Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 117-117)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بَديعُ السَّمٰوات والأرْض } خبر لمحذوف ، أى هو بديع السمٰوات والأرض وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، كقولك زيد كريم الأب ، كأنه قيل هو بدعة سمٰواته وأرضه بضم الدال ، أى حصلت بعد العدم بلا قياس على مثال سابقاً يقال بدع الشئ ، بضم الدال ، فهو بديع ، أى كان على صفة لم يكن عليها غيره ، ويضعف أن يكون بديع بمعنى مبدع بكسر الدال فيكون من إضافة الوصف إلى مفعوله لندور فعيل بمعنى مفعل بكسر العين ، كما قيل فى قول عمرو بن معد يكرب @ أمن ريحانة الداعى السميع يؤرقنى وأصحابى هجوع @@ أن السميع بمعنى مسمع ، وليس متعيناً لجواز أن يكون بمعنى السامع ، لأن المتكلم يسمع كلام نفسه من لسانه ، فالداعى وهو داع الشوق لما دعاه سمع كلام نفسه الذى خاطب به معد يكرب ، ولجواز أن يكون بمعنى مسموع ، والبيت فى أخت معد يكرب واسمها ريحانة ، أسرها دريد ابن الصمة الجشمى ، والداعى مبتدأ خبره من ريحانة ، أو فاعل للجار والمجرور المتعمدين على الاستفهام ، وخص السمٰوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما تشاهد ، وفى قوله { بديع السمٰوات والأرض } نفى لاتخاذ الولد أيضاً ، لأن الوالد أصل للولد المنفعل بانفصال مادته عن ذلك الوالد ، فالود منفعل عن والده ، وكذا الوالد منفعل بانفصال المادة عنه والله سبحانه وتعالى مبدع للأشياء كلها ، فاعل على الإطلاق ، منزه عن الانفعال ، فلا يكون والداً ، والإبداع اختراع الشئ لا عن شئ دفعة ، وإيجاده على غير مثال سبق ، أو تحصيله مما لم يكن منه ، وكل هذه المعانى صالحة فى الآية ، وقد فسرته بالثانى ، وعلى كل حال هذا اللفظ هنا أولى من لفظ الصنع ، لأن الصنع يكون ولو على مثال سابق ، ويكون ولو مما أعتيد التحصيل منه ، ويكون ولو تركيب للصورة على أصل ، وأولى من لفظ التكوين ، لأنهُ بمعنى الصنع ، ويكون بتغير وفى زمان غالباً ، فالإبداع أخص منهما ، وقرئ بجر بديع على أنه بدل من الهاء فى قوله { كلٌّ له قَانِتُون } أو فى قوله { بل لهُ ما فى السَّمٰواتِ والأَرْض } وقرأ المنصور بنصه على المدح ، ونفى أيضاً الولادة عن نفسه تعالى بأن إيجاد الولد يكون بالانتقال من صفة إلى صفة ، ومن حال إلى حال وبمهلة ، وفعله تعالى يستغنى عن ذلك كما قال { وإذا قَضَى أَمراً فإِنَّما يقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون } أى إذا أرد شيئاً فإنما يقول لهُ احصل فيحصل ، ولا يحتاج إلى علاج فى حصوله ، ولا إلى شئ ، لكن يقول له كن فيكون ، مع أنهُ ليس المراد حقيقة القول ولا حقيقة الأمر ، وامتثال الأمر بالمراد حصول ما أراد حصوله بلا مهلة كما يمتثل المأمور المطواع ما أمر به بلا توقف ، فشبه تعلق إرادة الله تعالى بحصول الشئ بتعلق أمر الآمر بالمأمور المطواع المبادر إلى الامتثال ، ومن كان بهذه الصفة من حصول كل ما أراد بمجرد إرادته لم يحتج إلى الولادة المرتبة شيئاً فشيئاً ، وباينت حاله حال الأجسام المتوالدة ، وكان غنياً عما يحبه الناس أن يحصل لهم من أولادهم ، فهذا تقرير لمعنى الإبداع ، كما أنه نفى للولادة ، وقد علمت أنه لا خطاب هناك حقيقاً ، وقيل يخلق لفظة كن فى غير جسم أو فى جسم من الأجسام بعد حصول بعض الأحسام ، فيأمر بها ما أراد وجوده من العدم ، ولو شاء لأوجده بدون ذلك . وإن قلت فكيف يخاطب المعدوم ؟ قلت خاطبه على هذا القول بكن . لأنه عنده تعالى معلوم ، فاللام فى له هى لام الخطاب الآتية بعد القول ، كقولك قلت لزيد قم ، وهى للإبلاغ ، ويصح أن تكون للتعليل ، أى يقول لأجل الشئ الذى أراد حصوله كن ، أو بمعنى فى ، أى يقول فى شأنه كن . والفاء فى قوله فيكون للعطف على يقول كقولك أقول للجمل ائت فيأتى ، تعنى أنه يترتب إتيانه بلا مهلة على قوله ائت ويتسبب به ، أو للاستئناف ومجرد الفريع ، بمعنى فهو يكون . وقرأ ابن عامر فيكون بالنصب عطفاً لمصدر المنسبك بواسطة أن المصدرية المحذوفة على مصدر مقدر من يقول ، أى فإنما يحصل منه قوله للشئ كن فيكون من ذلك الشئ . وقد تقرر جواز الرفع والنصب بعد جواب الشرط ، فإن كان جاز ما زاد جواز الجزم ، وأما النصب إذا نصب يقول كما فى يس فبالعطف على لفظ يقول . قال أبو عمر والأندلوسى الدانى قرأ ابن عامر فتكون بالنصب فى البقرة كن فيكون ، وفى آل عمران فيكون ويعلمه ، وفى النحل ومريم ويس وغافر ، وتابعه الكسائى فى النحل ويس فقط ، والباقون بالرفع ، وليس النصب عندى فى جواب الأمر ، لأن حصوله لا يتسبب عن لفظ كن ، لأن المقصود به اللفظ كما هو شأن المحكيات بالقول ، وكن فيكون من الكون الذى يكتفى بالمرفوع ، وأصل القضاء إنفاذ الشئ والفراغ منه بالقول ، كقوله تعالى { وقَضَى رَبُّكَ ألا تعبُدوا إلا إيَّاه } أو بالفعل كقوله سبحانه { فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَاوات } واستعمل هنا بمعنى الإرادة لأن إرادة الله الشئ تستلزم وجوده استلزاماً خارجيّاً ، وإرادة المخلوق الشئ تستلزم وجوده استلزاماً بيانياً ، فعبر باللازم وهو مسبب وأراد الملزوم وهو سبب ، فقضى مجاز مرسل تبعى ، هذا الذى ذكرته هو التحقيق وذكر بعض أن قضى هنا يجوز أن يكون بمعنى قدر ، وأن يكون بمعنى أمضى ، والأمر واحد الأمور ، كما تقول أمر من الأمور ، تعنى شيئاً من الأشياء ، وليس المراد أمراً من الأوامر التى هى ضد المناهى ، والله سبحانه وتعالى قادر فى الأزل بلا أول قبل وجود المقدورات وبعد وجودها ، وعالم بما سيكون فى الأزل بلا أول ، ولا تقل أمر للمعدومات فى الأزل بالوجود الأعلى معنى سيأمر بوجودها ، وتقول قضى بأنها ستوجد .