Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 57-64)

Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } الآية نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث وكانا أظهرا الإِسلام منافقين ثم ارتدا وكان رجال من المسلمين يوادّونهما وفيهما نزل قوله تعالى : { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } { واتقوا الله } في موالاة الكفار { إن كنتم مؤمنين } حقا ، قوله تعالى : { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً } قال جار الله : الضمير للصلاة والمناداة ، قيل : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول : أشهد ان محمداً رسول الله قال : حرق الكاذب ، فدخلت خادمته بنار ذات ليلة وهو نائم فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله ، فنزلت الآية ، وقيل : فيه دليل على وجوب الآذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده ، وقيل : كانت اليهود إذا أذن المسلمون يقولون : قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا ، على طريق الاستهزاء ، فنزلت الآية { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنه لا عقل لهم ، وروي أن اليهود والنصارى كانوا إذا سمعوا المؤذن يتضاحكون بينهم ، قال الحاكم : ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ، يعني هؤلاء الكفار لا يعقلون أي لا يعلمون ما لهم في استهزائهم ، قيل : لا يعلمون فضل الصلاة وما على تاركها من العقاب ، قوله تعالى : { قل } يا محمد { يا أهل الكتاب } وهم اليهود والنصارى { هل تنقمون منا } أي تنكرون ، وقيل : تعيبون وتهزؤون { إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا } وهو القرآن { وما أنزل من قبل } على الأنبياء { وان أكثركم فاسقون } خارجون عن الدين ، " وروي أنه أتى الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفر من اليهود فسألوه عن من يؤمن به من الرسل فقال : " أؤمن بالله وما أنزل إلينا إلى قوله ونحن له مسلمون " فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى : ما نعلم أهل دين أقل حظاً من الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً أشر من دينكم " فنزلت : { قل } يا محمد { هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله } ، الآية نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا : ما نعلم أمة جاءها رسول أضيق عيشاً ولا أشقى من أمة محمد ، فنزلت : { بشرٍ من ذلك } بشر خرا مما تنقمون منا ، وقيل : معناه ان كان ذلك عندكم شراً فأنا أخبركم بشر منه عاقبة { مثوبة } جزاء { عند الله } قال جار الله : فإن قلت : المثوبة مختصة بالإِحسان كيف جاز في الإِساءة ؟ قلت : وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله : تحية بينهم ضرر وجيع ، ومنه قوله : { فبشرهم بعذاب أليم } قوله تعالى : { من لعنه الله } أبعده من رحمته { وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } حين مسخوا { وعبد الطاغوت } منهم وبينهم بمعنى صار معبوداً من دون الله { وقرئ } برفع العين ، وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون الممسوخون { شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل } كان أهل السبت وأهل مائدة عيسى ( عليه السلام ) مسخوا قردة وخنازير ، قوله تعالى : { وإذا جاؤوكم قالوا آمنَّا وقد دخلوا بالكفر } الآية نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيظهرون له الايمان فأخبره الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من عنده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل ما دخلوا أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، وقيل : نزلت في المنافقين ، قوله تعالى : { وترى كثيراً منهم } يعني من اليهود { يسارعون في الاثم } الكذب والعدوان الظلم ، وقيل : الاثم الشرك ، وهو قولهم عزير ابن الله والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة { وأكلهم السُّحت } هو الحرام ، وقيل : الرشوة ، قوله تعالى : { لولا ينهاهم الرَّبَّانيون والأحبار } قيل : العلماء ، وقيل : الربانيون علماء النصارى ، والأحبار علماء اليهود { عن قولهم الاثم } الآية عن ابن عباس والضحاك أنها أشد آية في القرآن ، وعن الضحاك ما في القرآن آية هي أخوف عندي منها وهذه أشد آية على تاركي النهي عن المنكر حيث أنزله منزلة من يكسبه وجمع بينهم في التوبيخ ، روي في تفسير الثعلبي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما من رجل يجاور قوماً يعمل بالمعاصي فلا يأخذون على يديه إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب " وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : " مثل الفاسق في القوم مثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل واحد منهم نصيب فأخذ رجل منهم فأساً فجعل ينقر في موضعه ، فقال له أصحابه : أي شيء تصنع تريد أن تغرق وتغرقنا ؟ قال : هو مكاني ، فإن أخذوا على يديه نجوا ونجى وإن تركوه غرق وغرقوا " قال مالك بن دينار : أوحى الله تعالى إلى الملائكة أن عذبوا قرية كذا فصاحت الملائكة إلى ربها : يا رب إنها فيها عبدك العابد ! ! قال : اسمعوني ضجيجه فإنَّ وجهه لم يتغير غضباً لمحارمي ، وأوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وثمانين ألفاً من أشرارهم ، فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ قال : لأنهم لم يغضبوا لغضبي ، وآكلوهم وشاربوهم ، قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة } قال جار الله : على اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ، ومنه قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } [ الإسراء : 29 ] وقيل : إنما قال ذلك فنحاص اليهودي ولم ينهه الآخرون ورضوا به فأشركهم الله تعالى فيها ، قال جار الله : فإن قلت : كيف جاز أن يدعو الله عليهم بما هو قبيح وهو البخل والنكد ؟ قلت : المراد به الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم { غلت أيديهم } أي أمسكت أيديهم عن الخيرات { ولعنوا بما قالوا } أي وعذبوا بما قالوا { بل يداه مبسوطتان } قيل : قوته ، وقيل : قدرته كقوله أولي الأيدي والأبصار ، وقيل : هو ملكه ، وقيل : أراد نعمتاه مبسوطتان نعمته في الدنيا ، ونعمته في الآخرة { ينفق كيف يشاء } تأكيداً للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة { وليزيدنَّ } أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } يعني اليهود والنصارى ، قوله تعالى : { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } كلما أرادوا محاربة أحد غُلِبُوا وقُهِرُوا ولم يقم لهم نصر من الله تعالى على أحد قط ، وقيل : خالفوا حكم التوراة فبعث الله عليهم بخت نصَّر ، وروي عن قتادة لا تلقى اليهود في بلد إلا وجدتهم من أذل الناس { ويسعون في الأرض فساداً } يعني ويجتهدون في الكيد للاسلام ومحوا ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كتبهم .