Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 15-15)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَمُدُّهُمْ } يزيدهم كما يقال مد الجيش وأمده إذا زاده ما يقوى به من ناس أو طعام أو سلاح ، وم الدواة وأمدها إذا زادها ما تصلح به من ماء أو مداد ، ومد السراج وأمده زاده زيتاً ، ومد الأرض وأمدها زادها سماداً أو خلطها به من قبل أن يكون فيها شىء منه ، وأمده الشطيان ومده فى الغى إذا زاد فى وسوسته ، كل ذلك الهمزة وتركها بمعنى واحد ، وأكثر ما يأتى مد بلا همزة فى الشر ، وأمد بهمزة فى الخير والمعنى يزيدهم . { فَى طُغْيَانِهِمْ } ما يقوى به طغيانهم ، وليس من المدد الذى هو الزيادة فى العمر باللام ، يقال مد له فى عمره لا بالهمزة ، والذى فى الآية قد يقال فى الهمزة كما أقر ابن كثير وابن محيصن { وَيَمُدُّهُمْ فَى طُغْيَانِهِمْ } بضم الياء وكسر الميم ، وقرأ نافع وإخوانهم يمدونهم بضم الياء وكسر الميم ، وهما فى القراءتين من أمد بالهمزة وهى لموافقة المجرد ، وإن قلت إذا كان من الزيادة فأين مفعوله الآخر ؟ قلت محذوف تقديره ما يقوى به طغيانهم ، وإن قلت كيف ساغ أن يقول زادهم الله ما يقوى به طغيانهم ؟ قلت معناه خذلهم ولم يلطف بهم . وهذه قاعده أصحابنا رحمهم الله فى التفسير ، وكذا الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية خلافاً للمعتزلة ، فإنهم لما تعذر عليهم إجراء الكلام على ظاهره كما تعذر علينا ، لأن الزيادة فى الطغيان تقوية للكفر بحسب ظاهر الكلام ، تأولوه بغير الوجه الذى تأولناه ، وهو أنه لما كان خذلانه إياهم ومنع الإلطاف عنهم سبباً فى كفرهم وإصرارهم ، وفى زيادة قلوبهم ريناً وظلمة ، كما كان توفيقه المؤمنين سبباً فى الإسلام وثباته ، وفى زيادة قلوبهم انشراحاً ونوراً ، أسند الزيادة فى الطغيان إلى نفسه ، إذ كان مسبب ذلك السبب ، بكسر الباء ، الأولى من مسبب . والحاصل أنه لما كان تزايد طغيانهم مسبباً ، بفتح الباء الأولى ، خذلانه لهم أسند الزيادة إلى نفسه ولا جبر هناك ، أو لما كان إغواء الشيطان إياهم إنما هو بإقدار الله - عز وجل - إياه عليه ، أسند الزيادة فى الطغيان إلى نفسه ، وعلى كل حال فإنما أضاف الطغيان إليهم ، ولم يأت به مجرداً عن الإضافة ، لئلا يتوهم أن إسناد الزيادة إلى الله تعالى على الحقيقة ، وإما أن يضاف الطغيان إلى الله ونحوه من الأفعال فحرام ، لأن ذلك مخلوق له لا فعل له ، إنما هو فعل الناس ، ويدل على أن إضافة الطغيان إليهم لما ذكر أنه لما أسند الإمداد إلى الشياطين فى سورة الأعراف لم يحتج الكلام إلى الإضافة إليهم ، إذ قال يمدونهم فى الغى ، ولم يقل فى غيهم ، وقال مجاهد المعنى يملى لهم فى طغيانهم ، فأصل الكلام ويمد لهم حذفت اللام وانتصب محل الضمير على نزع الخافض ، لأنه على تفسير مجاهد من المد فى العمر ، والمد فيه يتعدى باللام كما مر ، وأغنى قوله { فَى طُغْيَانِهِمْ } عن أن يقال فى أعمارهم ، لأن المد فى أعمار المخذولين بسبب الطغيان ، وإنما مد فى أعمارهم ليطيعوا وينتهوا ، وما ازدادوا إلا طغياناً ، توصلوا إلى الطغيان بما خلق وسيلة لهم إلى الشرك ، وعلى الأوجه المذكورة يتعلق فى طيغانهم بمد ويجوز تعليقه بقوله { يَعْمَهُونَ } على وجه آخر وهو أن المعنى يمهل لهم فى أعمارهم أو يزيدهم نعماً ليؤمنوا ويشكروا ، وهم فى ذلك يعمهون فى طغيانهم ، وعلى كل وجه فيعمهون حال ، والطغيان ، بضم الطاء ، فى قراءة السبعة ، والجمهور ، وبكسرها فى قراءة زيد بن على لغتان كلغيان وغينان ، بضم أولهما وكسرة تجاوز الحد فى العصيان والغلو فى الكفر ، وأصله تجاوز الشىء عن مكانه ، وقوله سبحانه { إنا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية } يحتمل تجاوز الماء عادته ، ويحتمل التشبيه بالعاصى وتخصيص الطغيان شرعاً بالمبالغة فى المعصية حقيقة شرعية ، ويعمهون يترددون متجبرين ، والعمه مثل العمى إلا أن العمى عام فى البصر والرأى ، والعمه خاص بالرأى وهو التحير والتردد ، لا يدرى أين يتوجه ، يقال رجل أعمه وعمه ، أى لا رأى له جازم قال رؤبة @ أعمى الهدى بالجاهلين العمه ومهمه أطرافه فى مهمه @@ أى الجاهلين الذين يترددون ولا معرفة لهم ، جمع عامه كراكع وركع ، لا جمع عمه كما قيل ، وأعمى الهدى خالف الهدى وجاوزه ، أو هو صفة من عمه الأمر التبس ، وأرض عمهاء لا منار بها يعتمد عليه الرائى فيهتدى به ، وبين العمى والعمه عموم مطلق ، لأنه خاص بالبصيرة ، والعمى عام فيها وفى البصر ، قاله الفخر كجار الله ، وقال ابن عطية إنه خاص بالبصيرة ، والعمى بالبصر ، فهما متباينان ، ولا منافاة ، فإن مراده الاختصاص والمباينة باعتبار الحقيقة ، ومراد غيره بإطلاق العمى فى البصر والبصيرة الحقيقة والمجاز فإنه مجاز فى البصيرة ، ولم يستعمل العمه فى البصر وإن استعمل كان مجازاً ، وقيل { يَعْمَهُونَ } يلعبون وقيل يتمادون .