Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 39-39)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يمحُوا الله ما يشاء } وحذفت الواو فى الخط شذوذا كما حذفت نطقا { اللّهُ ما يشاءُ } من الشرائع والفرائض بالنسخ { ويُثبتُ } ما يشاء أن لا ينسخه ، أو يثبت ما يشاء بدل ما نسخ لحسب المصلحة ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة ، وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو بإسكان المثلثة وتخفيف الموحدة وتفسير المحو والتثبيت بالنسخ والإحكام بكسر الهمزة هو الصحيح ، كما يدل عليه عبارة الكشاف . قال البوصيرى فى الرد على أهل الكتاب فى إنكار النسخ وأراهم من يجعل الواحد القهار فى الخلق فاعلا ما يشاء ، أى لامتناع النسخ عليه يستلزم قهره وعجزه ، قال جوزوا النسخ مثل ما جوزوا النسخ عليهم ، ولأنهم فقهاء ، أى لو كانوا فهماء لجوزوا نسخ كتاب بآخر ، ونسخ بعض كتاب بالبعض الآخر ، كما أقروا بمسخ طائفة منهم قردة وخنازير ، قال هو إلا أن يرفع الحكم بالحكم ، وخلق فيه وأمر سواء ، أى وخلق فى المسخ للصورة الثانية بعد إذهاب صورته الأولى ، وأمر أى تصرف بمنع الحكم الأول ، وإيجاد الثانى فى النسخ ، فالمسخ والنسخ سواء ، قال الشاعر @ ولحكم من الزمان انتهاء ولحكم من الزمان ابتداء @@ وقال الحسن يمحو الله أجل من انقضى أجله من الكتاب ، ويثبت فيه أجل من لم ينقض أجله ، ويثبت أجل من حدث ، وكذلك الحيوان والجمادات ، وقيل يكتب المكان كل ما فعل المكلف ، فإذا كان يوم الاثنين والخميس محى من كتاب ما لا ثواب ولا عقاب عليه ، وأثبت ما عليه ثواب أو عقاب ، وهو قول الضحاك والكلبى . وقال عكرمة يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة ، ويثبت إيمانهم وطاعتهم ، ويبدل السيئات حسنات فيثبتها فى مكان السيئات . وقال ابن عباس يمحو حسنات من مات على الضلالة ، ويثبت حسنات من مات فى الطاعة . وفى رواية عن الحسن يمحو ذنوب من يشاء ، ويثبت ذنوب من يشاء ، وقيل يمحو ما ظهر للملائكة أنه ذنب ، وليس ذنبا عند الله تعالى ، لاطلاعه على ما فى القلب ، ويثبت ما عمل بقلبه من خير ولم تعلم به الملائكة . وقيل يمحو أحكام السنة الماضية ، ويثبت أحكام المستقبلة ، وذلك أول السنة ، أو ليلة النصف من شعبان قولان أصحهما الثانى وقال مجاهد ليلة القدر ، وقال الربيع يمحو روح النائم بإمساكها فيموت ، ويثبت روح الآخر بإرسالها إليه . وقيل يثبت توجيه المصيبة إلى أحد ، وقد لم أنه لا تصيبه ، ثم يمحوها بالدعاء والصدقة ، مثل أن يقصدك ظالم أو أسد فينجيك الله منه بدعاء أو صدقه . وقيل يمحو قرنا ويثبت آخرين ، وقال السدى يمحو القمر بإزالة نوره شيئا فشيئا ، ويثبت الشمس . وأخرج الطبرانى بسند ضعيف ، عن ابن عمر ، " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يمحو الله ما يشاء إلا الشقاوة والسعادة والحياة والموت " ، وكذا فى رواية عن ابن عباس بزيادة الرزق فى الاستثناء مع الأجل . قيل الآية عامة فى كل شئ حتى الخمسة المذكورة ، ونسب لعمرو ابن مسعود قيل كانا يطوفان ويبكيان ويقولان اللهم إن كنت كتبتنى من أهل السعادة فاثبتنى فيها ، وإن كنت كتبتنى فى أهل الشقاوة فامحنى منها ، واثبتنى فى أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك امّ الكتاب . وعن عمر أنه كان يطوف ويقول اللهم إن كنت كتبت على ذنبا أو إثما أو ضغثا أى لغو فامحه عنى ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب . وأخرج ابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبى صلى الله عليه وسلم " يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه " فإن صح هذا فقد مر توجيه الزيادة ، وأما النقص فبأن يكتب الله فى الأزل بلا أول إن أجل فلان أو رزقه قليل . وأخرج أيضا ، عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم " يمحو الله ما يشاء ويثبت كل ليلة القدر ، يرفع ويجير ويرزق غير الحياة والموت والشقاء والسعادة فإن ذلك لا يبدل " فإن صح المعنى أن ذلك لا ينقضى فى كل سنة فضلا عن أن يبدل مكانه مثله ، بخلاف الرزق والرفع ونحوهما مما يصرف لكل سنة بقدر مخصوص . وأخرج أيضا " عن على أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال " لأقرنَّ عينيك بتفسيرها ، ولأقرنَّ عين أمتى من بعدى بتفسيرها الصدقة على وجهها ، وبر الوالدين ، واصطناع المعروف ، وتحول الشقاء سعادة ، وتزيد فى العمر " فإن صح هذا عنه صلى الله عليه وسلم فقد مر توجيه الزيادة فى العمر ، وأما تحويل الشقاء سعادة ، فبحسب الظاهر ، والأمارة مثل أن يكثر الإنسان من الكبائر ، ومثل أن يكون مشركا مسرفا ، ثم يتم له بالتوبة فيموت تائبا ، وقد كتبه الله سعيدا فى الأزل ، ولكن يظهر لنا منه أمارة الشقاوة ، فإذا تاب فكأنه تحول منها إلى السعادة وكذا فى العكس . ولا يعترض ذلك بأنه لا تقر عين علىّ والأمانة به ، لأنا لا نقول تقر بأن الإنسان ولو بلغ ما بلغ من الكبائر والشرك لا يقنط ، ويدل على ذلك التأويل ونحوه ، ما رواه حذيفة وابن مسعود وغيرهما أن الشقاوة والسعادة لا تبدلان ، وما تقدم عن ابن مسعود وعمر من تبديلهما إن صح عنهما ، فالمراد بكتابتهما شقين كتابتهما فى أهل الذنوب ، وهكذا لا يتبدل الرزق والأجل وغيرهما عما قضاه الله ، قال جل جلاله { ما يبدل القول لدىَّ } وزعمت الرافضة أنه تبدو له البداوات ، متمسكين بهذه الآية قبحهم الله ، ولزم عليهم نسبة الجهل والعجز إليه تعالى . { وعنْدهُ أم الكتاب } أصل الكتاب ، والمراد بالكتاب الجنس ، وأمه اللوح المحفوظ ، فإن أصل من كتب الله كلها ، ولكل ما يكتب لأن فيه كل شئ من كتب الله وغيرها ، ومنه نسخت ، وتتولد منه العلوم كلها ، ولأنه لا يغير كما يغير كتب الحفظة ، وكتب الله غير القرآن ، وهو مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت ، إذا أراد الله وحياء جاء اللوح حتى يقع مقابلة وجه إسرافيل ، وهو أقرب الملائكة إلى ما هنالك ، فيرى الآخر مكتوبا فينادى جبريل فيقول بكذا أمرت ، فلا يهبط فى سماء إلا فزع أهلها مخافة الساعة ، حتى يقول جبريل الحق من عند الحق ، فيوحى به إلى نبى ، قيل لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة أى قضية ، كل قضية تشتمل على قضايا كثيرة ، وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب ما هو خالق وما خلقه عاملون .