Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 17-17)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ } مبتدأ وخبره على حذف مضاف ، أى إنما قبول التوبة ثابت على الله ، وقيل تقدير المضاف يقدر ثابتة على الله ، والتوبة المذكورة من العاصى ، ويجوز أن تكون من الله ، فلا يقدر مضاف من قولك تاب الله عليه بمعنى قبل توبته . { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ } أى الذنب يسمى سوء عاقبته . { بِجَهَالَةٍ } أى بسفه ، سواء كان سفهه لعدم علمه ، بأن ما عمله ذنب ، لأنه لا يعذر بعدم العلم إذا قازف الحديث الصحيح ، " ويل لمن لم يعلم ولم يعمل " أو كان سفهه عدم عمله بما علمه ، فإن عدم العمل بما علم جهل حقيقة أيضاً أو مجاز ، لشبه العالم الخارج عن العمل بعمله بالجاهل ، كأنه جهل أنه ذنب ، وكأنه جهل أن عليه عقاباً ، وكأنه جهل أن لذة الدنيا فانية ، وتفسيرى بالسفه من عموم المجاز ، لا جمع بين الحقيقة والمجاز ، ومما جاء فيه الجهل بمعنى عدم جرى الإنسان على مقتضىعلمه ، قول موسى عليه السلام { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } أى من المتخذين الناس هزءاً وقوله تعالى لنوح عليه السلام { إنى أعظك أن تكون من الجاهلين } وقول يوسف { أصب إليهن وأكن من الجاهلين } وقوله لإخوته { إذ أنتم جاهلون } قال قتادة أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما عصى به الله فهو جهالة ، وكل من عصى الله فهو جاهل ، حتى ينزع عن جهالته . وللذين متعلق بمحذوف حال من الضمير فى { على الله } أو بما تعلق به على الله ، وإذا قلت إن الظرف متعلق بما تعلق به الخبر ، أو النعت ، أو الحال فاعلم أنه خبر ثان ، أو حال ثان ، أو نعت ثان ، ويجوز تعليق { على الله } بالتوبة ، على معنى إنما التوبة من الله ، أو بمحذوف معرف نعت للتوبة ، ذكر مثل هذا بعض المتأخرين ، أى التوبة الثابتة على الله والخبر للذين ، وبجهالة حال من واو { يعملون } ، والباء للمصاحبة . { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } أى من زمان قريب وهو جميع ما بعد ذنبه ، وقبل معاينة ملك الموت ، أو أمر من أمور الآخرة عند احتضاره ، وذلك لأن الدنيا كلها زمان قريب ، فكيف عمر الإنسان ، وكيف ما بعد ذنبه ؟ قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرر " وروى عطاء أنها تقبل قبل موته ولو بفواق ناقة . قال أبو قلابة إن الله تعالى لما خلق آدم فرآه إبليس أجوف ، ثم جرى له ما جرى ولعن ، وانظر قال وعز تلك لا برحت من قبله ما دام فيه الروح ، فقال الله عز وجل تعالى وعزتى لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح ، ويروى وعزتى وجلالى وارتفاعى فى مكانى لا أزال أغفر له ما دام يستغفرنى ، وظاهر هذا الحديث الربانى أوسع لأنه يفيد قبول التوبة ، ولو غرغر ، ما دامت فيه روحه ، ولو عاين أمراً من الآخرة أو ملك الموت ، والجواب أنه إذا غرغر لم تبق فيه قدر ما يتوب ، وقيل تبقى قدر ما يتوب لكن لا تقبل ، وعن بشير بن كعب والحسن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرر ويغلب على عقله " وذلك قوله الجمهور عن ابن عباس الغرير أن يتوب قبل مرض موته ، وكأنه أراد وقت اختبار التوبة ، ولم يرد أنها لا تقبل بعد . وقيل قبل موته ولو عاين ملك الموت ، أو أمر الآخرة ، وهو مردود . وقيل الغرير أن يتوب بعد ذنب قبل أن يعد جملة المصرين ، وأراد قائل هذا اختيار وقت التوبة ، كما أولت به قول ابن عباس وكأنه قيل على قوليهما إنما التوبة الكاملة المصطفاة على الله الآية ، ويدل لهذا التأويل فى كلام ابن عباس أنه صح عنه أنه قال أيضاً تقبل ما لم يغرر ، والغررة وصول الروح أعلا حلقه بحيث لو شرب ماء لردها ، وقيل الغرير أن يتوب قبل أن تتعود النفس ذلك الذنب ، فيصير كالطبيعة يتعذر الرجوع عنه ، وقيل قبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها ، وفيه التأويل المذكور ، ومن للتبعيض فى جميع تلك الأقوال ، أى يتوبون فى أى جزء من ذلك الزمان القريب . { فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } ليس تكريراً لقوله { إنما التوبة } بل وعد بالوفاء بتلك التوبة التى قال إنها عليه كالشىء الواجب على غيره ، لمقتضى وعده تعالى . { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً } بإخلاصهم فى التوبة ، أو باستيلاء السوء على القلوب فجعل لهم التوبة . { حَكِيماً } لا العاقب التائب .