Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 3-3)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى } أى ألا تعدلوا ، أى وإن خفتم عدم الإقساط ، أى عدم العدل ، يقال أقسط ، أى أزال الجور ، فالهمزة فيه للسلب ، كأفردت البعير ، أى أزلت قرده ، وقسط بلا همزة بمعنى جاد ، وقرأ إبراهيم النخعى ويحيى بن وثاب بفتح تاء تقسطوا من قسط بلا همزة بمعنى جاد ، أما على أن لا زائدة ، كقوله تعالى { لئلا يعلم أهل الكتاب } أى وإن خفتم أن تقسطوا ، أى تجوروا ، وأما على نحو ما ذكر الزجاج ، أن قسط الثلاثى ، يستعمل بمعنى العدل ، كأقسط ويستعمل بمعنى جاد ، والمشهور أن أقسط عدل ، وقسط جاب قال الله جل وعلا { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } من قسط الثلاثى . وقال { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } أى اعدلوا . قال الحجاج لسعيد بن جبير ما تقول فى من قال قاسط عادل ، فأعجب الحاضرين . فقال الحجاج ويلكم لم تفهموا منه أنه جعلنى جائراً كافراً ، ألم تسمعوا قوله تعالى { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } وقوله تعالى { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } والمراد اليتامى النساء اليتيمات فهو جمع يتيمة ، وهن الصغار اللاتى مات آباؤهن أو اللاتى بلغن ، وقد كن يتيمات ، فإن كلا قد أفردن عن آبائهن ، سأل عروة عائشة عن قوله تعالى { فَإن خِفْتُمْ أن لا تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاء } إلى قوله { أو ما ملكت إيمانكم } فقالت يا ابن أختى هذه اليتيمة تكون فى حجر وليها فيرغب فى جمالها ومالها ، ويريد أن ينقص صداقها ، أى ومع ذلك يخافون عقاب الله على ذلك ، لأن الخطاب للمؤمنين ، فأنزل الله جل وعلا الآية ومعناها إن خفتم عدم العدل فى تزوجكم بيتيماتكم بنقص الصداق وأكل مالهن وعدم الوفاء بحق الزوجة لهن . { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ } أى ما حل لكم من سائر النساء اللاتى يتكلمن بحقوقهن ، ويدفعن الجور عن أنفسهن ويناضلن ، وقال الحسن كان الرجل يتزوج وليته لأجل مالها ، ولا تعجبه هى كراهية أن يشاركه غيره فى مالها ، فكان يسىء صحبتها ، ويتربص موتها ، فرثها . وعليه فالمعنى فانكحوا ما طاب لقلوبكم من النساء ، بأن أعجبكم ، وقال ابن عباس كان الرجل من قريش يتزوج عشراً من النساء فتثقل عليه مؤنتهن ، فيصرف عليهن ما عنده من أموال اليتامى ، وهو يخاف من العقاب فى صرفه ، وقيل كانوا يتورعون عن أموال اليتامى ، ولا يعدلون بين أزواجهم ، ولا يوفى الرجل لزوجه حقها ، فقال الله جل وعلا إن خفتم عدم العدل فى اليتامى ، فخافوا أيضاً عدمه فى النساء ، وعليه فالجواب محذوف كما رأيت ، وقوله { فانكحوا } نائب عنه ، لأنه لازمه ومسببه ، ومعنى طاب على هذا صار هيناً لكم ، لا يتكدر بالجوز وذلك أن من ترك ذنباً أو تاب منه ، وأصر على غيره ، لم ينتفع فى الآخرة بذلك . قال أبو عمر وعثمان بن خليفة من سرق أو شرب خمراً أو مثل ذلك من الذنوب الموبقة ، وتاب من بعض سرقته دون بعض ، نحو أن يتوب من نوع من السرقة دون نوع ، أو نوع من الخمر دون نوع ، هل تجزئه توبته من ذلك أم لا ؟ قال أبو يحيى رحمه الله لا يجزيه إنما كان اختلاف العلماء أن يتوب من شرب الخمر دون السرقة ، ولو كانت معه . قال بعضهم تجزيه توبته ، وقال بعض لا تجزيه ، وأما نوع من جنس واحد من الذنوب فليس فيه اختلاف ، وقيل كانوا يتحرجون من مال اليتامى ، ولا يتحرجون من الزنا ، فقال الله جل وعلا إن خفتم عدم القسط فى اليتامى ، فخافوا أيضاً من الزنا ، وحذف الجواب ، وناب عنه لازمه ومسببه . أى انكحوا ما طاب لكم ، أى ما ينفعكم فى ترك الزنا ، بأن تكتفوا به عن الزنى ، ويجوز أن يكونوا غير خائفين من عدم القسط فى اليتامى ، ومع ذلك قال الله جل وعلا { وإن خفتم } إشارة إلى أن من الواجب عليهم أن يخافوا ، وأنهم إن خافوا فما لهم لم يخافوا من عدم الوفاء ، بحقوق الأزواج ، والنكاح واجب على من خاف الزنا وإن تسرى أجزأه . وإن لم يخف ندب ، لأنه سنة ولأنه يضاعف عمل المتزوج على غيره ، وقيل واجب مطلقاً ، إلا أن فسد الزمان . والآية بيان للعدد الذى يحل تزوجه ، ولما يوصل به إلى ترك الجواز على النساء ، ويكتفى به عن الزنا ، وقيل لا يجب النكاح ولا يندب ، واستعملت ما فى النساء ، وهن عالمات ، لأن المراد الصفة أو النوع والصفة ، أو النوع هكذا غير عالم ، كأنه قيل تزوج الحلال أو المقدار الكافى ، أو لتنزيلهن منزلة غير من يعلم لنقص عقلهن ، وكذا ما ملكت إيمانكم ، فإن الأمة المملوكة كالمتاع المملوك ، وقيل إن { ما } و { من } يتعاقبان بلا تأويل ، ويجوز أن يراد بما طاب ما حل تزوجه من النساء ، احترازاً عما يأتيه تحريمه من الأمهات ، وما بعده أجمل هنا ما حل مع إرادة المعانى السابقة فى تفسير الآية ، وبينه بعد بيان ما حرم ، وبقوله وأحل لكم ما وراء كقولك إن خفت الضعف فى بدنك فكل من اللحم ما حل ولا تحل لك الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به . { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعْ } أى اثنتين اثنتين ، وثلاثاً ثلاثاً ، وأربعاً أربعاً ، فتلك الأسماء ممنوعات من الصرف للوصف والعدل عن تكرير هذه الألفاظ كما رأيت ، وهن اختصار للمختصر ، فإن اثنتين اثنتين مثلا ، اختصار عن زيادة التكرار بمقدار الكلم ، مرتين اختصار عن اثنتين اثنتين ، والوصفية فى مثنى مثلا أصلية ولو لم تكن فى اثنتين ، فلا يقال الوصفية عارضة ، فكيف أثرت ؟ بل الوصفية وجود فى لفظ اثنتين اثنتين مكرراً أيضاً ، ومثنى معدود عن التكرير ، وقيل منعت التكرير . العدل إذ عدل عن وزن اثنتين ، وعدل عن التكرير ، وهو حال ما من أو من ضميرها فى طاب ، والمراد إباحة أن يتزوج كل واحد اثنتين ، أو كل واحد ثلاثاً ، او كل واحد أربعاً ، وإباحة أن يتزوج بعضهم اثنتين ، وبعضهم ثلاثاً ، وبعضهم أربعاً ، أو بعض اثنتين أو ثلاثاً ، وبعض أربعاً ، ولو كان ذلك بأو لكان المعنى إيجاب أن يتفقوا على اثنتين اثنتين ، أو يتفقوا على ثلاث ثلاث أو يتفقوا على أربع أربع ، لأن تكرير الجمع يستلزم مقابلة الجمع بالجمع ، دون إفراده وليس هذا مراداً ، فليست الواو بمعنى أو ، ولو قيل اثنتين وثلاثاً وأربعاً لجاز الجمع ، فيكون تسع لكل واحد ، وليس ذلك مراداً . وقد " روى أن الحارث ابن قيس ، أو قيس بن الحارث ، أسلم وتحته ثمان نسوة فقال صلى الله عليه وسلم " اختر منهن أربعاً " وكذا أمر غيلان بن سلمة ، وقد أسلم ، على عشر . والآية لا تشمل العبيد ، لأنه لا خيار لهم فضلا عن أن يطيب لهم شىء ، لأنهم مقهورون تحت سادتهم لا يقدرون على شىء ، فلا يحل لهم أربع بل واحدة ، ولقوله تعالى { أو ما ملكت أيمانكم } والعبد لا يملك ، قال صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو رد " وأجاز مالك أن يتزوج العبد أربعاً لهذه الآية ، وقيل ما ظرفية مصدرية ، وفاعل طاب عاد إلى النكاح ، أى ما دام النكاح طيباً لكم ، أى ما دمتم تستحسنونه ، وإلا لأضعف فيه من هذه الجهة ، إلا بالنسبة إلى الوجه الذى فسرنا عليه أولا ، وعليه فيتعين أن يكون من النساء متعلقاً بانكحوا ، ومن للابتداء ، وتجوز على الوجه الأول هذا ، وتعليقه بمحذوف حال من ما أو ضميرها ، وعلى هذا الوجه يكون مثنى مفعولا لانكحوا ، وفيه ضعف من هذه الجهة ، لأنهُ لا يكون مفعولا ، بل حالا ، أو نعتاً لا غيرهما إلا شاذاً ، وقد يجعل مفعول انكحوا محذوفاً ، ومثنى حالا منه ، أى فانكحوا من النساء ما شئتم ما دمتم تحبون النكاح ، وفى ذلك فائدة ، وهو الترغيب للرجل ، والخض على التزوج ما دام كذلك ، ليحصن فرجه ، وإذا زال عن ذلك فلا بأس بترك التزوج ، وقيل التزوج على كل حال أفضل . { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } بين المرأتين أو الثلاث ، أو الأربع . { فَوَاحِدَةً } أى فتزوجوا وانكحوا ، واختاروا واحدة ، وقرأ فواحدة بالرفع ، أى فالكافى واحدة ، أو فالمقنع واحدة ، فهو خبر لمحذوف ويجوز أن يكون فاعل لمحذوف ، أى فتكفيكم واحدة ، وعليه فإنما كانت الفاء مع أن المضارع يصلح شرطاً ، لأنه محذوف ، فلا يعلم أن واحدة مرفوع بالجواب ، وأنه من جملة الجواب ، لا بالفاء ، وقدر المضارع مرفوعاً لأن الماضى شرط إلا يظهر جزمه فألغى الجار من عن الجواب ، أو يقدر الجواب مضارعاً مجزوماً بلا فاء ، ولما حذف قرن الفاعل بالفاء دلالة عليه . { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } من الإماء تتسرونهن بلا عدد ولا عدالة بينهن ، ولا وجوب ترك العزل ، فيجوز عزل الماء عنها ، ولو كرهت ، ولا مهر لهن ، ودلت الآية على ذلك كله ، أى إن خفتم عدم العدل ، فتزوجوا واحدة ، أو من لاعدالة له ولا حق له فى الوطء ولم يذكر فيما ملكت اليمين عدداً فلا حد له ، وهن بمنزلة امرأة واحدة لا عدل بينهن وخص اليمين لاختصاصها بمناولة المحاسن . { ذلِكَ } المذكور من الاقتصار على الواحدة أو التسرى ، ومثلهما جمع الواحدة إلى التسرى ، أو من عدم الزيادة على أربع . { أَدْنَى } أقرب . { أَلاَّ تَعُولُواْ } أى إلى أن لا تعولوا ، أى إلى أن لا تميلوا ، أو من أن لا تميلوا ، كذا فسر الجمهور العول بالميل ، وبه قال ابن عباس وعائشة ، وهو الصحيح ، يقال عال الميزان ، إذا مال ، وعال الحاكم إذا جار ، وعالت الفريضة مالت عن حد السهام المسماة ، وقد علمت أن إلى مقدرة ، أو من قبل أن لا تعولوا ، ومن التى تقدر ليست تفضيلية ، بل مثلها فى قولك دنوت من زيد ، ويجوز تقدير اللام ، أى لأن تعولوا ، وليست لام التعليل ، أو الصيرورة ، وأصل العول مطلق الميل ، وخص فى العرف بالميل إلى الجور وقال الشافعى ألا تعولوا ، معناه أن لا يكثر عيالكم ، ورده الزجاج ، وأبو بكر الرازى ، والجرجانى بمعنى الذى بمعنى كثر العيال ، عال يعيل ، بالياء ، لا عال يعول بالواو ، وأجيب بأن الشافعى فسره بالملزوم ، وإنه يقال عال الرجل عياله يعولهم ، أى عالج مئونتهم ، أى وأدنى أن لا تشتدوا فى علاج المئونة ، أى وأدنى أن لا يكثر عيالكم ، فضلا عن أن تشتدوا فى علاجها ، فنفى شدة علاج المئونة ، وأراد نفى ملزومها ، وهو قلة العيال ، لكن الشدة غير مصرح بها فى الآية ، بل دل عليها المقام ، لأن ترك العدل عن ثقل ما يحصل به العدل ، والواحدة مثلا لا شدة غالياً ، فى علاج مئونتها أجاب عنه أهل مذهبه بذلك ، لقول عمر رضى الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من فم أخيك سوءا وأنت تجد لها فى الخير محملاً صحيحاً . والحديث " احملوا الكلام على أحسن وجوهه " ، وحديث " إن الكلام ظاهراً وباطناً ، فاحملوه على الأحسن " ويدل لتفسير الشافعى من حيث المعنى ، قراءة طاووس وطلحة بن مطرف ، أن لا تعيلوا - بضم التاء - ويقال أعال الرجل صار ذا عيال كثير ، والمراد بالعيال الأزواج أو السرارى ، أو الأولاد ، ولا يخفى أن مئونة السرية ليست كمئونة الزوجة ، وأنه إذا باع السرية وأخرجها من ملكه لم تبق عليه نفقتها ، بخلاف الزوجة المطلقة ، وإن له العزل عنها عند نزول الماء ، وإنه لا حق لها فى الجماع ، فلا يكثر ولدها ، ويدل الشافعى ما ذكره الأزهرى عن عبد الله بن زيد بن أسلم فى قوله " لا تعولوا " أنه بمعنى لا يكثر عيالكم . قال الأزهرى من العرب الفصحاء من يقول عال يعول إذا كثر عياله وهى لغة حمير .