Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 68-68)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولمَّا دخلُوا مِنْ حيثْ أمرهُم أبوهُم } أى من الأبواب المتفرقة { مَا كانَ } أى يعقوب { يُغنى عنْهم منَ اللّهِ من شىْءٍ } أى ما أغنى عنهم ربه فى دخولهم متفرقين إزاحة للضر عنهم بالعين بل أصابهم الضر من حيث لم يدروا ذلك أنهم نسبوا إلى السرقة ، وأخذ بنيامين وذلك أن الصاع وجد فى رحله وتضاعفت المصيبة على أبيهم فوقع الأمر على طبق قوله { وما أغنى عنكم من الله من شىء } { إلا حاجةً فى نفْس يعقُوب قَضَاها } يعقوب أى أظهر ما لهم ووصلهم بها ، وهى أن يدخلوا من أبواب متفرقة شفقة عليهم والاستثناء منقطع ، ويجوز عود ضمير قضى إلى الله سبحانه ، أى لكن حاجة قضاها الله له هى تسهيل دخولهم من أبواب متفرقة تطيبا لنفسه ونظيره أنه صلى الله عليه وسلم سد كوة فى قبر بحجر وقال " إن هذا لا يغنى شيئا ولكن لتطييب نفس الحى " وقيل أراد بالحاجة الغصة من فراق يوسف قضاها الله ، ثم جاءت غصة أخرى من فراق بنيامين ، فحملته الغصتان على الأمر بالتفريق . { وإنَّه لذو علمٍ لما عَلَّمناه } بالوحى والإلهام ، ونصب الدلائل ، ولذلك علم أن القدر لا يدفعه الحذر ، فقال وما أغنى عنكم من الله من شئ ، واللام للتقوية دخلت على مفعول المصدر المنون وهو ما ، ويجوز كون اللام تعليلية ، وما مصدرية ، أى لأجل تلعمنا إياه ، ويجوز أن يكون معنى علم عملا ، واللام بوجهها مع ما أو بمعنى الباء ، أى لذو عمل للذى علمناه إياه ، أو لأجل الذى علمناه أو لأجل تعليمنا إياه يقال عمل علما أى أنفذه وأتبعه ، ويقال عمل به ، وكما صح إطلاق الجهل على عمل السوء ، صح إطلاق العلم على العمل بالخير ، قال سفيان من لا يعمل لا يكون عالما ولكن ذلك بعيد حتى قال عياض ، هذا لا يعطيه اللفظ ، ولو كان صحيحا فى نفسه . { ولكنَّ أكْثر النَّاسِ } الموحدين والمشركين { لا يعْلَمونَ } ما علم يعقوب إذ لم يسلكوا طريقه ، ولا يعلمون شر القدر ، وأنه لا يغنى عنه الحذر حقيقة العلم ، أو أكثر الناس هم المشركون لا يعلمون ما ألهم الله أولياءه ، وهو المروى عن ابن عباس رضى الله عنهما . روى أنهم لما بلغوا مصر تفرقوا ، ودخل كل أخوين من باب واحد ، وبقى بنيامين وحده عند باب الشام ، ولم يدر أين يذهب ، ولم يعرف أحد لسانه ، فنزل ملك من السماء على يوسف عليه السلام وقال له قم يا يوسف والبس ثياب الغرباء ، واركب ناقتك لكيلا يعرفك أحد ، واقصد باب الشام ، فإن أخاك ابن أبيك وأمك واقف على ناقته يسأل من يمر به ، ولا يعرفون كلامه . فركب ناقته وعليه برقع ، وتنكر بحيث لا يعرفه أحد ، وقصد باب الشام ، فوجد بنيامين فلما رآه يوسف ذرفت عيناه بالدموع ، فسلم يوسف عليه وقال له بالعبرانية من أين ؟ وإلى أين ؟ وماذا تريد ؟ قال جئت من الشام أطلب الميرة . فخلع سوارا فى يده يساوى خمسين ألف دينار من يقاوت أحمر ، ودفعه إلى أخيه بنيامين ، فأخذه ولم يدر ما هو ؟ ولا ما قيمته ؟ فقال له يا أخى ماذا أصنع به ، فتبسم من قوله ، وعلم أنه لا يعرف ذلك ، فقال اجعله فى عضدك وتعال معى حتى أريك إخوتك ، فوجدا إخوتهما قياما على الباب ركبانا ، فقال امض نحو إخوتك ، فبكى وقال لا أريد فراقك ، قد والله مال قلبى إليك . فقال له يوسف كيف تقدر ترافقنى وأنا عبد مملوك ، أى عبد الله أو أراد تعريض إخوته إذ باعوه ، فذهب بنيامين نحوهم فرحا ، فقالوا له يا بنيامين ما رأيناك أبدا مستبشرا مثل هذه الساعة ؟ قال لهم نعم ، قد طلب قلبى براكب أتانى على ناقة ، وكلمنى بالعبرانية ، وأعطانى سوارا من زجاج ، فقال له يهود أرنيه ، فأراه إياه قال له ما أحسن هذه الزجاجة يا أخى ، اجعلها فى عضدى لئلا تضيع منك قال له أفعل ، فجعلها فى عضده فذهبت إلى عضد بنيامين ، فقال له شمعون ، وقد خرج إليهم من موضع فى مصر إذا ارتهنه يوسف أرنى هذه الزجاجة فتناولها فجعلها فى عضده ، فذهبت إلى عضد بنيامين ، وكذلك من جعلها فى عضده منهم رجعت منه إلى عضد بنيامين . وروى أنه لما علم يوسف بقدومهم مع بنيامين سر غاية السرور ، وأمر بتزيين مجلسه ، وزين وبخر وجلس على سرير ، وأمر بأوانى الذهب فصفت مملوءة بالطيب عن يمين وشمال إلى كرسيه ، وأمر بدخولهم ، فقدموا بنيامين ليعلم الملك بوصوله ، ودخلواعقبه ، فجعل يأخذ الطيب من تلك الأوانى ويمسح به ، وجعل إخوته يلومونه ويزجرونه ، ويقولون ما أجهلك ! ألك وضعت هذه الأوانى ؟ أو لأجلك ملئت طيبا ؟ هذا سوء أدب ، لأنك لم تتعود الدخول على الملوك ، إنما تعودت صحبة النعم . فقال يا إخوتى ليس الأمر كذلك ، هذا أعز الملوك وأطبعهم نفسا ، وقد تعود من الطيب فتغيره أدنى رائحة ، ونحن قوم سفر تغيرت روائحنا ، فقالوا صدقه ، وأخذوا وتمسحوا ويوسف ينظر إليهم ، وقد امتلأ سرورا ، ولما وقفوا بين يديه نظروا إلى بهاء ملكه ، ووقار سلطانه ، وزيادة زينته ، وتعجبوا وقال بعضهم لبعض لعل هذا الملك غير الملك الذى كنا لقينا . وقال الترجمان يقول لكم الملك من أنتم ؟ ومن أى بلد جئتم ؟ فقالوا نحن الذين أمرتنا أن نجئ بأخينا ، فقال نعم ، فهل جئتم به ، فاستبشروا وعرفوا أنه الملك الأول ، فقالوا يا أيها العزيز إنا قد امتثلنا أمرك وأتيناك به وبكتاب من أبينا ، فقال لترجمانه خُذه منهم ، فأخذه منهم ، فقرأ يوسف ففاضت عيناه بالدموع ، وأمر بإنزالهم وإكرامهم . وبعد أيام قليلة أمر بطعام كثير فصنع ، وجعل على موائد عظيمة ، ونصبت أمام السرير ثم أمر بإحضارهم ، فأجلسوا على الموائد فى عز وشرف ، والولدان والوصائف وقوف على رءوسهم بألوان الأشربة ، وأنواع الزينة الحسنة ، ولما أرادوا التناول قال الترجمان إن الملك يأمركم أن يجلس على كل مائدة أخوان من أب وأم ، فجلسوا اثنين اثنين وبقى بنيامين وحده فتأخر عن الطعام وبكى ونادى يا حسرتاه لفراقك يا يوسف ، لو كنت موجودا لجلست معك ، وسمع يوسف وأشفق ، وأقبل عليه بالكلية ، وقال مالك تأخرت عن الطعام ؟ قال مالى أخ من أب وأم كان لى أخ منهما يسمى يوسف ، لا أدرى أحى أم ميت وتذكرته فتجددت أشجانى ، وتحركت أحزانى ، فصاح وصعق ، فوقعت الصيحة فى منزل يوسف أن أحد العبرانيين مات ، فنزل يوسف عن سريره ، والبرقع على وجهه ، فرفع رأسه وجعله فى حجره وبكى حتى أفاق . فقام يوسف وأمر الخدم بحمله إلى سريره حتى يجلس معه ، ففعلوا ، وأمر بإحضار مائدة من ذهب مرصعة بالجواهر واللآلئ فوضعت بين يديه ، ثم أمر الخدم أن يجعلوا عليها من ألوان الأطعمة ما يليق بالملك ، ثم قال كل معى كالأخ إذ بقيت منفردا ، فعظم ذلك على الإخوة وقالوا انظروا إلى بنى راحيل أخوة الأول قال أنتم عبيدى ، وهذا الثانى إذا رجع إلى كنعان افتخر علينا وقال جلست على سرير الملك ، وأكلت معه . ثم قال يوسف ألك زوجة ؟ قال نعم . قال ألك ولد ؟ قال ثلاثة . قال فما سميت الأكبر ؟ قال ذئبا . قال لِمَ والذئب سبع عاقر ؟ قال لأن إخوتى زعموا أن أخى يوسف أكله الذئب ، فأحب أن أذكر ذلك . قال فما سميت الثانى قال دماً . قال ولِومَ قال لأن إخوتى جاءوا بقميصه ملطخا بالدم ، فأنا أحب أن أذكر ذلك الدم . قال فما سميت الثالث ؟ قال يوسف . قال ولِمَ ؟ قال لئلا يندرس اسمه من فمى ، فاهتز لذلك حتى كاد يفشى السر ، ثم قال قم يا فتى إلى البيت لأخلو معك فيه ، فدخلا البيت ، وأرخى الستر ، وكشف البرقع ، وأزال النقاب ، وأبدى الوجه الجميل ، وقال أتعرفنى ؟ قال أرى وجها جميلا يشبه وجه حبيبى المفقود ، فقال يوسف ما ذكر الله عنه عز وجل فى قوله { ولمَّا دَخَلواعلى يُوسفَ … }