Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 13-13)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قِيْلَ لَهُمْ آمِنُوا } … إلخ القول فيه كالقول فى { وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض } إلخ ، وقوله لا تفسدوا ، من باب التخلية بالخاء المعجمة ، وقوله آمنوا من باب التحلية بالحاء المهملة ، والتخلية مقدمة على التحلية كما جاءت الآية ، لأن تحلية الشىء مع بقاء ما يسمجه ويناقض الحلية غير مؤثر بها ، ونفع ونظام الدين والدنيا بأمرين الإعراض عما لا ينبغى ، وهو الذى ينهى عنه قوله { لا تفسدوا فى الأرض } والإتيان بما ينبغى وهو الذى يؤمر به كقوله { آمِنُوا … } … { كَمآ ءَامَنَ النَّاسُ } أى إيماناً ثابتاً كإيمان الناس فى الخلوص عن شوائب النفاق ، وما مصدرية والمصدر مجرور بالكاف ، فالتشبيه بين المفردين المفعول المطلق المحذوف المنعوت بثابت عنه الكاف مع مدخولها ، والمصدر مجرور بالكاف ، فالتشبيه بين مفردين المفعول المطلق المحذوف المنعوت بثابت ، النائب عنه الكاف مع مدخولها والمصدر المقدر مما بعد الكاف ، ولا يجوز حمل ما على أنها كافة ، لأن الأصل عدم الكف ، وقد أمكن عدمه بلا تكلف ، ولو أجازه غيرى ، ويتعين الكف فى { ربما يود الذين كفروا } إذ لو جعلت مصدرية لكان مجرور مصدراً مضافاً لمعرفة إلا أن تجعل ما نكرة موصوفة واقعة على ود ، أى رب ود يوده الذين كفروا ، ومتى جعلت ما فى الآية كافة ، فالشبيه بين جملتين من حيث متضمنهما ، وفى الآية دليل على قبول توبة الذى أظهر الإسلام ، وأسر الشرك لأنهم أمروا بإيمان كإيمان الناس فى التجرد عن النفاق ، فلو كان غير نافع لم يؤمروا به ، واستدل بعض بها على أن الإجراء باللسان ولو لم يكن إيماناً لم يكن عبادة ، والآية دلت على أنه عبادة ، ولو لم يكن عبادة لم يؤمروا به ، قلت يبحث بأن الإيمان الذى أمروا به إنما هو إيمان القلوب ، وأما الإقرار باللسان فمرتب عليه ، فإن خلص فى القلب كان ما فى اللسان عبادة وإلا لم يكن عبادة ، وذكر الفخر ما حاصله لا يقال إن الإقرار باللسان إيمان فى الظاهر وإلا لم يعد التقييد بقوله { كَمآ آمَنَ النَّاس } لا غنى قوله آمنوا عنه ، لأنا نقول الإيمان الحقيقى عند الله سبحانه إنما هو المصاحب للإخلاص ، وأما فى الظاهر فيحصل بالإقرار فلا جرم افتقر فيه إلى تقييده بقوله { كَمآ آمَنَ النَّاس } وأل فى الناس عندى للعهد الذهنى ، لإإنه قد تقرر فى أذهانهم أن الصحابة قد آمنوا إيماناً خالصاً ، فالناس من عرف بالإخلاص كأبى بكر وعمر وصهيب وبلال وخباب وعبد الله ابن سلام من أى نسب كان ، ودخل فيهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه مؤمن بأنه رسول ، وبالقرآن وبالله واجب عليه الإيمان بذلك كله ، أو من أخلص الإيمان من جنسهم كعبد الله بن سلام ، ويجوز أن تكون للجنس الكامل فى الناسية كأنه قيل كما آمن الناس الكامل كونهم ناساً ، والمعتد بهم وهم من مطلق من أخلص الإيمان بقطع النظر عن كونه معهوداً أو غير معهود ، فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه بدون اعتبار صفة تأهل لها كقوله { والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا } يستعمل له باعتبارها ، فينفى عنه الاسم بانتفاء الصفة كقوله فى جملة أبيات @ وما رجل لم يجهد الناس طاقة وعلماً وصبراً للبلاء بإنسان @@ وقد رواه العلامة الضرير محمد بن سليمان النحريرى فى حاشية على شرح الأجرومية لأبى سليمان داود ، وحاصله نفى الإنسانية عن الرجل الذى انتفى عنه ما خلق له من إتعاب النفس بالطاعة والعلم والصبر للبلاء . وكقول الشاعر @ بلاد بها كنا وكنا نحبها إذ الناس ناس والزمان زمان @@ بل كالعدم لفقدها فيه ، وكقوله تعالى { صم بكم عمى } حيث نفى عنهم السمع والنطق والبصر ، ولو وجدت فيهم إذ لم يستعملوهن فيما خلقن لأجله ، ويستعمل أيضاً فى بعض الأشخاص بدون تعيينها فى اللفظ ولا فى النية بلا قيد صفة كقوله @ ولقد أمر على اللئيم يسبنى @@ أوبقيد صفة أو فى البعث المعين مقيداً بها كما فى قوله تعالى { ذلك الكتاب } وصفة الكمال أو فى بعض معين غير مقيد بها ، ومن باب قوله ولقد أمر على اللئيم . قولك الرجل خير من المرأة ، وأسامة أشجع من النمر . ولا يصار إلى هذا الباب لقلة جدواه إلا عند تعذر غيره . { قَالُوا أَنُؤمِنُ كَمَا آمَنَ السُفَهاءُ } الاستفهام إنكارى ، أنكروا أن يكون صواباً أن يؤمنوا كالسفهاء أو توبيخ أو تعجبى ، وأل فى السفهاء للعهد الذكرى لأنه لا يشترط فيه تكرار اللفظ بعينه ، فمنه قولك ما بات عندى إلا زيد ، فبات العالم عندى فى كرم ، تريد بالعالم زيداً ، وكقولك رأيت الأسد فهبت الغضنفر ، أى الأسد ، وكقولك قاتلنى الكافر فقتلت الخبيث ، يعنى بالخبيث ذلك الكافر ، وكما تقول لصاحبك ، إن عمراً قد سعى بك ، فيقول أوقد فعل السفيه ، يريد السفيه عمراً الساعى به إلى سلطان أو نحوه ، فكذا المراد بالسفهاء الناس المذكورون فى { كَمآ آمَنَ النَّاس } فالمراد بالسفهاء جنس الناس المؤمنين بأسرهم ، المعهودين أو نوع معهود منهم كابن سلام ، وقال السعد جنس السفهاء بقطع النظر عن كونهم مراد بهم الناس المذكورون فى قوله { كَمآ آمَنَ النَّاس } أو غير مراد بهم ذلك ، ويندرج تحت لفظ السفهاء على زعمهم ، وإنما نسبوهم للسفه لاعتقادهم فساد رأى من يؤمن بالقرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالله وصفته كما هو ، وبالبعث والجنة والنار ، كما هن . وقد مر إيمانهم بالله على غير صفته سبحانه وتعالى ، وبالبعث والجنة والنار على غير ما هن عليه ، أو لتحقير شأن المؤمنين حينئذ ، إذ كان أكثرهم فقراء كابن مسعود وأبى ذر ، وكان بعضهم مولى كصهيب وبلال وخباب وسلمان ، وإن فسرنا السفهاء بالنوع المعهود المخصوص وهم من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ، فإنما سموهم سفهاء إظهاراً للعزة والشجاعة وعدم الذبول بإيمان من آمن منهم ، وعدم المبالاة به فى الظاهر مع أنهم قد ذلوا بإسلام هؤلاء وذبلت قلوبهم ، وافتضحوا بإيمانهم كسراً فى أعضادهم ، وغاظهم إيمانهم ما لم يغظهم إيمان غيرهم ، لأنهم لما آمنوا علم الناس أن الإيمان حق ، لأنهم أهل التوراة والإنجيل ، وإنما ساغ أن يقال هم منافقون مع تصريحهم بتسفيه المؤمنين ، لأنهم يصرحون به فيما بينهم ، أنؤمن كما آمن سفيه بنى فلان ؟ وسفيه بنى فلان ؟ فأخبر الله جل وعلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بذلك ، أشار إليه الشيخ هود وغيره ، وظهر لى وجه آخر فى تسفيه من آمن منهم ، وهو أنهم بهتوهم بالسفه كالزنى والسرقة والكذب ورقة النسب ونحو ذلك ، مما ليس فيهم رحمهم الله ، كما روى " أنه لما أسلم عبد الله بن سلام خبأه صلى الله عليه وسلم ، ودعا اليهود وقال لهم " ما تقولون فى عبد الله بن سلام ؟ " قالوا حبرنا وعالمنا وابن حبرنا . قال صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أسلم ؟ " قالوا أعاذه الله أن يسلم ، فخرج عليهم وصرح بالإسلام وقال اتقوا الله فإنكم قد علمتم أن محمداً رسول الله فى التوراة ، فقالوا سفيهنا وابن سفيهنا " ، والسفه خفة وقلة رأى يصدران عن نقصان العقل ، والحلم ثقل رأى وعظمة يصدران عن تمام العقل ، وأكثر الآيات تدل على أن المنافقين المذكورين فى القرآن مشركون ، ولا أكاد أقول غير ذلك ، وأما القسم الآخر المسمى بالمنافقين ، وهم فسقة الموحدين فثابت عندى أيضاً لأدلة كثيرة ، وليسوا مرادين فى القرآن عندى . والله أعلم . وجمهورنا على غير ذلك ، ومن ذلك قول الشيخ هود . قال الله { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } إن الله يعذبهم فى الآخرة مع إقرارهم وتوحيدهم ، وهذا مما يدل على أن المنافقين ليسوا بمشركين . أنتهى . وليس بمتعين ، لأنه إنما بناه على تقدير لا يشعرون أن الله يعذبهم … إلخ وليس تقديراً متعيناً . { ألاَ أَنَّهُمْ هُمْ السُّفَهآءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ } أكد الرد عليهم بما أكد به فى قوله { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } إلا أنه قال هنالك لا يشعرون ، وهنا لا يعلمون ، لتتم المطابقة لذكر السفه ، فإن السفه جهل فطابقه العلم ، ولأن الوقوف على أمر الإيمان وشرائطه وتمييز الحق من الباطل مما يحتاج إلى نظر وتفكر ، فاستعمل فيه العلم لأنه الاعتقاد الجازم الذى لا يقبل التشكيك . وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد ، فيدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم ، لأنه معروف بالعادة حتى كأنه محسوس ، فاستعمل فيه الشعور وهو الإحساس بالشىء لظهوره ، أو التفطن له ، وقد استعمل الشعور بمعنى العلم فى قوله { وَمَا يَشْعُرُون } ويحتمله ما هنا أيضاً فيكون التعبير بالعلم تارة ، وبالشعور أخرى ، تفننا ونظراً إلى ظاهر لفظ الشعور ، وتقدير الآية ولكن لا يعلمون أنهم سفهاء ، وكذا قال الحسن ، وأما السدى فقال ولكن لا يعلمون أن الله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأما السدى فقال ولكن لا يعلمون أن الله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقولهم ، والأول أولى وهم جاهلون بجهلهم ، فجهلهم مركب ، والجاهل جهلا مركباً لا يكاد يقلع عن ضلالته ، لأنه يراها رشداً .