنٍ { وكُلاًّ جعلنا نبياً } يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، قوله تعالى : { ووهبنا لهم من رحمتنا } ، قيل : المال والولد ، وقيل : النبوة والكتاب ، وقيل : الرحمة والنعمة فوهبهم نعمة الدنيا والدين { وجعلنا لهم لسان صدقٍ علياً } رفيعاً قيل : بناء حسناً ولسان العرب لغتهم وكلامهم استجاب الله دعوته { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } ثم ذكر حديث موسى واسماعيل فقال سبحانه : { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { موسى إنه كان مخلصاً } ، قيل : أخلص العبادة لله ، وقيل : كان موحداً مسلماً ، وبفتح اللام كان مختاراً للرسالة { وكان رسولاً نبياً } الرسول الذي معه الكتاب من الأنبياء والنبي الذي ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع { وناديناه } أي دعوناه { من جانب الطور الأيمن } أي من ناحية اليمنى أو من الأيمن صفة للطور والجانب ، وعن أبي العالية حتى سمع صريف القلم الذي كتب به التوراة { ووهبنا له من رحمتنا } من أجل رحمتنا وتراوفنا عليه وهبنا له { هارون } وكان هارون أكبر من موسى فوقعت الهيبة على معاضدته وموازرته عن ابن عباس .