Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 101-101)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تَبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ } لا تسألوا رسولكم عن أشياء ان يظهرها الله لكم تضركم بما فيها من المشقة ، وجملة الشرط والجواب نعت لأشياء ، وعطف على هذا النعت نعتاً آخر بقوله { وَاِن تَسْألُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ } وهو زمان بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم . { تُبْدَ لَكُمْ } لأنه لا تسألوه شيئاً الا أوحى الله فيه اليه صلى الله عليه وسلم ، فيتعلق عليكم حكمها كأنه قيل لا تسألوا عن أشياء ضارة لكم ان أبديت مظهرة ، ولا بد ان سألتهم عنها ، ونعت أشياء بنعت ثان بلا عطف وهو قوله { عَفَا اللهُ عَنْهَا } أى لم يذكرها الله بالتحريم أو التشديد فيكون سؤالكم سبباً للتحريم أو التشديد ، قال أبو عمرو عثمان بن خليفة رحمه الله قوله { يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تَبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ } الآية ذكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر ذات يوم فقال " اسألونى عما شئتم ، ولا يسألنى اليوم أحد منكم عن شىء الا أجبته " فقال الأقرع بن حابس الحج واجب علينا فى كل عام ؟ فغضب عليه الصلاة والسلام حتى احمرت وجنتاه فقال " لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لم تفعلوا ، ولو لم تفعلوا اذن لكفرتم ، ولكن اذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم ، واذا نهيتكم عن شىء فانتهوا " فنزلت هذا الآية . وقيل " انها نزلت بسبب رجل جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين مكان أبيك فى النار ؟ فقال " بحذاء مكانك فى النار " ، فقال من أبى يا رسول الله ؟ فقال " أبوك حذافة بن قيس " وهو غير المنسوب اليه وقيل " بسبب رجل جاءه فقال له ما تلد ناقتى يا رسول الله فألح عليه ، فقال " منك تلد زيادة " . وقيل هذه الأجوبة كلها فى مكان واحد ، فلما رأى عمر الجواب قد اشتد فخاف فقام وقال رضيت بالله رباً وبالاسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وأعوذ به من سوء عاقبة الأمور . فسكت الناس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل انما سأل الرجل عن مكانه فقال فى النار انتهى . ويؤخذ من قوله اذن لكفرتم أن ترك الفريضة يسمى كفراً ، وقيل فى الذى قال له أين مكان أبيك فى النار أنه أراد معيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والظاهر أن الذى قال ما تلد ناقتى خاف أن تلد انسانا ، ولعله أيضا يشبهه ، وذلك لأنه قد نكحها كما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله منك تلد ، فكان لسانه ساعياً عليه . قال أنس بن مالك " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعنا مثلها قط ، فقال " لو تعلمون ما علمت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ، فقال رجل من أبى ؟ فقال فلان ، فنزلت الآية { لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ } " وبين فى رواية أخرى عن أنس اسم السائل المبهم فى كلام السؤالات ، واسم أبيه المبهم فى الرواية الأولى ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فقام على المنبر فذكر الساعة ، فذكر فيها أموراً عظاماً ثم قال " من أحب أن يسألنى عن شىء فليسأل فلا تسألونى عن شىء أخبرتكم به ما دمت فى مقامى " فأكثر الناس البكاء ، وأكثر أن يقول سألوا ، فقام عبد الله بن حذافة السهمى فقال من أبى ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول اسألونى ، فبرك عمر على ركبتيه وقال رضينا بالله رباً ، بالاسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، فسكت ثم قال " عرضت على الجنة والنار فى عرض الحائط فلم أر كاليوم فى الخير والشر " . قال الزهرى فأخبرنى عبيد الله بن عبد الله بن عقبة قال قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة ما سمعت ابناً قط أعق منك ، آمنت أن تكون أممك قارفت بعض ما تقارف أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ! فقال عبد الله بن حذافة لو ألحقنى بعبد أسود للحقته ، وكان قبل ذلك لا ينسب الى حذافة . وما ذكر فى السؤالات أن الآية فى الحج هو قول على بن أبى طالب ، الا أنه لم يذكر على اسم السائل وكذا أبو هريرة لم يذكره وفى رواية أبى هريرة زيادة ، وعلى قال نزل { ولله على الناس حج البيت } الآية فقال الناس يا رسول الله فى كل عام ولم يذكر اللفظ اذن لكفرتم وهو مراد ، قال أبو هريرة " أنه قال صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا " فقال رجل أفى كل عام ؟ فسكت صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثا قال " ذرونى ما تركتكم ، ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ، وانما هلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم اذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم ، واذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه " والسائل قيل الأقرع ، وقيل سراقة بن مالك ، وقيل عكاشة بن محصن . وفى رواية قال للسائل " ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم فاتركونى ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة " الخ ما مر . وعن مجاهد لا تسألوا عن أشياء هى البحيرة والوصيلة والحامى ، الا ترى أنها مذكورة بعد ذلك بقوله { ما جعل الله من بحيرة } الآية ، قلت هذا ضعيف اذا لم يثبت أنهم سألوا عنها ، فلو سألوا لكان السؤال هو المطلوب ، ومراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عنها وعن أمثالها من الحلال والحرام ، اذ لا يخفى أنها أموال مضيعة حقيقة بالكف عن تحريمها ، فكيف ينهون عن السؤال عنها ، وانما أراد السؤال عن الحلال والحرام بلا تكلف ، والوعظ وأمر الآخرة وأهوالها كما قال ابن عباس . ومعنى الآية لا تسألوا عن أشياء فى ضمن الانباء عنها مساءلتكم اما بتكليف شرعى يلزمكم ، واما بخبر يسؤكم ، ولكن اذا نزل القرآن بشىء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ ان سألتم عن تفصيله وبيانه يسر لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها " ويجوز أن يكون قوله { وَاِن تَسْألُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } وعيداً أى ان سألتم عنها لقيتم غب ذلك صعوبة . وفى رواية عن ابن عباس رضى الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب ، فكانوا يتعرضون له بالسؤال فى خلال خطبته ، وأكثروا حتى أغضبوه ، اذ كانوا يسألون عما لا يعنيهم ، فقال " لا أسأل عن شىء الا أجبت " قال سلمان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال " الحلال ما أحل الله فى كتابه ، والحرام ما حرمه الله فى كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفى فلا تتكلفوا " . وقيل المعنى فى قوله تعالى { وَاِن تَسْألُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } ان صبرتم حين ينزل القرآن بحكم من فرض ، أو نهى أو حكم وليس فى ظاهرة شرح ما تحتاجون اليه ، ومست حاجتكم اليه ، فان سألتم عنه حينئذ يبد لكم كما سألوا عن عدة التى لا تحيض بعد نزول عدة التى تحيض ، فأنزل الله جل وعلا { واللائى يئسن من المحيض } الآية قال بعض العلماء الأشياء التى يجوز السؤال عنها هى ما ترتب عليه أمر الدين والدنيا من مصالح العباد ، وما عدا ذلك فلا يجوز السؤال عنه ، وعن سعد بن أبى وقاص " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ان أعظم المسلمين فى المسلمين جرماً من سأل عن شىء لم يحرم على الناس فحرم من أحل مسألته " وروى أن معاوية لما أسرف فى مال الله ، وربما دخل فى البطالة كتب اليه المغيرة بن شعبة واعظاً أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال ، واضاعة المال ، وكثرة السؤال ، أى كثرة السؤال وذلك سؤال تحمل يعنى وسؤال التعمق فى بعض أوجه تفسيره . وعن معاوية نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات ، يعنى صعاب المسائل التى تنزل فيها أقدام العلماء ، قال أبو هريرة شرار الناس الذين يسألون عن شرار المسائل كى يغلطو بها العلماء . { وَاللهُ غَفُورٌ } لمن تاب . { حَلِيمٌ } لا يجعل بالعقوبة ، وقيل معنى عفا الله عنها ، عفا الله عن مسألتكم التى سألتموها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعاقبكم ومن شأن الله جل وعلا أنه غفور حليم ، وعلى هذا فجملة عفا الله عنها مستأنفة ، ولكن جعلها نعتاً للأشياء على حذف مضاف ، أى لا تسألوا عن مثل أشياء قد عفا الله عنها ، أى عن هذه الأشياء ان تبد لكم تسؤكم . وليس أشياء جمع شىء على وزن أفعال فليت الهمزة بعد ألفه لام الكلمة ، ولا الهمزة الأولى همزة أفعال زائدة ، لأن ما على وزن فعل بفتح فسكون لا يجمع قياساً على أفعال ، بل على أفعل بفتح الهمزة واسكان الفاء ، وضم العين كبحر وأبحر اذا أريدت الكثرة ، وعلى فعول بضم الفاء والعين كقلب وقلوب اذا أريدت القلة ، ولأنه لو كان أشياء بوزن أفعال لصرف ، لأن همزته بعد الألف حينئذ أصل ، ولما منع الصرف علمنا أن هذه الهمزة للتأنيث ، فالمنع لألف التأنيث ، وأصل همزة التأنيث ألف تأنيث ، وهمزة التأنيث زائدة ، وكذا الألف قبلها ، فالهمزة الأولى قبل الشين أصل لا زائدة وهى لام الكلمة ، وقدمت على الفاء ، والفاء الشين ، والعين والباء فوزنه لفعاء بفتح اللام واسكان الفاء ، وهو اسم جمع ، وأصله قبل التقديم شيئاء بفتح الشين واسكان الباء بعدها همزة هى لام الكلمة بعدها ألف وهمزة زائدتان ، ولما قدمت الهمزة الأولى على الشين سكنت الشين ليبقى وزن المفرد ، لأن هذا غير جمع ، والأصل بقاءه فى غير الجمع ، وهذا هو الصحيح وعليه الجمهور وهو قول الخليل وسيبويه . وقيل أشياء جمع شىء وهمزتاه زائدتان كالألف ، فالهمزة الأولى همزة الجمع ، والآخرة همزة التأنيث ، والهمزة التى هى لام الكلمة محذوفة ، ووزنه أفعاء بفتح الهمزة واسكان الفاء على أن أصل شىء شيىء بفتح الشين وكسر الياء الأولى واسكان الياء بعدها ، وبعد الياء الآخرة همزة بوزن صديق ونصيب ، حذفت الياء الآخرة الزائدة وسكنت الأولى ، وذلك تخفيف فوزن الجمع أفعلاء بفتح الهمزة واسكان الفاء وكسر العين ، وأصله أشيئاء بفتح الهمزة واسكان الشين وكسر الياء بعد همزة هى لام الكلمة وبعدها ألف وهمزة للتأنيث والياء هذه هى عين الكلمة ، والياء الزائدة محذوفة فحذفت الهمزة التى هى لام الكلمة تخفيفاً . وقيل وزنه أفعلاء كذلك الا أن أصل شىء شيىء بتشديد الياء بوزن فعيل حذفت الياء الزائدة وهى الأولى فى المفرد ، وجمع بعد حذفها ، وقلبت الهمزة التى هى لام يائه لوقوعها بعد كسرة الياء هى عين ، فحذفت أيضا هذه الياء التى هى عين ، فوزنه بعد الحذف أفلاء وفيه تكلف لا دليل عليه ولا داعى ، وقيل وزن أشياء أفعال وأنه جمع شىء ويرده أنه ممنوع الصرف ، وقد بسطت القولين فى غير هذا .