Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 132-132)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وأوْصَى } بالهمزة بعدها واو ساكنة عند نافع وابن عامر ، وكذا هى فى مصاحف الحجاز ، والشام ، وقرأ الباقون وصى بدون الهمزة وبفتح الواو وتشديد الصاد ، والمعنى واحد ، لأنهُ إن قلنا ثلاثى هذه المادة لازم فالتشديد للتعدية لا للمبالغة والتأكيد ، كما أن الهمزة للتعدية ، وإن قلنا إنهُ متعد فالهمزة للتأكيد والمبالغة ، والتشديد كذلك ، فليس كما قيل إنّ أوصى بالهمزة لا يصدق إلا بمرة ووصى بالتشديد يصدق بمرار كثيرة . { بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ } الضمير فى قوله { بها } عائد إلى الملة فى قوله جل وعلا { ومَنْ يَرْغبُ عَنْ ملَّة إِبراهِيم } أو إلى الكلمة هى قوله { أسلمت لرب العالَمِينَ } أو إلى الجملة وهى أيضاً قوله { أسْلمتُ لربِّ العالمين } ويرجح هذا بقربه ويكون وصَّى معطوف على قال ، أى قال ذلك فى حق نفسه ، وأوصى بنيه أن يذكروها حكاية عن أنفسهم ، ويرجح الأول بكونه ظاهر التأنيث ، خاليا على التأويل ، وتفسير بعضهم الضمير بلا إله إلا الله ، وبعضهم بالسنة الحنفية تفسير معنى لا صناعة ، ويجوز عود الضمير إلى الآخرة من قوله { وإنه فى الآخرة لَمِنَ الصالحين } ويجوز عوده إلى الحكمة من قوله { ويعلمهم الكِتَابَ والحكمة } ، ويجوز عوده إلى الآيات من قوله { يتْلُوا عَلَيهم آياتِك } ، إما على طريق الاستخدام على أن الآيات أو الحكمة التى أوصى بها بنيه غير التى فى قوله { يتْلُوا عليهم … } إلخ وإما بدون استخدام ، على معنى أنه أوصى بنيه بالمحافظة على آيات ذلك الرسول أو حكمته إن أدركوه ويوصون بها إن لم يدركوه ، على أنه علم أن الله أجاب له دعاءه . ويجوز عود الضمير للمناسك فى قوله { وأرنَا مَنَاسِكنا } ويجوز عوده إلى الأمة المسلمة من قوله { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } وبنو إبراهيم ثمانية إسماعيل من هاجر القبطية ، وإسحاق من سارة ، ومدين ومدان ، ويقنان وزمران ، وياشق وشوخ من قطور بنت بقطن الكنعانية ، تزوجها بعد وفاة سارة ، ولم يذكر بعضهم إلا مدين ومدان وإسماعيل وإسحاق أربعة ، وقيل هم أربعة عشر ، الثمانية المذكورة ، ومادى وشرجح ونافس ويكشان وأميم ولوط ، وإنما قال { أوْصَى بها إبْراهِيم بنيه } ولم يقل أمر بها بنيه ، لأن لفظ الوصية أوكد ، لأن الوصية تكون عند خوف الموت ، وهو أحوط ما يكون الإنسان على نفسه فى شأن ولده ، وعند الأمر الشديد ، ولأن الإيصاء هو التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة ، ولأن أصله الوصل ، يقال وصاه إذا وصله وقصاه إذا فصله ، كأن الموصى بكسر الصاد يصل فعله بفعل الموصى بفتحها فيكون قبول الوصية أقرب من قبول الأمر ، وخص بنيه لاجتماع حق الإسلام وحق القرابة فيهم ، ولأنهم أئمة يقتدى بهم ، والشفقة على الولد أكثر . { ويَعْقُوبُ } عطف على إبراهيم والمعطوف على بنيه محذوف ، أى وأوصى بها إبراهيم بنيه ، ويعقوب بنيه ، أو يعقوب مبتدأ وخبره محذوف أى ويعقوب كذلك ، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره ويعقوب ، قال { يا بنى إن الله اصطفى . . } إلخ وقرئ يعقوب بالنصب على بنيه ، فيكون ممن أوصاه إبراهيم وعلى الوجهين الأولين ، يكون يعقوب موصياً كما أوصى إبراهيم أولاده ، وعلى الوجه الثالث يكون قائلا لهم { يا بنى إن الله اصطفى لكم … } إلخ وهذا فى معنى الوصية ، وبنو يعقوب اثنى عشر روبيل ويقال روبين بالنون ، وشمعون ولاوى ويهودا وزبالون ويشحر ودان وتفتال وجاد وأشر ويوسف وبنيامين ، وتأتى إن شاء الله فى سورة يوسف ، والألفاظ العجمية تختلف فيها الروايات ، ولكثرة ولده سمى يعقوب إذ الولد يسمى عقبا ، لأنه يعقب أباه ، وحفظت أنهُ سمى يعقوب أنه اجتمع هو وأخوه العيص فى بطن واحد فلما كان وقت الخروج قال له العيص تأخر أخرج قبلك وإلا خرقت بطن أمى وخرجت ، وسمى العيص بمعنى التعصب أو مقلوب من العصيان ، وخرج يعقوب بعده ، وسمى يعقوب لأنه خرج عقبه ، وقيل لأنهُ أخذ بعقب العيص . { يا بَنىَّ إنَّ الله اصْطفى لكُم الدِّين فَلا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مسْلمُونَ } هذا كلام يعقوب كما مر أن الأصل ويعقوب قال { يا بنى إن الله اصطفى … } إلخ فهو مقول لقول محذوف ، وإذا عطفنا يعقوب على إبراهيم ، أو قدرنا ويعقوب كذلك ، كان هذا من كلامهما وكان محكيا بقوله { أوصى } لتضمنه معنى قال وزيادة أعنى أن معناه قول ، وكون المقول مما يهتم به ، فإذا كان فيه معنى القول جازت الحكاية به ، هذا قول الكوفيين كما حكى بأخبر فى قوله @ @ رجلان من مكة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا @@ @@ بكسر همزة إن فى الحكاية بأخبر كما تكسر بعد @ رجلان من مكة قالا إنا رأينا رجلا عريانا @@ وروى بالفتح ، على تقدير أخبرانا بإنا رأينا ، ويروى من ضبة ورجلان مخفف رجلان بضم الجيم ، وقال البصريون ذلك مقول لقول محذوف دل عليهِ أوصى أى قالا يا بنى … إلخ وذلك أن كل واحد قال لبنيه يا بنى … إلخ وهكذا كما وردت جملة مقولة بعد ما فيه معنى القول دون حروفه ، البصريون يقدرون قولا ، والكوفيون يحكونها بما فيه معنى القول . قال ابن هشام تحكى الجملة بالقول أو مرادفه ، والمرادف نوعان ما فيه حرف تفسير كقوله @ وترمينى بالطرف أى أنت مذنب @@ وقولك كتبت إليه أن أفعل إذا لم تقدر الباء ، والجملة فى هذا النوع مفسرة للفعل فلا موضع لها ، وما ليس معه حرف تفسير نحو { وأوصى بها إبْراهِيمُ بَنِيه ويعقُوب يا بنى إنَّ الله اصطَفى لَكُم الدين } ، ونحو { ونادَى نُوحٌ ابنَهُ وكانَ فى مَعْزلٍ يا بُنىَّ ارْكَب مَعَنا } وقراءة بعضهم { فدعا ربه إنّى مغْلوبٌ } بكسر الهمزة وقوله رجلان من مكة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا روى بكسر إن ، فهذه الجملة فى محل نصب اتفاقا ، ثم قال البصريون النصب بقول مقدر ، وقال الكوفيون بالفعل المذكور ، ويشهد البصريين التصريح بالقول فى نحو { ونادَى نُوحٌ ربَّه فقالَ ربِّ إنَّ ابْنِى من أَهلِى } { إذْ نَادى ربّه نداءً خفيا قال ربِّ إنِّى وَهَن العَظْم منِّى } انتهى كلام ابن هشام بتصرف ، وإذا نصب يعقوب عطفا على بنيه كان هذا من كلام إبراهيم محكيا بأوصى ، أو يقول محذوف ، والمراد بالدين دين الإسلام ، أى اختاره لكم ، ويجوز أن يراد الجنس أى اختاروا لكم صفوة الأديان ، وتلك الصفوة غير مذكورة ، وهى دين الإسلام ، لكن أشار إليها بقوله { فَلا تموتُنَّ إلا وأنتم مسْلمونَ } وظاهره النهى أن يموتوا غير مسلمين ، وليس ذلك بمراد ، لأن الموت ليس باختيارهم ، بل المراد النهى عن أن يكونوا حال الموت غير مسلمين ، والأمر بالثبات على الإسلام حتى يموتوا ، وهذا كقولك لا تصلّ إلا وأنت خاشع ، لست تريد ظاهره من أنه إذا لم يكن خاشعاً فليترك الصلاة ، بل تريد نهيه عن ترك الخشوع فى الصلاة ، وكقولك لا أريتك ها هنا ، فإن ظاهره نهى المتكلم نفسه أن يرى مخاطبه هناك ، وليس مراد بل المراد نهيه عن الحضور هناك المستلزم ، لأن يراه ، ونكتة العدول عن مثل قولك دوموا على الإسلام ولا تكونوا حال الموت إلا عليه إلى قوله { ولا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مُسْلِمونَ } إظهار أن موتهم على غير الإسلام موت غير محدود ، إذ كان موت شقاوة ، وأن من حق هذا الموت ألا يحل فيهم ، ونظير ذلك فى الأمر مت وأنت شهيد . لست تريد أمره بالموت ، بل أمره بأن يكون على صفة الشهداء إذا مات ، ومعنى قوله { مسلمون } مؤمنون عاملون الفرائض مخلصون فيها ، فالإسلام هنا بمعنى القول والعمل ، وقيل معناه محسنون فى الظن بالله ، كما روى البخارى ومسلم عن جابر بن عبدالله " سمعت رسول اله ، صلى الله عليه وسلم ، قبل موته بثلاثة أيام يقول " لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو محسن الظن بالله " والآية تتضمن التذكير بالموت بأن المرء يتحقق أنه يموت ، ولا يدرى متى يموت ، فلزمته المبادرة إلى ما أمر به لئلا يأتيه الموت ، وهو على خلافه . وجملة أنتم مسلمون حال ، والواو قبلها للحال ، وروى أن اليهود قبحهم الله قالوا لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية يوم مات ، فنزل قوله تعالى { أم كُنتم … }