Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 67-67)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقالَ يَا بنىَّ لا تدْخُلوا } مصر ، وقيل ذلك فى الفرماء ، وهى من أعمال مصر { مِنْ بابٍ واحدٍ وادْخُلوا مِن أبْوابُ مُتفرقةٍ } ولها يومئذ أربعة أبواب باب الشام ، وباب المغرب ، وباب اليمن ، وباب الروم ، وقيل خمسة بزيادة باب النون . وقال السدى أراد بالأبواب الطرق ، والذى سبق فى حفظى أولا أنه أمر كل واحد أن يدخل من باب غير باب الآخر ، وطريق غير طريقه ، فيكون لمصر أحد عشر بابا أو أكثر . ولم أر وفى المسألة شيئاً من شيخى ، وقيل أمرهم بذلك لأنه قد علم أن ملك مصر هو يوسف ، إلا أن الله لم يأذن له فى إظهار ذلك ، وكان غرضه أن يضل بنيامين إلى أخيه يوسف قبل إخوته فى وقت الخلوة ، وقيل علم يعقوب أن يوسف بمصر من رسالة الأعرابى المذكورة فيما مر ، فقال لأولاده ادخلوا من أبواب متفرقة ، لعلكم تجدون يوسف ، قيل ولم يدر أن يوسف وصل الملك . وقال ابن منبه أمرهم بذلك مخافة أن يغتالوا أحدا لما ظهر له فى أرض مصر من التهمة بالحسد ، والصحيح أنه فعل ذلك مخافة العين عليهم ، إذا كانوا ذوى جمال وقوة ، وامتداد قامة ، وكانوا أولاد رجل واحد ، وهو قول الجمهور ، وبه قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق لو كان شئ يسبق القدر لقلت العين لا تزال بالرجل حتى تورده القبر ، ولا بالجمل حتى تورده القدر ، ولا بالنخلة حتى توردها التنور ، وإذ استغسلتم فاغسلوا " قالت عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالعاين فيتوضأ ثم يغسل منه المعين " . وقالت أسماء بنت عميس " يا رسول الله صلى الله عليك وسلم إن بنى جعفر أسرع شئ إليهم العين ، أفأسترقى لهم ؟ فقال " استرقى لو كان شئ يسبق القدر لسبقته العين " . وقال ابن عباس " إن يتيمة كانت عند ميمونة ، فافتقدها النبى صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها قيل له اشتكت عينيها ، فقال " استرقوا لها فإنها أعجبتنى عيناها " . وقال سهل بن حنيف إذا أعجب أحدكم شئ فليبارك وصفه وضوء العاين ، ما ذكروا أن سهل بن حنيف أصيب العين عند اغتساله ، فأمر صلى الله عليه وسلم عاينه أن يتوضأ . وذكروا أنه يؤتى بقدح ولا يوضع فى الأرض لتؤخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها فى القدح ، ثم يأخذ بشماله ماء يغسل به وجهه ، ثم يأخذ ما يغسل به كفه اليمنى ، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى ، ثم بشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن ، ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر ، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ، ثم يغسل قدمه اليمنى ثم اليسرى ، ثم ركبته اليمنى ، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة ، وكل ذلك فى القدح ، ثم داخله إزاره وهو الطرف المتدلى الذى يلى حقوه الأيمن ، وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كناية عن القدح ، وجمهور العلماء على ما قدمنا . وهذا الوضوء واجب على العاين ، ويجبر عليه ويصبه من خلفه على رأس المعين صبة واحدة ، وهذا ونحوه هو المراد بقوله " فإذا استغسلتم فاغسلوا " والأمر للوجوب فيه على الصحيح ، وقيل لغير الوجوب ، وحدث والد سهل المذكور " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا نحو ماء ، حتى إذا كان بشعب الحرام من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف ، وكان أبيض حسن الجسم والجلد ، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد محباة ، فلبط سهل ، أى صرع ، فأتى أبوه حنيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " هل تتهمون أحداً ؟ " قال عامر بن ربيعة ، فدعا عامرا فتغيظ عليه ، فقال " علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك تبركت " ثم قال " اغتسل له " فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ، وداخله إزاره فى قدح ، ثم صب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ، ثم كفى القدح ففعل ذلك ، فراح سهل مع الناس ليس به بأس " . وذكر عياض أن المراد بداخلة إزاره ما يلى جسده من الإزار ، وقيل أراد موضع الإزار من الجسد ، وقيل وركه ، لأنه معقد الإزار ، وعن مالك ما يلى الجسد من الثوب مطلقا ، وتلك الرقيا لا تعرف علتها فلا ترد ، وقد عضدتها التجربة ، وصدقتها المعاينة ، فإن التوقف فيها متشرع . قلنا له قل الله أعلم أو متفلسف فالرد عليه أظهر ، لأن الأدوية عنده تفعل بتواها ، وقد تفعل بمعنى لا يدرك ، ويسمون ما هذا سبيله الخواصر ، ومن المتحرز ستر محاسن من يخاف أن يعان . رأى عثمان بن عفان صبيا مليحاً فقال دسموا نونته وهى النقرة التى تكون فى ذقن الصغير ، وكان رجل يقال له أبو عبد الله الساجى فى حجة أو غزوة على ناقة فارهة ، وكان فى رفقة الرجل عاين ، فما نظرإلى شئ إلا أتلف ، فقيل لأبى عبد الله احفظ ناقتك من العاين ، فقال ليس له إليها سبيل فأخبر العاين بقوله ، فتحين غيبة إلى الله فجاء إلى رحله فنظر إليها فاضطربت وسقطت ، فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العاين قد عانها وهى كما ترى ، فقال دلونى عليه فوقف عليه فقال باسم الله حبس حابس ، وحجر يابس ، وشهاب قابس ، اردد عين العاين عليه فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ، فخرجت حدقتا لعاين ، وسالتا على خده ، وقامت الناقة لا بأس بها . والعين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ، ومن الرجال الصالح أو الذى يعجبه الشئ يبادر إلى الدعاء للذى يعجبه بالبركة ، ويكون ذلك رقيا منه ، كما يستفاد من الحديثين السابقين ، ويستفاد منه ومن التجربة أن العين تقتل . واشتهر أن من رأى ما يعجبه فليصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكرت ، كلاما فى مختصر القواعد والحاشية ، والذى أقول به إن العاين إذا أتلف شيئا ضمنه ، وإن قتل فالقصاص أو الدية ، وإن تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة كما يقتل الساحر قصاصا كما قال القرطبى ، وإلا لزمه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى ، وقيل يقتل الساحر بكفره ولو لم يتلف نفسا ، ومنعت الشافعية قتل العاين قصاصا ، لأنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا . قال النووى منهم لا دية فيها ، ولا كفارة ، لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس وبعض الأحوال ، مما لا انضباط له كيف ما لم يمنع منه فعل أصلا ، وإنما غايته حسد ، وتمن بزوال النعمة ، وقد يكون الموت بغير عين الذى عانه ، بل بشئ آخر ، ويرد عليه الساحر إلا إن قال لا يقتل إلا كفرا وينبغى للإمام . بل يجب عندى منع العاين إذا عرف بذلك من مداخلة الناس ، وأن يلزم بيته ، فإن كان فقيرا أرزقه ما يقوم به ، فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذى منعه عمر من مخالطة الناس ، وأشد من ضرر الثوم الذى منع الشارع أكله من حضور الجماعة ، ومعنى كون العين حقا إن الإصابة بها شئ ثابت موجود ، وأنكرتها طوائف من المبتدعة ، والحق ثبوتها للأحاديث والتجربة ، وأنها تضر عند نظر العاين بعادة أجرها الله سبحانه وتعالى ، أن يحدث الضرر عند نظره ، وأنه لا قطع بأن ثم جواهر حقيقة لطيفة غير مرئية تنبعث من العاين ، فتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه ، فيخلق الله جل وعلا الهلاك عندها ، ولا تقى ، بل جاز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة وأخطأ من قطع بذلك . روى جابر بن عبد الله أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس يعنى العين ، وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص فى الأجسام والأوراح ، كالحمرة عند نظر من تحتشمه إليك والاصفرار عند رؤيتك من تخافه ، وكثير يسقم بمجرد النظر إليه . قيل الذى يخرج من عين العاين سهم معنوى إن صادف البدن لا وقاية له ولا أثر فيه ، ولو لم يفيد ، بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسبى ، والوقاية حفظ الله ، وزعم بعض أهل الطبائع ، أن العاين تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالعين فتهلكه أو تفسده ، كإصابه السم من نظر الأفعى ، وطبائع الناس تختلف ، وقد تكون ذلك من سم يصل من عين العاين فى الهوى إلى المعين لشدة خبث روح صاحب تلك الطبيعة قبل التأثير بالروح ، وهو على كل حال بإرادة الله . قال بعض العاينين إذا رأيت شيئا يعجبنى وجدت حرارة تخرج من عينى ، ويقرب من ذلك أن المرأة الحائض تضع يدها فى إناء اللبن فيفسده ، ولو وضعته بعد طهر لم يفسد ، وأن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ، قلنا إن كان هذا المنبعث عند القابل عرضا رد بأن العرض لا يقبل الانتقال ، لأنه لا يستقل بنفسه ، قيل وإن كان جوهرا رد بأن الجواهر متجانسة ، فليس بعضها أولى بأن يكون مفسد البعض من عكسه ، وللعين علاج بأشياء من الطب . وأنشاء من الأدعية منها ما كان صلى الله عليه وسلم يعيذ الحسن والحسين به " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل هامة ، ومن كل عين لامه " الهامة مفرد الهوام ، وهو كل ذى سم يقتل كالحية وما يسم ، ولا يقتل فهو السام ، والجميع سوام كالزنبور والعقرب ، قد تقتل ، وقد يطلق لفظ هامة على كل ذى روح يدب ، ولامه الملمة وهى النازلة وعبر بالملامة ليناسب الهامة ، أو اللامة على ظاهره من لممت الشئ جمعته ، فهى بمعنى جامعة شر ، ولا محل للتطويل بطب العين وأدعيتها هنا . ولم يخف يعقوب عليهم العين أول مرة ، لأنهم حينئذ مجهلون فى أهل مصر ، بخلاف المرة الثانية ، فإنهم يعرفون ، ويشار إليهم بالأصابع أن هؤلاء اضياف الملك ، انظروا إليهم ما أحسنهم وما أحقهم بالإكرام ، أو كان الداعى إلى ذلك خوفه على بنيامين ، وما مجردهم فلم يخطر بباله أنهم يعانون ، ولو خطر ما قصر . { وما أغْنى عنكُم من الله مِنْ شىْءٍ } أى ما أدفع عنكم من الله شيئا من الدفع أو من الضر إن قضاه الله ، فإن الحذر لا يدفع القدر ، وذلك منه جمع بين التسبب والتوكل بما أشرت عليكم من الدخول من أبواب متفرقة . قال الشبلى أجل طريق عمل الأسباب فى الظواهر ، وخلوا الباطن من تعليق بغير الله ، وذلك جمع بين الحكمة وحقيقة التوحيد ، ولذا مدح الله يعقوب بقوله { وإنه لذو علم لما علمناه } وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شذ فى رفض السعى بالكلية ، وقنع بالماء ويقبل البرية . { إن الحُكم إلا لله } يصيبكم ما قضى أن يصيبكم إن كان قد قضى عليكم بشئ { عليْه توكَلتُ وعليْهِ فلْتوكَّل المتوكِّلون } الفاء صلة وعليه متعلق بما بعدها وإنما ساغ الجمع بين الواو والفاء للفصل بينهما بعليه ، وإنما قدم عليه فى الموضعين للحصر ، وإنما لم يسقط الفاء لأنها فى الأصل للتسبب ، فأتى بما هو صورة للتسبب وصفة له ، وفعل الأنبياء سبب لأن يقتدى به .