Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 42-42)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقالَ للَّذى ظَنَّ أنه ناجٍ مِنْها } أى علم أنه ناج بدليل قوله { قضى الأمر } فإن المعنى قضى الله ، وهو مقضى ما مر من أن الله جل وعلا أتحفه بتأويل الرؤيا ، وإلقاء جبريل لؤلؤة صفراء فى فيه ، وإن كان الأمر فى ذلك موكولا إلى اجتهاد ، فكان على شك فى التعبير ، ولو كان لا بد من صدق تعبيره فالظن رجحان ، فمعنى { قُضى الأمر } فرغت من التعبير والحكم ، وعلى هذا الوجه قتادة ، والضمير فى ظن ليوسف كالذى فى قال ، ويجوز كونه لصاحب الشراب ، وعليه فيحتمل أنه رجحان ، ويحتمل أنه جزم بصدق يوسف ، والاحتمالان فى جانب صاحب الشراب ، ولو كان تعبير يوسف بوحى لا باجتهاد إن لم يؤمر إلا بعد ذلك ، أو قد آمن وضعف إيمانه ، أو لم يعلم أنه بالوحى ، وذلك الناجى هو صاحب الشراب المذكور . { اذْكُرنى } اذكر حالى { عِنْد ربِّك } سيدك وهو الملك الأكبر يخلصنى من السجن ، وقل له إن فى السجن غلاما محبوسا ظلما ، وفى رواية بعد ذلك طال سجنه ، وفى رواية قل له إن فى حبسك غلاما عبرانيا منذ خمس سنين ظلما ، ونسبة إلى ما هو منه برئ ، ويجوز أن يكون المراد اذكر منزلتى فى الحسب والنسب ، والعلم والمكانة ، أو اذكر هذا وكونى مظلوما إذ سجنت بما أنا برئ منه ، فقال صاحب الشراب إن شاء الله . { فأنْساهُ الشَّيطانُ } وسوس له بما يشغله حتى يقع فى النسيان ، وأما الإنساء ابتداء فلا يقدر عليه إلا الله { ذِكْر ربِّه } أنسى الشيطان ذلك الساقى ذكر يوسف عند ربه ، أى سيده ، وأضاف الذكر لربه ، لأن ذكر يوسف إنما يقع من الساقى عند الملك ، والإضافة تصح لأدنى ملابسة ، ويجوز أن يقدر مضاف ، أى ذكر إخبار ربه بكسر الهمزة ، ويجوز أن تعود الهاءان إلى يوسف ، فيكون الرب هو الله جل وعلا ، أى أنسى الشيطان يوسف أن يذكر الله حين وكَّل أمره إلى غيره ، وعليه الأكثر ، وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقل أحدكم عبدى وأمتى وليقل فتاى وفتاتى ، ولا يقل المملوك لسيده وسيدته ربى وربتى وليقل سيدى وسيدتى كلهم عبيد والله هو الرب " . { فَلَبثَ فى السِّجنِ } الفاء سببية ، والسبب إنساء الشيطان ، والمعطوف عليه قوله { أنساه الشيطان } أو السبب هو قوله { للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى } وعليه فالعطف على قوله { قال } ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك ما لبث فى السجن ما لبث " وعن ابن عباس عند يوسف ثلاث عثرات هم بها فسجن ، وقال اذكرنى عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين ، وقال لإخوته إنكم لسارقون ، قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل . { بِضْعَ سِنينَ } قال قتادة يطلق البضع على ما بين الثلاث إلى التسع ، وقيل إلى العشر ، وعليه ابن عباس ، والمراد هنا سبع سنين لبثها بعد خمس سنين ، وذلك اثنتا عشرة سنة ، وقيل إنه ما لبث فى السجن إلا سبع سنين أو أنها البضع ، وأن تمامها فى السجن مسبب الإنساء ، وعن قوله اذكرنى ، وذلك عقوبة على قوله اذكرنى . قال الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } وقال عيسى { من أنصارى إلى الله } وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعانة وتفريج الكرب ، ولم يأخذه النوم ليلة ، وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد فأخذه النوم ، ولو كان الملك كافرا إذ يجوز الاستعانة بالكفار فى دفع المضار ، لكن لما كانت مناصب الأنبياء أعظم منصب عند الله سبحانه ، كان اللائق بهم أن يتمسكوا بأعلى درجة فى الصبر ، وعدم ملاحظة الخلق ، ولا سيما أن هذا ملك كافر ، فإذا استعان به قال الكفرة لو كان الأمر كما قال لأغناه ربه عن الملك ، وكان الحسن إذا قرأها بكى وقال نحن إذا أنزل بنا أمر فزعنا إلى الناس . روى أنه لما قال يوسف { اذكرنى عند ربك } أوحى الله إليه اتخذت من دونى وكيلا ، لأطيلن حبسك ، فبكى وقال يا رب أنسى قلبى كثرة البلوى فقلت ما قلت فويل لإخوتى . قال فى عرائس القرآن يحكى أن جبريل عليه السلام دخل عليه فى السجن فعرفه يوسف فقال يا أخا المنذرين ما لى أراك بين الخاطئين ؟ فقال له جبريل يا أطهر الطاهرين يقرئ عليك السلام رب العالمين ويقول لك أم استحيت منى أن استشفعت بالآدميين ، فوعزتى وجلالى لألبثنك فى السجن بضع سنين ، قال يوسف وهو عنى فى ذلك راض ؟ قال نعم ، قال إذن لا أبالى . قال كعب قال جبريل يقول الله عز وجل من خلقك ؟ قال الله ، قال فمن رزقك ؟ قال الله ، قال فمن حببك إلى أبيك ؟ قال الله تعالى ، قال فمن آنسك فى البئر ؟ قال الله ، قال فمن نجاك من كرب البئر ؟ قال الله ، قال فمن علمك تأويل الرؤيا ؟ قال الله ، قال فمن صرف عنك السوء والفحشاء ؟ قال الله ، قال فكيف استغثت بآدمى مثلك ؟ فسكت ولم يجبه . انتهى كلام عرائس القرآن . وروى أنه قال زلة منى ، ولا أعود لمثلها ، وفى زهر الأكمام أوحى الله إلى جبريل عليه السلام اهبط على عبدى يوسف وعاتبه كيف استشفع بعبد دونى لا يعرفنى ، قد وكلته إلى الملك ريان سبع سنين ، فهبط ونادى السلام عليك يا طيب الطيبين ، يقرئك السلام رب العالمين ويقول لك من خلقك ولم تكن شيئا ؟ قال الله ، قال ومن نجى أباك يعقوب من أخيه بعد ما هم بقتله ؟ قال الله ، قال ومن فدى جدك إسماعيل بذبح عظيم ؟ قال الله ، قال ومن نجا جدك إبراهيم من النار وصيرها عليه بردا وسلاما ؟ قال الله ، قال ومن خلصك من أيدى إخوتك إذ هموا بقتلك ؟ قال الله ، قال ومن أخرج من ظلمات الجبّ وحببك للسيارة ؟ قال الله ، قال ومن عطف عليك قلب العزيز حتى آثرك منزلة وسلطانا ؟ قال الله ، قال ومن صرف كيد النسوة عنك ؟ قال الله ، قال يا يوسف انظر إلى الأرض ، فنظر فسعت الأرضون السبع فرأى تحت الثرى حجرا أبيض ، فضربه جبريل فانشق ، فخرجت من الحجر دودة صغيرة فى فمها ورقة خضراء ، فقال يا يوسف يقول لك ربك أنا الذى خلقتها وأوصلت إليها رزقها ولم أنسها ، ولا أنس أحدا من خلقى ، والكل يسعهم علمى ، فكيف أنساك وأنت نبيى ، وابن صفيى ، وابن ذبيحى ، وابن خليلى ، حتى تقول لعبد لا يعرفنى ولا يملك لك ولا لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا خفضاً ولا رفعا { اذكرنى عند ربك } بقاؤك فى السجن بعدد حروف كلماتك . وكان يقف على كوة فى حائط السجن ، يرى الناس ويرونه ، إذ أتت قافلة من الشام يوما من الأيام ، وكان معهم أعرابى معه ناقة من ناحية كنعان يسمى شمردال ، فلما رآها يوسف ورأته بركت بإذن الله تعالى تحت الكوة ، ونادت بلسان فصيح يا يوسف أبوك قد نحل من الاشتياق إليك ، فبكى ولم يسمع كلامها غيره ، فضربها صاحبها فابتلعته الأرض إلى ساقية ، فقال له يوسف دعها يا أعرابى وألق العصى من يدك لئلا تهلك ، فألقى العصى فخرج من الأرض ، فدنا من الكوة فقال له يوسف من أين أنت ؟ قال من أرض كنعان ؟ فقال يا أعرابى أقسمت عليك بربك الذى أنشأك هل تعرف بأرض كنعان شجرة باسقة لها اثنا عشر غصنا ، فقطع منها غصن واحد فالشجرة تبكى عليه بكاءً شديداً ، وكان الغصن الذى قطع منها أحسن أغصانها ؟ فبكى الأعرابى ، فقال والله هذه صفة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أو أولاده ، فبكى بكاء شديدا . وقال يوسف كم نويت أن تربح ؟ قال ما شاء الله تعالى ، فرمى إليه سوارا من ياقوته حمراء ، وقال خذ هذه فإنه يساوى عشرين ألف دينار ، على أنك تؤدى رسالتى إلى تلك الشجرة ، وأنت مأجور إن شاء الله تعالى ، فإذا وصلت عند بيت الأحزان بأرض كنعان ، فاصبر إلى الليل ، ثم اقصد ذلك الحزين ، وقل له غريب بمصر محبوس فى السجن يقرئك السلام ، فقال له الأعرابى ما اسمك يا فتى ؟ قال ما أخبرك باسمى . فركب ناقته وخرج فرحا حتى وصل أرض كنعان ، ولما جن الليل أتى منزل يعقوب عليه السلام ، ونادى يا آل إبراهيم ، فأجابته زينة أخت يوسف عليه السلام لبيك يا هذا من تكون ؟ ومن أين أقبلت ؟ قال لها أين يعقوب ؟ قالت ماذا تريد ؟ قال أنا رسول غلام غريب إليه ، فقامت وقعدت ونادت يا والدى وكان واقفا يصلى ، فأوجز فى الصلاة ، فقال مالك يا زينة ؟ قالت له يا والدى هذا رسول إليك من بعض الغرباء ، فقام فقعد فأخذت بيده حتى خرج إليه . فقال له من أين أنت أيها الرسول ، فإنى أشم منك ريحا طيبا ؟ قال أنا رسول غلام غريب من شأنه كذا وكذا ، فقال له هل رأيت وجهه ؟ قال لا ، ولكن ناجانى من وراء حجاب ، فبكى يعقوب عليه السلام وزينة وانتحبا ، فقال يعقوب هل ذكر لك اسمه ؟ قال لا ، قال اسأل حاجتك يا أعرابى ؟ قال مالى حاجة إلى الدنيا ، فإن ذلك الغريب أغنانى ، فقال إذن هون الله عليك سكرات الموت . وفى رواية أن ذلك قبل أن يسجن ، وأن زليخا تلبسه الديباج وتوقفه على رأسها وتأمره بما تريد ، فإذا فرغ من خدمتها خرج يتحسن الأخبار فبينما هو يمشى يوما فى أزقة مصر إذا بأعرابى راكب على قعود يقول @ حدتُ ربِّى وهو الحميدُ بالحمد يُبْدى وبه يعبد ليسَ له ندٌّ ولا عنيدٌ يفْعل فى الأشياء ما يريد @@ فلما سمعه يوسف علمه غريبا فقال يا أعرابى ما سمعت بهذا الكلام فى هذه البلاد ، كأنك لست منها ؟ قال نعم ، قال فمن أين أنت ؟ قال من مراعى آل يعقوب من كنعان ، من وادى الأردن ، فلما سمع يوسف باسم يعقوب صاح وصعق ، فرق له الأعرابى ونزل عن قعوده ، ومسح العرق عن وجهه ورأسه ، فى حجره ، فقال مالك يا غلام ؟ فقال ذكرت بلادا أودعتنى ، وإلى الغربة رمتنى ، فهل تعرف الشيخ يعقوب ؟ قال ومن لا يعرفه ، وهو نبى الله ، ابن ذبيح الله ، ابن خليل الله ، به نتوسل إلى ربنا ، وبحرمته نستسقى إذا قحطنا . قال فأسلك بالله إلا أخبرتنى كيف تركته ؟ قال تركته وقد انحنى صلبه ، وتقوس ظهره ، وتضعضع ركنه ، وكابده الشيب قبل أوانه ، وترك أهله ، وهجر أولاده ، وبنى على تل كنعان بيتا يسمى بيت الأحزان ، يبكى فيه وينوح على قرة عين له يسمى يوسف ، اختلس من بين يديه . فزاد يوسف بكاء وقال ليت أمى لم تلدنى ، وليت السباع أكلت لحمى ولم يصب حبيبى ذلك من أجلى ، فبكى الأعرابى معه ، فقال يوسف إنى محملك رسالة البركة والدعوة والأمانة ، أما الأمانة فتؤديها إلى يعقوب دون غيره ، وأما البركة فتصيبك بركة آل يعقوب ، وأما الدعوة فأدعو الله أن يكثر مالك وولدك ، ويطيل عمرك قال فاذكرها إذن ، فقال إذا وصلت كنعان وقد سألت الله أن يبلغك سالما فأت باب يعقوب إذا ذهب هون من الليل ، وجاء وقت قيام الأنبياء لرب الأرض والسماء ، فقف واستمع صوت يعقوب ومناجاته وتسبيحه ودعاءه وبكاءه ، فناد بأعلى صوتك وقل السلام عليك أيها المكظوم ، يقرأ عليك السلام المهموم المغموم ، الذى بيع بيع العبيد ، وصير حيرانا طريدا ، ويقول لك إنى حرمت على نفسى النوم على فراش وطئ والتوسد حتى ألقاك ، فكن أنت كذلك فقال الأعرابى ، سبحان الله ، من يطيق تأدية هذه الرسالة ، قال من يريد الأجرة والبركة . فركب الأعرابى قعوده ، ووصل كنعان ليلا ، ففرح أهله وحط رحله ، فقالوا له انزل ، فقال لا والله لا رأيت أحدا منكم ، ولا عملت عملا حتى أؤدى رسالة المغموم إلى المكظوم ، فأتى البيت ينتظر الوقت ، فلما سمع حركته وبكاءه ، رفع صوته ونادىالسلام عليك أيها المكظوم ، يقرأ عليك السلام المهموم المغموم . ولما سمعت زينة ذلك قالت له يا هذا ، فإنى أخشى أن ينفطر قلبه ، فإن كنت حملت رسالة فأدها إلىَّ أؤدها إليه فى وقت غير هذا ، قال والله لا أؤديها إلا لمن أرسلت إليه ، وكانت أختا ليوسف من أبيه ، وقد بنت بحذاء بيت يعقوب بيتا ، وحلفت لا تضحك حتى تراه يضحك ، فتقدمت إلى الباب ونادت السلام عليك يا أبت ، فقال وعليك السلام يا بنيتى ما الذى جاء بك فى هذا الوقت ؟ قالت البشارة ، قال أما المال فلا حاجة لى إليه ، وأما الأولاد فلا سبيل لى إليهم ولا حاجة ، قالت بل البشارة بقرة عينك ، وحبيب قلبك ، قال يوسف ؟ قالت نعم ، فقام يخرج يسقط ويقوم يبادر الباب ، فوصل الباب وصعق كأنه ميت ، ولما أفاق أدى الأعرابى الرسالة على نحو ما تقدم . فقال له يعقوب صفه لى يا أعرابى ، فوصفه كما هو ، ولم يذكر الخال الذى على خده ، وقال ولِمَ لم تذكره ؟ قال قال لى إن سألك عنه فقل محنه كثرة البكاء ، فقال وأنا أيضا ذهبت عيناى لكثرة البكاء عليه ، ثم قال يا أعرابى لا أجد ما أكافئك به ، فهل أبصرته بعينك ؟ قال نعم ، قال فقدمهما إلى أقبلهما ، وقبلهما وقال لا تأكل النار عينا رأته ، سل ما شئت من أمر الدنيا والآخرة أجمعهما إليك ، قال يا نبى الله سل الله أن يهين على سكرات الموت ، وأن يجعلنى رفيقك فى الجنة ، وأن يكثر مالى وولدى ، فإن بنى عمرى يعايروننى بالفقر . فرفع يعقوب يديه إلى السماء وقال اللهم إن كنت رحمت لى عبرة ، وأجبت لى دعوة ، فاجعل هذا الأعرابى رفيقى فى الجنة ، وهوِّن عليه سكرات الموت ، وكثر ماله وولده . ولما تم ما قضى الله أن يلبث يوسف فى السجن سجد وقال فى سجوده إلهى خلصنى من السجن ، فكان يدعو والملك يرى ما ذكره الله عز وجل من أمر البقرات والسنبلات ، وكانت رؤيا سبب لخروج يوسف من السجن . وروى أن الله جل جلاله أرسل جبريل إلى يوسف على هيئة جميلة ، ووقف على باب بيته وسلم عليه ، فرد يوسف السلام ، وجعل ينظر إليه وتعجب من حسنه ، وأنكر أن يكون مثله فى السجن ، فقال هل تعرفنى أيها الصديق ؟ قال يوسف صوت شيخ ، وريح طيب لا يشبه ريح الخاطئين فمن أنت يرحمك الله ؟ قال أنا أخوك جبريل ، قال كيف أنت يا أطيب الطيبين ، ورأس المقربين ؟ فقال له أبشر فقد جعلك الله رأس الصديقين ، وعدك مع آبائك المخلصين ، وأوجب لك جزاء الصابرين ، لأنه لم يغيرك ما جرى عليك عن أمر الله ولم تطأ فراش سيدك فى طاعة ربك ، وأن الله سبحانه يقرئك السلام ويقول كيف حالك وهو أعلم بحالك منك ؟ فقال لربى الحمد على كل حال ، وهل لك علم بأبى ؟ قال وهبه الله تعالى الصبر الجميل ، وقد عدل حزنه حزن مائة ثكلى ، وصبره ما استوجب به أجر مائة شهيد ، لأن الله جل جلاله كتم أمرك عليه ، ولم يدر أحى فيرجوك ، أو ميت فيحتسبك ، وذلك ليعظم أجره ، وهذا هو الوقت الذى يظهرك فيه الله ، ويجعلك لك اليد العليا على إخوتك وغيرهم ، ويصدق رؤياك . وسبب ذلك أن الملك ريان بن الوليد ، يرى الليلة كذا وكذا ، وتأويلها كذا وكذا ، ثم خرج وتركه ، ولما جن الليل ، وذهب ثلثاه ، نام ريان وحاجبه ومضحكه وساقيه ومسامره ، وطائفة من عظماء دولته ، وانتبه الملك ريان فزعا ، فقال هؤلاء ما الذى أفزعك أيها الملك جعلنا الله فداءك ؟ فقال على بعلماء قومى ومنجميهم وكهنتهم ، والعقلاء منهم ، فإنى رأيت رؤيا افزعتى أعلم بأن لله شأنا ، وأنى على رجل منها ، فأشفقوا له وأسرعوا فى إحضار هؤلاء ، فقال لهم ما حكى الله عز وجل بقوله { وقالَ الملكُ … }