Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 15-15)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فلمَّا ذهبُوا بهِ وأجْمعُوا } اتفقوا أو عزموا { أن يجْعَلوهُ فى غَيَابات الجُبِّ } فى تأويل المصدر معمول لأجمعوا ، على تقدير على ، أى اتفقوا أو عزموا على جعلهم إياه فى غيابات الجبِّ ، أو مفعول به كقوله تعالى { فأجمعوا أمركم } أى اعزموه يقال عزمت الأمر ، وعزمت عليه ، وعزم الأمر بالرفع ، وفى غيابات القراءات السابقات وجوب لما محذوف ، أى فعلوا به من الأذى بأن طرحوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله ، وأدلوه ثم ألقوه قبل الوصول ، وحذف للتهويل ، وهذا أولى من جعل الجواب أجمعوا وأوحينا ، وزيدت فيه الواو . ولما أرادوا أن يلقوه فى الجب دلوه فيه ، وتعلق بشفيره ، وروى أنه تعلق بثيابهم فنزوعها من يديه ، فتعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ، ونزعوا قميصه ، فقال يا إخوتاه ردوا علىَّ قميصى أستر به عورتى ، ويكون لى كفنا بعد مماتى ، وأطلقوا يدى أدفع بها عنى هوام البئر ، فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تأتيك ، تلبسك وتؤنسك ، وقيل قال لهم تقية لم أر شيئاً وقال ذلك بالمعرضة . وإنما نزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ، ويحتالوا به على أبيهم ، ولما بلغ نصف البئر قطعوا الحبل ليسقط فيموت ، فسقط ثم آوى إلى صخرة كانت فيها ، فيقام عليها ، وكان فى الجب ماء ، وقيل أخرج الله تعالى على وجه الماء صخرة ورفعها إلى يوسف فقعد عيلها ولم يسقط كما أرادوا ، فجعل يبكى ، فنادوه فظن أنها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فهموا أن يرضخوه ويقتلوه بحجارة أو صخرة ، فمنعهم يهودا وقال قد أعطيتمونى موثقا لا تقتلونه وقيل إنما أدلوه فى دلو . وروى أنه لما وصل قعرها قال لهم يا إخوتاه أتدعونى فريدا ، ولما وصله أضاء له الجب ، وعذب ماؤه ، فكان يغنيه عن الطعام والشراب ، قاله الحسن ، وقيل إنه أتاه الملك جبريل بسفرجلة من الجنة فأطعمه إياها بعد ما حل يديه ، وقيل كان يهودا يأتيه بالطعام والشراب خفية عن إخوته ، وكان إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار ، وجرد من ثيابه ، وقذف فى النار عريانا قد أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة ، ولما مات ورثه إسحاق ، ثم ورثه يعقوب ، وإنما توارثوه لأن ذلك ليس من مال الدنيا ، وقيل تعاطوه فى حياتهم ، ولما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص فى عوذة تعلق على الإنسان ، وعلقها فى عنق يوسف خوفا عليه ، قيل وكانت العوذة من فضة . ولما ألقى فى البئر عريانا جاء جبريل بتلك السفرجلة المذكورة ، وأخرج ذلك القميص من العوذة ، وألبسه إياه ، وكان لا يلبسه صغير أو كبير إلا جاء على طوله ، وأنسه نهاره ، ولما أمسى نهض ليذهب فقال له إذا خرجت عنى استوحشت ، فقال إذا أصابك شئ تستوحشه فقال يا صريخ المستصرخين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين ، قد ترى مكانى ، وتعرف حالى ، لا يخفى عليك شئ من امرى ، فلما دعا بذلك ، بعث الله سبحانه وتعالى إليه سبعين ملكا يحفون به ، ويؤنسونه فى الجب . وروى أنه لما وصل قعر البئر ولا ماء فيها ، خرج إليه رجل من غياباتها من فوره ، وضمه إلى نفسه ، وقال واطول شوقاه إليك يا حبيبى ، وريحان قلبى ، يا نبى الله لا تشكوا إخوتك إلى أحد ، فإنى كنت السبب ، ثم قال استودعتك الله تعالى يا حبيبى وقرة عينى ، ثم خر ميتا ، وهو رجل صالح يقال له هود من قوم هود عليه السلام ، عمر ألفا ومائتى سنة ، وقرأ فى صحف شيث عليه السلام قصة يوسف عليه السلام ، وما يجرى له مع إخوته ، وصورته وحسنه وجماله ، فقال اللهم إنى أسألك أن لا تقبض روحى حتى أرى يوسف عليه السلام ، فأجاب الله دعاءه فهتف به هاتف أن امض إلى الجب الذى حفره شداد بن عاد واسكن فيه حتى يأتيك يوسف ، فقصد الجب فسكنه ، وكان يعبد الله تعالى فيه ويأكل كل ليلة رمانة ، وفوقه قنديل يزهر معلق لا يحتاج إلى فتيلة ولا دهن . وكانت فى ذلك الجب حيَّات لا تترك أحدا وقع فيه إلا قتلته إلا ذلك الرجل ، فإن الله جل وعلا حماه ، فلما مات وبقى يوسف أتين إليه من ناحية فخاف منهن ، وصاح بهن جبريل وفرقهن وحماه الله منهن وصمت إذا نهز من تلك الصيحة ، فكل حية صماء إلى يوم القيامة قال محمد بن مسلم الطائفى لما ألقى يوسف فى الجب قال يا شاهد غير غائب ، ويا قريب غير بعيد ، ويا غالب غير مغلوب ، اجعل لى فرجا مما أنا فيه ، فما بات فيه ، والمشهور أنه بات فى البئر ثلاث ليال ، فلما كان اليوم الرابع أتاه جبريل فقال يا غلام من طرحك فى الجب هذا ؟ فقال إخوتى من أبى ، قال ولمه ؟ قال حسدنى لمنزلتى من أبى ، قال أتحب أن تخرج من الجب ؟ قال نعم ، قال قل يا صانع غير مصنوع ، ويا جابر كل كسير ، ويا ناصر كل شوى ويا سامع كل نجوى ، ويا قريب غير بعيد ، ويا مؤنس كل وحيد ويا غالب غيرمغلوب ، ويا حى لا يموت ، ويا محيى الموتى ، لا إله إلا أنت سبحانك ، يا من له الحمد ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، أسألك أن تصلى على محمد وعلى آل محمد ، وأن تجعل لى من أمرى فرجا ومخرجا ، وترزقنى م حيث لا أحتسب ، فقالها يوسف فجعل الله له من الجب مخرجا ، ومن كيد إخوته فرجا فأخرجته السيارة . { وأوْحَينا إليْه } وحيا حقيقيا عند الجمهور وهو الصحيح ، وهو فى الجب على لسان جبريل عليه السلام { لتُنبَئنَّهم } والله لتنبئنهم ، أى لتخبرنهم إخبار محاسبة ومجازاة { بأمرهم هَذا } للحال من الضرب ، وسلب القميص ، والإلقاء فى البئر ، وبيعه بثمن بخس ، آنسه جبريل وبشره بأنه يخرج ، وأنه سيخبرهم بما فعلوا ويستولى عليهم . { وهُم لا يشْعُرونَ } الواو فى حال إخبار أنك يوسف لعلو شأنك ، وكبرياء سلطانك ، وبعده عن أوهامهم ، وطول العهد المغير للحلى والهيبة . أشار إلى ذلك الطبرى ، وذلك أنهم دخلو عليه بمصر ممتارين فعرفهم وهم له منكرون ، فدعى بالصواع فوضعه على يده فنقره ، فصوت فقال إنه يخبرنى أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، وكان يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه فى غيابات الجب ، وقلتم لأبيكم أكله الذئب ، وبعتموه بثمن بخس ، ومجموع القسم وجوابه ومتعلقاته مفعول لأوحينا لتضمنه معنى قلنا . وقال قتادة وهم لا يشعرون بوحينا إليك ، وأزالت الوحشة عنك ، ويحسبونك وحشا على باب الموت ، والفائدة فى إخفاء الوحى أنهم لما عرفوا به زاد حسدهم له ، فصاحب الحال على الأول الهاء فى لتنبئنهم ، أو الضمير المستتر ، وعلى الثانى نا أو الهاء فى أوحينا إليه ، وقرئ لتنبئنهم بالنون ، فصاحب الحال الهاء فى لتنبئنهم ، أو المستتر لا غير ، وعلى كل حال فإنما أوحى إليه قبل الأربعين تأنيسا له ، وإذا بلغ الأربعين أمره بالتبليغ ، فقد قيل إنه كان حينئذ ابن ست سنين ، وبه قال الضحاك ومجاهد . وعنه خرج عن يعقوب وهو ابن ست ، وجمع بينهما وهو ابن أربعين ، وقال الحسن خرج عنه ابن اثنتى عشرة سنة ، ويناسب تلك الأقوال قوله { هذا غلام } فإنه لما بين الحولين إلى البلوغ ، وإن قيل لما فوق ذلك ، فعلى استصحاب حال وتجوز . وعنه ابن عشرة ، وكان فى العبودية والسجن والملك ثمانين ، وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين ، وقال ابن السائب خرج وهو ابن سبع عشرة ، وقيل ثمان عشرة ، وعلى كل حال فقد أكمل عقله قبل أوان الرسالة ليقبل الوحى ، وقيل ذلك وحى فى النوم ، وقيل وحى إلهام .