Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 135-135)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقالُوا كُونوا هوداً أو نَصَارى تَهْتدُوا } أى قالت اليهود كونوا هوداً تهتدوا ، وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا ، قالت ذلك يهود المدينة ، ونصارى نجران ، والكلام فى هذه الآية مثله فى قوله عز وجل { وقالُوا لنْ يدْخُل الجنَّة إلا منْ كانَ هُوداً أو نصارَى } قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى رؤساء اليهود كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وابن يهودا ، وأبى ياسر بن أخطب ، وفى نصارى نجران السيد والعاقب وأصحابهما ، وذلك أنهم خاصموا المؤمنين فى الدين ، فكل فريق منهم يزعم أنه أحق بدين الله ، فقالت اليهود نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفروا بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن . وقالت النصارى نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفروا بموسى والتوراة ومحمد والقرآن ، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين إلا ديننا ، وقلنا نحن معشر المسلمين محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أفضل الرسل ، والقرآن أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وهو دين إبراهيم المتفق على صحته ، وآمنا بجميع أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، وجميع كتبهم ، فكذب الله عز وجل اليهود والنصارى وصدقنا فأنزل { قُلْ بَل مِلَّة إبراهيم } أى قل يا محمد بل نتبع ملة إبراهيم ، لأنه صواب مجمع عليه ، والله أمرنا به ، لا بيهوديتكم ونصرانيتكم ، فملة معمول لمحذوف تقديره نتبع ، كما علمت ، ويدل له قوله تعالى { اتَّبعُوا ملة إبراهيم } أو تقديره نلزم ملة إبراهيم ، أو تقديره تكون ملة إبراهيم ، أى أهل ملة إبراهيم كقول عدى بن حاتم إنى من دين ، أى من أهل دين ، فيقدر المضاف آخراً كما رأيت ، أو يقدر أولا أى نكون ملتنا ملة إبراهيم ، وتقدير الكون أنسب بقوله كونوا ، ويجوز تقدير المحذوف خطاباً لليهود والنصارى ، أى بل اتبعوا والزموا ملة إبراهيم ، وقرئ ملة إبراهيم بالرفع ، على أنهُ مبتدأ خبره محذوف ، أى ملة إبراهيم ملتنا ، أو خبر لمحذوف ، أى ملتنا ملة إبراهيم ، أو أمرنا ملة إبراهيم ، أو نحن ملة إبراهيم ، أى أهل ملة إبراهيم . { حنيفاً } مائلا عن اليهودية والنصرانية وغيرهما من الأديان الباطلة ، إلى دين الإسلام . والحنف الميل مطلقاً ، والمراد هنا ما ذكرت . قال ابن عباس الحنيف المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام . قال الشاعر @ ولكنا خلقنا إذ خلقنا حنيفاً ديننا عن كل دين @@ والحنف ميل فى القدمين ، وكانت العرب تسمى كل من احتجم أو اختتن حنيفا ، تنبيها على أنه على دين إبراهيم ، وقيل معنى حنيفا مختتنا مقيما للمناسك ، وقيل الحنيف فى الدين المستقيم على جميع طاعة الله . وقال الحسن الحنيف المخلص . قال الكلبى الحنيف المسلم ، وليس ذلك خارجا عما ذكرنا من الميل عن الأديان إلى دين الإسلام ، وحنيفا حال من إبراهيم ، ولو كان مضافا إليه ، لأن المضاف مثل جزء المضاف إليه هنا قال ابن هشام يجئ الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه ، نحو أعجبنى وجهها مسفرة . وكقوله تعالى { ونزعْنا ما فى صدورهم من غِلٍّ إخواناً } { أيحبّ أحدُكم أن يأكُل لَحْمَ أخيهِ مَيْتاً } أو كبعضه نحو { مِلّةَ إبراهِيمَ } أو عاملا فى الحال … إلخ وقوله { ملة إبراهيم حنيفاً } يحتمل هذه الآية وغيرها ، أو كلتاهما سواء ، وأجاز بعض البصريين مجئ الحال من المضاف إليه بلا شرط ، ومنع أبو حيّان مجئ الحال منه مطلقاً إلا إذا صح عمل المضاف فى الحال ، بأن كان وصفا أو مصدراً ، ليتحد عامل الحال وعامل صاحبها ، قال وأما ميتا فيحتمل أن يكون حالا من لحم ، وإخوانا يحتمل أن يكون منصوبا على المدح ، وحنيفا يحتمل أن يكون حالا من الملة ، وذكر لأن الملة والدين بمعنى ، أو من الضمير فى اتبع ، يعنى اتبع المقدر فى الآية الأخرى غير آية البقرة ، وكذا تحتمل آية البقرة لجواز أن يقدر ، بل أتبع ملة إبراهيم أى أتبعها أنا حال كونى حنيفا ، ولو خاطبت اليهود والنصارى المؤمنين ، لأن اتباع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ملة إبراهيم مستلزم لاتباع المؤمنين إياها ، ويجوز أن يكون وجه تذكير حنيفا مع جعله حالا من ملة ، أنه فعيل بمعنى فاعل ، وما كان هكذا يجوز تذكيره ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى نتبع أو نلزم ، لأن ما كان هكذا يجوز إفراده ، ولو جرى على جماعة ، وقيل حنيفا مفعول لمحذوف ، أى نتبع حنيفا أى رجلا حنيفاً أو ملة أو دينا حنيفا ، وتقدير رجلا حنيفا فى هذا القول أولى لمضى ذكر الملة . { وما كانَ } إبراهيم . { مِنَ المشركين } الجملة حال ثانية لإبراهيم ، إذا جعلنا حنيفا حالا ، وإلا فالجملة حال منه غير ثانية ، ويجوز أن يكون حنيفا حالا منه ، وهذه الجملة معطوفة على الحال ، أو حالا من الضمير فى حنيفا ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، وعلى كل وجه فهى تعريض بأن اليهود والنصارى مشركون ، وإبراهيم مسلم ، فادعاؤهم اتباعه باطل ، ومثلهم مشركو العرب . قال الحسن ثم علم الله المؤمنين ما يقولون لليهود والنصارى إذا قالوا لهم كونوا هوداً أو نصارى ، وهو تعليم لطريق الإيمان فقال { قُولُوا آمنَّا … }