Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-14)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا لَقُوا } أصله لقيوا بكسر القاف وضم الياء نقلت ضمة الياء لثقلها عليها إلى القاف بعد سلب كسرته ، فالتقى ساكنان الياء والواو ، فحذفت الياء ، ثم التقى ساكنان الواو ولام أل فحذفت الواو فى التلاوة وثبتت فى الرسم واللقاء أواخر الاستقبال إلى الشىء وأوائل الاجتماع به ، وإن شئت فقل المصادفة ، يقال لقيه ولاقاه بمعنى ، وقد قرأ أبو حنيفة { وإِذَا لاَقُوا } بمد الألف وفتح القاف وكسر الواو للساكن بعدها ، ويقال ألقيته أى طرحته بحيث يوافيه الماشى ويصادفه ، ويجتمع به فأصلهما واحد والمعنى وإذا صادفوا . { الَّذِينَ آمَنُوا } واجتمعوا بهم وهم المهاجرون والأنصار ومن يهابونه من المؤمنين . { قَالُوا } لهم { آمَنَّا } بما أمنتم به ، بالله وباليوم الآخر والقرآن ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن قلت هل يتكرر قوله { وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } مع قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا } قلت لا يتكرر معه ، لأن قوله عز وعلا { ومن الناس من يقول آمنا } سبق لبيان طريقهم فى النفاق وتمهيد نفاقهم بأن صرح بأنهم يؤمنون بألسنتهم فقط . وأما قوله { وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } … إلخ فتصريح بأنهم يلاقون المؤمنين بوجه ، ويلاقون الكافرين بوجه آخر ، وزادوا على ذلك أنهم يخبرون والكفار بأن الوجه الذى نلقى به المؤمنين مخادعة غير حقيق ، قال ابن عباس نزلت هذه الآية فى عبد الله بن أبى وأصحابه ، خرجوا ذات يوم واستقبلهم نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله بن أبى أنظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبى بكر الصديق فقال مرحباً بالصديق سيد بنى تميم ، وشيخ الإسلام ، وثانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار ، الباذل نفسه وماله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد عمر فقال مرحباً بسيد بنى عدى بن كعب الفاروق القوى فى دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد على فقال مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وسيد بنى هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له على اتق الله يا عبد الله ولا تنافق ، فإن المنافقين شر خليقة الله تعالى ، فقال مهلا يا أبا الحسن لا تقل هذا والله ، إن إيماننا كإيمانكم ، وتصديقنا كتصديقكم . ثم تفرقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتمونى فعلت ؟ فأثنوا عليه خيراً . رواه الواحدى والبغوى وغيرهما ، يزيد بعض على بعض . وختن الرجل عند العرب من كان من جهة امرأته ، وعند العامة زوج ابنته وكلاهما صحيح عندى . { وَإِذَا خَلُوا إِلى شَيَاطِنِهِمْ } إلى بمعنى مع أو عند ، ولو قيل خلوا بشياطينهم لكان أيضاً بمعنى معهم أو عندهم ، ويجوز إبقاء إلى على أصلها من الانتهاء ، على أن خلا بمعنى مضى ، أى مضوا من المؤمنين أو عن المؤمنين إلى شياطينهم ، أو بمعنى جاوزوا المؤمنين إلى شياطينهم ، يقال خلاك ذم أى جاوزك إلى غيرك ، أو ضمن خلا بمعنى رجع ، أى رجعوا إلى شياطينهم فإن الخلو من شىء رجوع إلى غيره ، أو ضمن معنى الإنهاء والإبلاغ من خلا فلان إذا سخر منه وعبث به ، أى إذا بلغوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها ، يقال أحمدك الله ، أى أبلغك أنى أحمده على حالك ، وأذم إليك عمراً كذلك ، فمفعول خلا محذوف كما رأيت تقديره ، أو خلا باق على معنى الانفراد واللزوم ، فيقدر حال ومفعولها ، أى وإذا انفردوا مبلغين السخرية إلى شياطينهم ، والمراد بشياطينهم الآدميون الذين يشبهون الجن المتمردين على دين الله فى القول والفعل علانية وتصريحاً ، وتسميتهم شياطين استعارة تصريحية تحقيقية أصلية ، والقرينة إضافة الشياطين إليهم والخلو إليهم المذكور بعد ، وهم أولى لقوتهما فى جانب الحقيقة ، وإذا جعلنا شياطينهم قرينة فما سواه تجريد وإنما أضيفوا إليهم للمشاركة فى الكفر ، أو لأنهم قدوتهم ورؤساؤهم . قال الحسن شياطينهم هم الآدميون الكفار ، وقال أصحابنا رحمهم الله كبراؤهم وقادتهم فى الشر ، وكلام الحسن يحتمله ، قال ابن عباس رضى الله عنه شياطينهم رؤساء الكفر ، وقال مجاهد أصحابهم من المنافقين والمشركين ، وقيل المنافقون الكفار . فالقائلون المنافقون الصغار ، وقيل شياطينهم كهنتهم ، وعن ابن عباس كهنتهم الخمسة المتمردة كعب بن الأشرف من اليهود بالمدينة لعنه الله ، وأبو بردة فى بنى أسلم لعنه الله ، وعبد الدار فى جهينة لعنه الله ، وعوف بن عامر فى بنى أسد لعنه الله ، وعبد الله بن السوار فى الشام لعنه الله ، وتسميتهم شياطين أشد مناسبة لأنهم يتكلمون مع الشياطين ويأخذون عنهم ، إذ لا كاهن إلا ومعه شيطان تابع له ، وإطلاق الشياطين على الآدميين المتمردين مجاز فى العرف والعادة والعربية والعامة ، وأما فى أصل العربية فاالشيطان كل متمرد من الجن والإنس والدواب ، ونون الشيطان أصلية والياء والألف زائدة ، ووزنه فيعال ، فلو سمى به أحد لصرفه وهو من شطن إذا بعد لبعده عن الصلاح والخير ، ويدل له قولهم تشيطن أو زائدة مع الألف والياء أصل ، ووزنه فعلان ، فلو سمى به لمنع الصرف وهو من شاط يشيط إذا احترق ، أو بطل ، والشيطان باطل ومحترق بالشهب ، وفى جهنم ، ويدل له تسمية الشيطان بالباطل ، وقد ذكر سيبويه فى موضع من كتابه أنها أصل وفى آخر أنها زائدة لا يتنافى ذلك ، بل أراد أن فيه وجهين محتملين . { قَالُوا } لهم { إِنَّا مَعَكُمْ } فى الاعتقاد والديانة التى دنتم بها ، وفى الأثر " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها " وعنه صلى الله عليه وسلم " من شر الناس ذو الوجهين يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " رواه أبو داود فى سننه ، وقال صلى الله عليه وسلم " من كان له وجهان فى الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار " رواه أبو داود فى سننه أيضاً . قلت لم قالوا للمؤمنين آمنا معبرين بالجملة الفعلية ، وقالوا للكفار إنا معكم بالجملة الاسمية المؤكدة ، بأن ؟ قالت عبروا للمؤمنين بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث ادعاء لحدوث الإيمان لهم ، وأنهم بعد ما كانوا فى الكفر تركوه وخرجوا عنه إلى الإيمان ، وهذا ما أمكن لهم أن يخادعوا به المؤمنين ، ولا يمكنهم أن يخادعوا بادعاء الإيمان والرسوخ فيه ، والتأكيد والمبالغة ، ولا بادعاء أنهم أعظم إيماناً داخلون الجنة التى لم يدخلها سواهم ، إذ لو ادعوا ذلك لم يقبله المؤمنون عنهم ولم يصدقوهم ، بل يكذبونهم ، ولأن أنفسهم لا تساعدهم على ادعاء ذلك ، لأنه يؤدى إلى ظهور كذبهم وافتضاحهم ، ولرسوخها فى الكفر والنفاق حتى لا تطاوعهم إلى ادعاء ذلك كذباً ، وربما صدر منهم مكابرة لأنفسهم ، وتشجعاً موطنين أنفسهم على أن يكذبهم السامع كما مر عن عبد الله بن أبى مع على بن أبى طالب . وأما مخاطبتهم الكفار بالكون معهم فقابلة للتأكيد بالجملة الاسمية وإن ، وادعاء البقاء على الكفر ، وعدم الخروج منه لأنهم على هذه الصفة من أنفسهم وظاهر منهم ما يصدقهم عليها ، فهم يصرحون بها إلى الكفرة فى نشاط وارتياح إلى التكلم بها ، وتقبل الكفرة ذلك عنهم وتصدقهم فساغ التأكيد للجملة الاسمية الدالة على الثبوت وبأن وبقولهم { وَإِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } فى قولنا للمؤمنين منا فإنا نقوله بألسنتنا فقط ، فهذه الجملة مؤكدة الجملة { إنَّا مَعَكُمْ } ، وبيان التأكيد أن المستهزئ بالشىء المستخف به منكر لذلك الشىء ، ودافع لأن يكون معتداً به ودفع الإيمان إصرار على الكفر ، كما أن قولهم إنا معكم إصرار عليه ، ويجوز أن تكون جملة إنما نحن مستهزئون بدل من جملة إنا معكم ، بدل مطابق ، فإن الاستهزاء بالإيمان ترك للكون مع أهله ، وعدم الكون معهم نفسه الكون مع الكفرة المدلول عليه بقوله { إِنَّا مَعَكُمْ } وإن شئت فقل الاستهزاء به تحقير له وتحقيره تعظيم للكفر ، وقولهم إنا معكم تعظيم للكفر ، ويجوز أن تكون استئنافاً بيانياً كأنه قيل إن صح أنكم معنا فمالكم تقولون للمؤمنين آمنا ؟ فأجابوا بأنا نقول لهم ذلك استهزاء بمحمد وأصحابه والمؤمنين لنا من شرهم ، ونقف على سرهم ونأخذ من غنائمهم وصدقاتهم ، والاستهزاء السخرية والاستخفاف ، وأصله الموت السريع والفعل الخفيف والسريع ، يقال هزأ فلان مات فى مكانه سريعاً ، وهزأت الناقة أى أسرعت وخفت ، وهزأ بقوله أسرع به من غير توقف أن يكون من صميم قلبه . { اللَّهُ يَسْتَهْزئُ بِهِمْ } أى يجازيهم على استهزائهم ، وذلك من تسمية العقوبة باسم الذنب ، فسمى جزاء الاستهزاء باسم الاستهزاء ، ذلك مذهب الجمهور ، وإنما لم نحمل الاستهزاء على ظاهره لأنه عبث وجهل ، كما قال قوم موسى له { أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } فجعل المستهزئ من الجاهلين ، والله جل وعلا منزه عن القبائح من عبث وجهل وغيرهما ، ومن ذلك بتسمية جزاء السيئة سيئة إلا أن يقل تسميتها سيئة أو تسمية الجزاء سيئة باعتبار المعنى اللغوى وهى الفعلية تسوئ وتؤلم ، وإن قلت فهل لا قيل الله يجازيهم على استهزائهم بدل الله يستهزئ بهم ؟ قلت عبر عن المجازاة على استهزائهم بالاستهزاء إما للمشاكلة لقوله { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهزِءُونَ } ، والمشاكلة نوع من أنواع البديع اللفظية ، وهى ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوع ذلك الشىء فى صحبة ذلك الغير وقوعاً محققاً أو مقدراً . وستأتى إن شاء الله تعالى فى سورة النحل ، وإما لكون الجزاء على الاستهزاء مماثلا للاستهزاء فى القدر ، وكلا الوجهين مجاز ، فالأول مرسل تبعى لعلاقة المجاورة ، والثانى بالاستعارة التصرحية التحقيقية التبعية ، أو معنى يتسهزئ بهم ليرد وبال الاستهزاء عليهم ، ورده الوبال عليهم كالاستهزاء بهم ، وفيه الاستعارة المذكورة ، أو معناه ينزل بهم الحقارة والهوان اللذين هما لازم الاستهزاء والغرض منه ، فيكون مجازاً مرسلا تبعيا من التعبير باسم الملزوم عن اللازم ، أو بلفظ المسبب عن السبب نظراً إلى الوجود ، فإن الاستهزاء مسبب عن الحقارة الموجودة فى نفس الأمر ، أو بلفظ السبب عن المسبب نظراً إلى التصور ، فإن الاستهزاء إنما يمكن ويتصور إذا وجدت الحقارة والهوان ، وأو باللازم عن الملزوم كذلك ، فإن الاستهزاء إنما يترتب على حقارة وهوان موجودين ، أو معنى يستهزئ بهم يعاملهم معاملة المستهزئ بأن يفعل بهم فعالا هى فى تأمل البشر هزء ، فتكون تلك الاستعارة المذكورة شبه صورة صنع الله بصورة صنع الهازئ مع المهزأ به ، وذلك فى الدنيا والآخرة ، فأما فى الدنيا فإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالإهمال والزيادة فى النعمة مع تماديهم فى الطغيان ، كأنهم شاكرون ، وأما فى الآخرة فقد روى أن النار تجمد لهم كما يجمد الشحم المذوب ، ويظنون أنها منجاة فتخسف بهم ، روى ابن أبى الدنيا فى كتاب الصمت عن الحسن مرسلا ، وغيره عن الحسن وابن عباس والشيخ هود رحمه الله ، وغيره وهو أطولهم حديثاً واللفظ له ، وبعض يزيد على بعض . قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجاء بالمستهزئين يوم القيامة فيفتح لهم باب إلى الجنة " قال القاضى وهم فى النار فيدعون ليدخلوها ، أى بصورة من يدعى ليدخلها - وإلا فلم يدعوا ليدخلوها - بل يقال لهم تعالوا فيجيئوا فيزدادوا فيقع الاغتمام لهم بذلك ، فيجيئون أى مسرعين ليدخلوها ، فإذا بلغوا الباب أغلق ، فيرجعون . ثم يدعون حتى إنهم ليدعون فما يجيئون من الإياس . واختص الشيخ بذكر تكرار دعائهم وردهم حتى يئسوا ، وفى رواية عن الحسن وابن عباس تفتح لهم أبواب النار فيدعون فيسرعون للخروج ، فتغلق عليهم .