Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 5-5)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وإنْ تَعْجبْ } يا محمد من تكذيبهم إياك بعد أن سموك الصادق الأمين ، وعرفوك بالصدق والأمانة ، أو من إنكارهم البعث مع إقرارهم بأن الخالق الله ، وقد تقرر فى النفوس أن البدء أصعب من الإعادة ، ولو كانا سواء عند الله تعالى وأمراً هينا . { فعَجبٌ } خبر مقدم { قَولُهم } أى قول قومك المنكرين للبعث مبتدأ ، أى فقولهم عجب أى حقيق بأن تتعجب منه ، لاتضاح دلائل رسالتك ، ودلائل البعث من إخبارك إياهم بالغيوب بلا دراسة كتب ، ولا سماع ولا مشاهدة ، وإجراء معجزة على يديك ، ومن إنشاء السمٰوات ورفعها ، والأرض والعرش ، وما فى ذلك ، والقطع المتجاورات ، والزرع والشجر ، والثمرات المختلفة ، مع اتحاد الماء ، وكون الكل من التراب ، فإن إنشاء ذلك فى النفوس أصعب من إعادة ميت بعد إنشائه ، وإماتته ، ودليل على كمال العلم والقدرة فى كل شئ ، والإشكال فى ذلك . فإذن المراد إن أعجبك واقع موقعه وصادف محله ولم يكن تعجبا مما لا يتعجب منه كقولك إن تعجبت من قيام زيد فقيامه عجب ، أى فتعجبك صادف محل التعجب ، وعلى قبول الأشياء التى تمد منها بقدرته أشياء أخرى لأنواع تصرفاته ، وقيل إن تعجب من اتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة مع إقرارهم بأن الخالق الرازق النافع الضار الله ، فقولهم حقيق بأن تتعجب منه ، كأنه قيل إن تعجب من ذلك فليس الأمر العجيب منهم ببدع ، فإن قولهم بإنكار البعث عجب عظيم ، والعجب على كل حال مصروف إلى المخلوق ، لأنه حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ ، والله سبحانه لا يخفى عنه شئ ويطلق العجب على نفس الأمر المستبعد فى العادة وعلى نفس الأمر الذى لا يعرف له سبب ، وقال بعض شراح الهمزية هو الأمر المستغرب الخارج عن قياس المعقول . { أئِذَا } بتحقيق الهمزة الأولى وهى للاستفهام الإنكارى ، وتسهيل الثانية بلا إدخال ألف بينهما ، أو بإدخالها ، أو بتحقيق الهمزتين بلا إدخالها أو به ، وكذا فى قوله { أئنا } وقرئ بهمزة واحدة مكسورة هنا ، وبالهمزتين فى قوله { أئنا } وقرئ بالعكس ، وجواب إذا محذوف دل عليه { أئنا لفى خلق جديد } وإذا وشرطها وجوابها ودليله بدل من القول ، أو بيان له أنه بمعنى المقول ، ومفعول به على أنه باق على المعنى المصدرى ، وقوله { أئنا لفى خلق جديد } فى نية التقديم على إذا ، ويقدر الجواب منه مقرونا بالفاء بدون استفهام أو به ، أو يقدر مضارعا من البعث . { كُنَّا تُراباً أئنا لَفِى خَلقٍ جَديدٍ } بالبعث غير الخلق الأول { أولئكَ الَّذين كفَروا بربِّهم } أى بقدرته على البعث ، أى هؤلاء البعداء من مظان الخير هم الكاملون فى الكفر بالبعث { أولئك الإْغلالُ فى أعناقِهِم } أى ثابتة فى أعناقهم يوم القيامة ، وهذا الوصف الذى قدرت للاستقبال ، ويقدر المضارع أى تثبيت فى أعناقهم ، أو يقدر الوصف أو المضارع للحال ، ويقدر الماضى تنزيلا للمستقبل منزلة الحاضر الواقع لتحقق الوقوع ، وتهويلا للأمر ، وذلك عبارة عن خذلانهم وإصرارهم ، أى لا يتخلصون من الكفر إلى الإيمان ، كما لا يجد المغلول التصرف ، وهذا باختبارهم الكفر المانع للهدى ، أو عبارة عن ذلهم يوم القيامة ، وكناية عنه سواء اعتبرته قبل تقييدهم فى ذلك اليوم بالأغلال وبعده ، والغل طوق من حديد يجعل فى العنق ، وتضم إليه اليد أو اليدان ، أو فى اليدين أو نحو ذلك . { وأولئكَ أصْحاب النارِ هُم فيها خالِدُون } ولا حصر فى قوله { هم فيها خالدون } لعدم تعريف الطرفين ونحوه من مقيدات الحصر ، فضلا عن أن يقال إن فى الآية دليلا على اختصاص المشركين بالخلود ، كما زعم بعض ، وليس هم ضمير فصل على الصحيح لعدم المعرفة بعده ، بل ولا قباله ، لأن الكلام مستأنف منه فإنه مبتدأ خبره خالدون ، نعم لو أسقطه فيكون خالدون خبرا ثانيا لأولئك ، فصح الكلام ولكن جئ به لتأكيد وصفهم بالخلود لا للحصر ، ولو سلمنا الحصر لزم نفى الخلود عن أهل الكتاب ، لأن الآية عند ذلك القائل فى منكرى البعث ، وأما أولئك أصحاب النار فصيغت حصر ، لكن حصرها إضافى لظهور أن النار لا تختص بمنكرى البعث .