Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 133-133)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أم كُنتم } يا يهود . { شُهداء إذْ حَضَر يَعْقوبَ الموتُ } أم هذه للاستفهام التوبيخى والإضراب الانتقالى ، وهى حرف ابتداء لا عاطفة ، وذلك من التوبيخ الذى لم يقع ما وبخ عليه ، ويجوز أن يكون ذلك الاستفهام للإنكار ، أى ما كنتم حاضرين يا يهود إذ حضر يعقوب الموت ، وقال لبينه ما قال ، فيم تدعون عليه اليهودية ، والإيصاء بها ويجوز أن تكون أم متصلة عاطفة على محذوف ، أى أتدعون على الأنبياء اليهودية فيكون يعقوب منها ويأمر بها ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ، وسمعتم منه الوصية بها فى جملة ما أوصى به ، أو أكنتم غائبين أم كنتم شهداء ، ويجوز أن يكون الخطاب لليهود والنصارى ، فإن النصارى أيضاً يدعون أن الأنبياء على النصرانية ، وكانت اليهود يقولون ما مات نبى إلا على اليهودية ، وقيل الخطاب للمؤمنين ، والمعنى ما شهدتم إذ حضر يعقوب الموت ، وإنما حصل لكم العلم بما قال لأولاده من الإيصاء بالإيمان من طريق الوحى ، وعلى هذا تكون أم للاستفهام الإنكارى والإضراب الانتقالى ، وهى حرف ابتداء ، والاستفهام بأم فى صدر الكلام لغة يمانية فيما قال بعض ، يعنى فى صدر كلام تقدمه كلام آخر بينهما اتصال كما قال الطبرى إن أم يستفهم بها فى وسط الكلام قد تقدم صدره ، وإن هذه منها … وشهداء بمعنى حاضرين جمع شهيد بمعنى حاضر ، أو جمع شاهد بمعنى حاضر ، كعاقل وعقلاء ، وعالم وعلماء ، وشاعر وشعراء وقرئ إذ حضر بكسر الضاد وهو لغة . { إذْ } بدل من إذ . { قالَ لِبنِيهِ ما تعْبدونَ مِنْ بَعْدِى } ما استفهامية مفعول مقدم لتعبدون ، والمعنى أى شئ تعبدون بعد موتى ؟ قال لهم ذلك ليقولوا لهُ نعبد إلهك وإله آبائك ، فيكون قد أخذ الميثاق عنهم على الثبات على الإسلام ، وهذا رد عظيم على اليهود ، وذلك أنهم ادعوا على يعقوب الإيصاء باليهودية ، فقال لهم الله عز وجل هل حضرتم حين شارف وأوصى بنيه بما يخالف اليهودية ويبطلها ، وهو رد واستشهاد كقولك لزيد أم أجالسك فى المسجد من الظهر إلى العصر ، تريد الرد على من قال إنك كنت فى السوق بين الظهر والعصر . وإن قلت لم قال { ما تعبدون } ولم يقل من تعبدون ، مع أن ما لغير من يتصف بالعلم ، ومن لم يتصف به ، ومعبودهم هو الله تعالى وهو أعلم العالمين ؟ قلت لأنه أراد أن يخرج الكلام إليهم عاما كل العموم ، فيجيبوه بأخص خاص كأنه لم يعرف ما يعبدون ، أهو متصف بالعلم أم لا ، وما يسأل بها عن كل شئ ما لم يعرف ، وإذا عرف متصفا بالعلم سئل عنه بمن إذا أريد تعيينه ، ويجوز السؤال بها فيمن يتصف بالعلم إذا أريد السؤال عن صفته ، لأن الصفة لا توصف بالعلم ، تقول ما زيد أفقية أم طبيب ؟ تريد السؤال هل صفته فقه أو طب ، ويجوز تفسير الآية بهذا فيكون المعنى صاحب أى صفة تعبدون ، فأجابوه بأنا نعبد من صفته الألوهية لك ولآبائك والوحدانية ، ويروى أن الله جل وعلا لم يقبض نبيّاً حتى يخيره بين الموت والحياة ، ولما خير يعقوب وقد رأى أهل مصر يعبدون الأوثان والنيران ، قال لله جل وعلا أنظرنى حتى أوصى ولدى فأمهله فجمع ولده وولد ولده كلهم فقال لهم قد حضر أجلى ما تعبدون من بعدى ؟ فأجابوه بما حكى الله عنهم بقوله { قالُوا نعْبدُ إلهكَ وإله آبائِكَ إبْراهِيم وإسماعِيلَ وإسحاقَ } إله هؤلاء هو الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود ، الذى تجب عبادته ، وعد إسماعيل أبا تغليباً للأب والجد ، فإن إسماعيل عم يعقوب لا أبوه ولا جده ولأن العم كالأب ، ويسمى أبا ، كما قيل فى آزر إنه عم إبراهيم ، وقد سماه الله أباه ، وفى صحيح البخارى ومسلم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " عُّم الرجل صنو أبيه " أى مثله فى أن أصلهما واحد ، كنخلتين أصلهما واحد . وقال فى العباس رضى الله عنه " هذا بقية آبائى " رواه الطبرانى ، وقال صلى الله عليه وسلم فيه رضى الله عنه " ردوا على أبى فإنى أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود " وقال صلى الله عليه وسلم " أنا ابن الذبيحين " فإن أحدهما أبوه عبدالله إذ وقع السهم عليه أن يذبحه أبوه تقرباً ، ففدى بمائة من الإبل ، والآخر إسحاق فإنه أخو أبيه إسماعيل ، فليس يجده ، فسمى نفسه أنه ابنه مع ذلك ، لكن الراجح أن أحدهما إسماعيل وهو المشهور ، لا ما قيل إن المشهور أنه إسحاق ، والعرب تسمى العم أباً والخالة أما ، وقدم إسماعيل على إسحاق لأنه أكبر منه ، ولأنه جد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ينتهى إليه أمر الإسلام الذى فيه الكلام ، وسواء قدموه حين قالوا أو قدمه الله ، فإن كانوا قدموه كما هو ظاهر الآية فالعلة أنه أكبر ، أو علموا من الوحى أنه جد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم الذى هو صفوة الرسل كلهم وسر الوجود ، ثم ظهر لى وجه محتمل هو أن يعطف إسماعيل على آبائك لا على إبراهيم ، فلا يدخل فى جملة الآباء ، وعلى هذا الاحتمال يكون المراد بالآباء إبراهيم وإسحاق أطلق عليهما لفظ الجمع . وقرأ أبى { وإله إبراهيم } بطرح آبائك وقرأ { وإله أبيك } إما على أنه جمع بالياء والنون حذفت النون للإضافة والياء الموجودة ياء الجمع ولام الكلمة محذوفة ، تقول جاء أبوك الكرام ، أى الأبون لك الكرام . قال زياد ابن واصف السلمى فى نسوة أسرن @ ولما تبيَّن أصواتنا بكين وفَّديننا بالأبينا @@ أى لما عقلن أصواتنا ، وروى أشياخنا بكين ، وقلن جعل الله فداءكم الأبين ، أى آباءنا ، والألف بعد نون الأبينا للاطلاق ، وإما على أنهُ مفرد والياء بدل من لام الكلمة ، وعلى هذا يكون إبراهيم عطف بيان أو بدلا وحده ، فيعطف إسماعيل وإسحاق على أبيك ، وإن قلت إلهك وإله آبائك وإله واحد ، قلت إله واحد لكن أعاد ذكر إله لأنه لا يعطف فى الغالب على الضمير المخفوض المتصل إلا بإعادة الخافض ، والخافض هنا هو المضاف وهو إله ، وأفاد ذلك توكيداً ، وأيضاً كرر بالعطف باعتبار الصفة المتكررة ، فإنه بمنزلة قولك نعبد الذى ثبتت ألوهيته لك وألوهيته لآبائك ، كقولك جاء زيد العالم العاقل ، بمعنى جاء زيد المتصف بالعلم والعقل ، ونفى ما يوهم ذكر الإله فى الموضعين من تعدد المعبود بقوله { إلهاً واحداً } فإنه توحيد صريح ، والنصب فى الهاء على البدلية من إلهك ، أو على الحالية منه اللازمة وهى موطئه ، لأنها جامدة موصوفة بمشتق وهو قوله واحد ، أو على الاختصاص ، أى نريد إلهاً واحداً ، أو نعنى إلهاً واحداً ، أو تخص إلهاً واحداً ، لكن نصب النكرة على الاختصاص قليل ، وسهله هنا وصفها فكانت كالمعرفة . { ونحنُ لهُ مسْلمونَ } مخلصون فى العبادة أو العبودية أو التوحيد ، أو مذعنون . والجملة حال من الضمير فى نعبد أو من إلهك أو منهما والبيانيون يجيزون الاعتراض آخر الكلام ، فيجوز على طريقهم كونها معترضة للتأكيد ، أى ومن حالنا إنا له مسلمون ، ويجوز عطف تلك الجملة الاسمية على الجملة الفعلية ، وهى نعبد تلك الأمة أو الجماعة وهى إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيلن أو هم وبنوهم المؤمنون ، فالإشارة إليهم ، وإنما أنت اسم الإشارة وهم ذكور لتأنيث الخبرن أو لتأويلهم بالأمة أو الجماعة ، بدليل الإخبار عليهم بالأمة ، وإنما تسمى الجماعة أو الفرقة من الناس أمة ، لأن الفرق تؤمها أى تقصدها ، والأمة فى الأصل المقصود .