Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 88-88)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قالَ يا قَوْم أرأيتُم إنْ كُنتُ عَلى بيِّنةٍ } بيان بالعلم والنبوة والهداية { مِنْ ربِّى ورَزَقنى منهُ رزْقاً حَسناً } مالا حلالا ، وكان كثير المال والنعمة طيبهما ، لا بخس ولا تطفيف ، وزعم بعض أن البينة البصيرة ونور العقل ، ولا بأس بهذا وأن الرزق الحسن النبوة والحكمة والمعرفة والعلم ، وفى هذا ضعف ظاهر ، إلا إن أريد أن ذلك سبب الرزق الحسن فى الدنيا والآخرة . وإنما قال منه على معنى من عنده تعالى وأعانه بلا كد منى فى تحصيله ، وجواب الشرط محذوف تقديره ، فهل يسعنى أن أخالفه وأتبعكم مع هذا الإنعام الجامع لخير الدنيا والآخرة ؟ ومتعلق أرأيتم بمعنى أخبرونى هو مجموع الشرط والجواب ، ويجوز كون الجواب مدلولا عليه بأرأيتم ، وذلك المقدر متعلق أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وأتانى رحمة منه ، فأخبرونى هل يسعنى أن أخالفه ؟ وإنما حذف هل يسعى الخ سواء جعل جوابا أو متعلق جواب ، لدلالة إثبات الجواب فى قصتى نوح وصالح على مكانة ، ولتدل معنى الكلام عليه ، وذلك الكلام من شعيب مراعاة حق الله تعالى ، وهو أهم الحقوق وأعلاه ، ولذلك بداية قيل . وأشار إلى حق النفس بقوله { وما أريدُ أنْ أخالفَكُم إلى ما أنْهاكُم عَنْه } من الإشراك والتطفيف وغيرهما ، أى لست أنهاكم عن ذلك لأفعله أنا ، وأختص به ، فإنه لا خير فيه لى ولا لكم ، وإنما أنهاكم نصيحة لكم ، وشفقة عليكم ، ولو كان صوابا لفعلته ولم أختص به ، بل آمركم به لكمال نصحى لكم ، وشفقتى عليكم ، يقال خالفت زيدا أنى كذا إذا قصدته ، وأدبر عنه وخالفته عنه فى العكس ، ويحتمل أن يكون ذلك مأخوذا من خلفه ، بمعنى وراءه ، لأنك قصدت إلى ما تركه زيد وراء ظهره ، أو تركت ما قصد إليه وراء ظهرك . وأشار قبل إلى حق الناس بقوله { إن أريدُ إلاَّ الإصْلاحَ ما اسْتَطعتُ } أى مدة استطاعتى ، فما ظرفية مصدرية ، أى ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتى ونصحى مدة استطاعتى الإصلاح ، وتمكنى منه لا أقصر فى ذلك كما تقتضيه الحقوق الثلاثة المذكورة ، والمصدر ظرف زمان بنيابته عن المدة ، كما رأيت متعلق بأريد ، قيل أو بأداة النفى وهو أصح من حيث المعنى . ويجوز أن يكون ما اسما واقعا على المقدار بدلا من الإصلاح بدل اشتمال ، أى المقدار الذى استطعته من الاستطاعة ، أو المقدار الذى استطعت إصلاحه ، وحذف المضاف ، وإن قدرنا المقدار الذى استطعته من الإصلاح كان بدل بعض واسما واقعا على المقدار ، على تقدير مضاف قبلها ، أى إصلاح ما استطعت ، فيكون البدل اشتماليا أو بعضيا كذلك ، ويجوز كونها مفعولا للإصلاح ، فيكون ذلك من إعمال المصدر المقرون بإلا ، أى لا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فسادكم أو من فاسدكم . { ومَا تَوفيقى إلاَّ بالله } إلى الحق { عليْهِ توكَّلتُ } لأنه القادر دونكم ودون ما تعبدون ، وذلك إشارة إلى محض التوحيد ، وكذلك قوله { وإليْه أنيبُ } أى أراجع فى أمورى كلها ، لا أعمل بما يخالف ، وإن أراد بالإنابة الرجوع بالبعث ، فهو إشارة إلى معرفة المعاد بعد الإشارة إلى أقصى مراتب العلم بالمبدأ وهو التوحيد ، وهذه ثلاث جمل الأولى حصرية بإلا ، والثانية والثالثة بتقديم المعمول ، وذلك تأكيد للتوحيد ودين الله ، وإقناط من اتبعهم وفى الإنابة بمعنى الرجوع بالبعث تهديد بالجزاء ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال " ذلك خطيب الأنبياء " كما مرّ فى الأعراف ، وأما قوله { إن أريد إلا الإصلاح } فإظهار لمحض النصح لهم كما مر ، ونفى للجبر على الطاعة ، وياء توفيقى مفتوحة عند نافع ، وابن عامر ، وأبى عمرو واو ساكنة عدهم على الإصرار .