Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 43-45)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَبَتِ إنِّى قَدْ جَاءَنِى مِنَ الْعِلْمِ } بالله . وقيل من النبوة { مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِى } على دينى { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } مستقيما ، يوصلك إلى خير دائم ، وينجيك من عذاب مؤلم . ثم أكد ذلك بنصيحة أخرى زاجرة له عما هو فيه فقال { يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ } أى لا تطعه . ويا أبت دعاء ثالث لأبيه وزجر عما هو فيه فإن عبادة الأصنام مع خلوها عن نفع مستلزمة للضر فإنها عبادة للشيطان ، لحبه إياها وأمره بها . وبيَّن الضرَّ بأن الشيطان مستعص على ربك المولِى بالنعم كلها كما قال { إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للِرَّحْمَنِ عَصِيّاً } كثير العصيان ، ومطيع العاصى المحارب عاص محارب ، مع أن الشيطان هو عدوك الذى لا يريد بك إلا كل هلاك وخزى ، وعدو أبيك آدم . لكن إبراهيم عليه السلام لإمعانه فى الإخلاص ، وارتقاء همته فى الربانية ، لم يذكر هذه الجناية ، أعنى الجناية بالمخلوق ، وذكر الجناية برب العزة ، وهى عصيانه ، كأن نظره فى عِظم ما ارتُكب فى جنب الله غمر فكره ، وانطلق على ذهنه ، مع أن هذه الجناية شاملة للجناية فى جنب المخلوق وأصل لها . والشيطان الذى استعصى على ربك هو الذى ورطك فى الضلالة ، ليغضب عليك ربك ، وينتقم ، ويزيل عنك النعم . كما قال { يَا أَبَتِ إنِّى } وسكن الياء غير الحرميين وأبى بكر { أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ } يصيبك { عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ للِشَّيْطَانِ وَلِيّاً } قريناً فى اللعن أو العذاب فى النار ، تليه أو يليك أو ثابتاً موالاته فإن كونه من أشياع الشيطان أكبر من العذاب ، كما أن رضوان الله أكبر من الثواب . استهجن إبراهيم عليه السلام على أبيه عبادة الأصنام ، وزجَره عنها ، وخوَّفه سوء العاقبة بألطف وجه ، حيث عبَّر بقوله يا أبت وكرره . وذلك دليل على شدة الحب ، والرغبة فى صرفه عن العقاب ، وحيث لم يصرح بأن العذاب لاحقٌ له ، بل عبَّر بالخوف ، وحيث عبَّر بالمس الذى هو فى العذاب بحسب الظاهر كالذوق فى الأكل ، وحيث عبَّر بعذاب نكرة كأنه قال بعض العذاب ، وغير ذلك مما مر ، كالتعبير بولاية الشيطان . والخوف بمعنى العلم قاله الطبرى . أو على ظاهره ، أى إن أصررت على الكفر دخلت النار . وإلا فالجنة . كأنه قال إنى أخاف أن تموت على كفرك فتدخل النار . ورجَّحه بعض وقال إنه فى وقت المقالة جاهل للعاقبة لم يكن آيساً من إيمانه . والرفق واجب على كل أحد فى مقام الرفق ، ولا سيما مَن هو نبى ، ولا سيما مع الأب .