Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 16-16)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى } بقوا على الضلالة وأعرضوا عن الهدى بعد ما جاءهم ، وأمروا به شبه بقائهم عليها ، وإعراضهم عنه بشراء شىء ردىء بشىء كريم ، بجامع التمسك بردىء وترك كريم ، ففى اشترى استعارة تبعية تصريحية تحقيقية ، والمعنى اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى الذى فطر الله الناس عليه ، وللفطر عليه وتمكنهم منه صار كأنه بأيديهم ، فساغ إطلاق استبداله ، وأصل الاشتراء بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأعيان أو من الانتفاع بها ، فإن كان أحد العوضين ديناراً أو درهما تعين أن يكون ثمناً من حيث إنه لا يطلب لعينه وبذله اشتراء ، وإلا فأى العوضين تصورته بصورة الثمن ، فباذله مشتر وآخذه بائع ، ولذلك يستعمل اشترى بمعنى باع وباع بمعنى اشترى ، وإذا صورت إحدهما بصورة الثمن فهو الذى تدخل عليه الباء ، فإدخال الباء فرع التصور ثمناً فيعرف فى كلام غيرك بالباء فلا إشكال فى قولنا فأى العوضين … إلخ ، ولا يرجح عليه قولك الثمن ما دخلت عليه الباء ولو ادعى ذلك زكريا ، واستعير الاشتراء للإعراض عما فى يدك محصلا به غيره معنى أو عيناً كقوله @ أخذت بالجمة رأساً أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا وبالطويل العمر عمرا حيدرا كما اشترى المسلم إذا تنصرا @@ أى كما اشترى المسلم ، وهو جبلة ملك غسان ، الكفر بالإسلام حين تنصر ، والجمة ، بضم الجيم ، مجتمع شعر الرأس والداء للبدن ، والأزعر الأصلع ، والدردر بضم الدالين المهملين منبت الأسنان بعد سقوطها ، وقال الجوهرى مغارز أسنان الصبى ، والعمر بدل من الطويل أو بيانه ، والحيدر القصير ثم اتسع فاستعمل للرغبة عن الشىء طمعاً فى غيره ، وكقول الله عز وجل فيما يعيب به بنى إسرائيل تفقهون لغير الدين ، وتعلمون لغير العمل ، وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة ، والضلالة الميل عن القصد وفقد الاهتداء ، وتخصيصه شرعاً بالميل عن دين الله حقيقة شرعية ومجازاً استعاريا لغويا ، وقوله عز وجل { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى } إلى قوله { بالكافرين } لحيرة العدو وضلاله والتباسه أمره عليه إلى أن يؤول ذلك إلى دماره ، تكتب فى خرقة من قميصه الذى عرق فيه ، وتكتب فيه اسمه واسم أمه سبع مرات ، ثم يدفن ذلك فى عتبة داره فى كوز فخار جديد ، وإن فعل ذلك لمن لا يحل أن يفعل له شرعاً رجع الضر عليه . { فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } ذكر الربح والتجارة ترشيح الاستعارة المذكورة فى اشتروا ، لأنهما ملائمان للمشبه به ، فإن الربح إنما ينفى عما من شأنه أن يقع فيه ، ولم يقع وهو الشراء الحقيقى ، والتجارة طلب الربح بالبيع والشراء قاله القاضى ، وأولى منه أن يقال هو الصرف بالبيع والشراء للربح ، والربح الفضل على رأس المال ، وكل ذلك ملائم للمشبه به ، ولكون الربح الفضل على رأس المال ، سمى بالشف يقال لهذا على هذا شف أى فضل ، وأشفه فضله ، ويستعمل أيضاً فى النقص ، ونفى ربح تجارتهم تمثيل لخسارتهم وتصوير لحقيقتها . فيجوز عندى أن يكون ذلك استعارة تمثيلية لا يمنع ذلك كونه ترشيحاً للاستعارة السابقة عن هذه . وإسناد الربح إلى التجارة من الإسناد إلى الظرف المجازى ، فهو مجاز عقلى ويسمى تجوزاً فى الإسناد ، وتجوزاً فى الحكم ، وحقيقة الكلام عما ربحوا فى تجارتهم بإسناد الربح لأرباب التجارة ، أو من الإسناد إلى السبب أو الملزوم ، فان التجارة سبب للربح وملزوم له ملزوماً بيانيا ، أو من الإسناد للمخالط المجاور ، فإن التجارة تخالطت التاجر أو شبه التجارة بعبدهم أو خادمهم أو من يقيمونه على التصرف فى أموالهم للربح على طريق الاستعارة المكنية ، ورمز إليها بالربح فكما أن العبد أو الخادم أو نحوهما جالب الربح ، أو خسران كذلك التجارة ، وقرأ ابن أبى عبلة تجاراتهم بالجمع بألف وتاء . { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إلى الحق أو إلى طريق التجارة ، والمقصود بها وهو الربح ، فإنهم لم يعرفوا كيف يتجرون فى أمر الدين فلم يحصل لهم الربح ، فإن رأس المال هو الهدى ولم يبق لهم مع الضلاة هدى ، ومن لم يتحصل عليه لم يتصف بالربح فإنه بعد رأس المال ، ولو عرفوا كيف يتجرون لباعوا الكفر بالهدى ، فيرعون الهدى ، ومما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة فيكونون كمن باع ما لا قيمة له لخسته لما لا غاية لقيمته ، وأيضاً لك أن تقول كما مر رأس المال ما فطر الله - جل وعلا - الناس عليه من الإسلام ، وما منحهم من التمكن منه ، ولما اعتقدوا الضلالة بطل استعدادهم من الفطرة ، واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوصلون به إلى درك الحق ، ونيل الكمال وخير الدنيا والآخرة ، فقدوا الأصل والربح ، وكما أن جملة { رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } ترشيح للاشتراء ، كذلك جملة { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } ترشيح للضلالة ، كأنه قيل بقوا على الضلالة التى ضلوها فإن عدم الاهتداء بقاء عليها ، فإن من ضل عن بلدة فى الصحراء أو عن شىء قد يهتدى إليه ، وهؤلاء لما مالوا عن الحق لم يهتدوا إليه . ولك أن تقول ترشيح لقوله تعالى { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } فهو ترشيح للترشيح لأن { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } ترشيح للاشتراء وهذا يصح . ولو حملنا { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } على غير الاستعارة من أنواع المجاز المذكورة ، لأن الترشيخ كما يجوز فى الاستعارة يجوز فى المجازالعقلى والمجاز المرسل نحو اليد الطولى ، فإن استعمال اليد بمعنى القدرة مجاز مرسل ، لأن اليد الجارحة آلة للقدرة وسبب لها ، والطول مما يناسب اليد ، وكنى به عن الكمال ومحط جعل هذه الجملة ترشيحاً للترشيح أن تجعل المعنى ما كانوا مهتدين لطريق التجارة أو للربح ، وما كان ترشيحاً لترشيح الشىء فهو ترشيح للشىء ، والعرب ترغب فى الترشيح ترشيح المعنى المجازى بملائمات الحقيقة ، وكلما ازداد الترشيح أو ابتنى ترشيح على آخر ازداد الكلام حسناً ، ألا ترى أن معنى قوله @ ولما رأيت النسر عز بن داية وعشش فى وكريه جاش به صدرى @@ ومعنى قولك ولما رأيت الشيب غلب السواء فى اللحية والرأس وتمكن فيهما تحرك له صدرى معنى واحد ، والبيت أدخل فى القلب وأعلق به وأثبت ، لما فيه من المجاز المشتمل على تشبيه الشيب بالنسر ، والسواد بابن داية ، وهو الغراب ، وترشيح ذلك بالتعشيش والوكرين ، فإنهما مناسبان للغرابة لا للشيب ، فإن للغاب وكر شتاء ووكر صيف والتعشيش أخذ العش وهو مهاد يأخذه للتفريخ من رقاق العيدان والأشياء اللينة فى الشجر ، وما فى الجدار والجبل ، يسمى وكراً ويسمى أيضاً عشا .