Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-64)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } لما كان الانسان الذى غلت يده ولا يناول بها لغيره شيئاً ، كانوا لعنهم الله بذلك ، عن كونه تعالى ممسكا لا يعطى ، كما يستعمل بسط اليدين كناية عن الجواد ، والله تعالى منزه عن اليد وغلها وسائر الجوارح والجسيمة ، أو كان اليهود القائلين لذلك مجسمة مثبتة للجوارح ، فتكون الكناية فى لفظ مغلولة وحده ، ومثله { ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك } وقيل معناه أنه فقير كقوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } لحقتهم سنة وجهد لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أغنى الناس فقالوا { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } فكفروا باثبات اليد وبنسبته للبخل أو الفقر ، أو باثبات الذل أو الفقر ولو نفوا اليد وذلك أنه لا يجوز لأحد أن يصف الله بما ينقص فى الظاهر ولو لم يرد معناه ، فالكفر لازم لهم . ولو أرادوا بغل اليد عدم التوسعة عليهم بالرزق ، وقائل ذلك فنحاص ، ورضى غيره فنسب اليهم ، وقيل المعنى مغلولة عن عذابنا لا يعذبنا نحن أبناء الله وأحباؤه . { غُلَّتْ أَيدِيهِمْ } فى جهنم الى أعناقهم ، أخبار بأنها ستغل فيها ، ولتحقق الوقوع بعد جعل غلها كأنه قد وقع ، ويجوز أن يكون دعاء مصروفاً الينا ، أى ادعوا أيها المؤمنون عليهم أن تغل أيديهم فى النار ، جزاء على قولهم هذا ، كذا ظهر لى ، ثم رأيت بعض العلماء المتقدمين والحمد لله ، وعبارة بعض أمر بالدعاء عليهم بأن تغل ويطرحوا فى النار . وقيل المعنى أمسكت أيديهم عن كل خير ، وطردوا عن رحمة الله ، وهو اخبار ، وقال الزجاج انه اخبار عنهم بأنهم البخلاء وأنا الجواد الكريم ، وقيل أمرنا الله أن ندعو عليهم بغل الأيدى فى الدنيا بالأسر ، وفى الآخرة باغلال النار أو بالبخل والنكد ، فكانت اليهود أبخل الناس وأنكدهم ، وعندنا يجوز مثل هذا الدعاء على الكافر ، وقيل لا يجوز فلا تفسر به الآية عند قائله الا ان أريد الدعاء بالخذلان المسبب للبخل والنكد ، أو الدعاء بلازم البخل والنكد ، وهو لصوق العار والتحدث عنهم بما يخزيهم ويمزق أعراضهم . وحاصله أنه وهو الزمخشرى منع الدعاء ولو على المشرك بما هو معصية . { وَلُعِنُوا بَمَا قَالُوا } أبعدوا عن الجنة ، أو عذبوا بالقتل والجزية ، اخبار عما يقع ولا بد ، أو أمر بالدعاء عليهم باللعنة بسبب ما قالوه ، اخبار عما يقع ولا بد ، أو أمر بالدعاء عليهم باللعنة بسبب ما قالوه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية ، ويجوز أن يتنازعا غلت ولعنوا فى قولهم بما قالوا ، وقرىء باسكان عين لعنوا تخفيفاً من الكسر . { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } كناية عن سعة الانفاق فى الجملة ، ولو ضيق عليهم فى وقت ولا اثبات فيه لليد الجارحة سواء أرادها اليهود فى قولهم يد الله ، أو أراد الكناية عن تضييق الرزق ، وذلك أن غاية ما يعطى السخى بمناولة أن يعطى بكلتا يديه ، تقول العرب فلانا يعطى بكلتا يديه ، وتريد التوسيع فى العطاء لا خصوص الكفين ، فذلك هو بسبب التثنية ، ولولا ذلك لقال بل يده مبسوطة وكفى ، اذ ليس موصوفاً باليد الجارجة فتثنى . ويجوز أن يكون المراد باليدين النعمتين كل واحدة منهما عامة فى جنسها احداهما نعمة الدنيا ، والأخرى نعمة الآخرة ، ودخل فيهما النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة ، وقيل الأولى النعمة الظاهرة والأخرى النعمة الباطنة ، ودخلت فيهما نعمة الدنيا ونعمة الآخرة . وعن ابن عباس يداه نعمتان ، ففسره بعض بنعمة الدنيا ونعمة الآخرة ، وبعض الظاهرة والباطنة كما رأيت ، فهذا نص من ابن عباس أنه يجوز أن يراد بالتثنية جنسين ، كما يراد بالمفرد جنس ، وبالجمع أجناس ، لا كما قيل التثنية لا يراد بها الاثنان معينان ، تقول أعجبنى الدرهمان ، وتريد جنس الدرهم الذى هو سكة فلان ، وجنس الدرهم الذى هو سكة فلان الآخر . ويجوز أن يكون المراد باليدين الملكين ، ملك الدنيا وملك الآخرة ، يقال هذا الجنان فى يد فلان ، وهذه البلاد فى يد فلان ، أى فى ملكه قال الله تعالى { الذى بيده عقدة النكاح } ويجوز تفسير اليدين بالقدرتين ، وقدرة الله ولو كانت لا تثنى لكن بحسب المقدور عليه ، يجوز أن تثنى مثل أن يعتبر أنه قادر فى الدنيا والآخرة ، كما تجمع القدر على أقدار ، والأنسب فى التفسير الوجوه السابقة ، والأولان أنسب ، لأن المقام ذكر بسط النعمة ، وما ساغ تفسير القدرة هنا الا لشمولها القدرة على البسط ، واذا فسر يد الله مغلولة بأنه لا يعذب اليهود فى زعمهم ، فسر { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } بمعنى أنه لا مانع له من تعذيبهم ، وأنه متمكن منه ، فثنى مبالغة فى القدرة ، أو باعتبار عذاب الدنيا والآخرة . والحق هذه التأويلات أعنى الدخول فى التأويل والله أعلم ، بأيها الصواب لا ما قالت أسلاف الأشعرية من الجمود على الايمان ، بأن لله يدين لا يشبه بهما الخلق ، ولا كيف لهما . وزعم الفخر عن أبى الحسن الأشعرى أن اليد صفة قائمة بالذات ، وهى صفة سوى القدرة من شأنها التكوين وذلك خطأ ، وأما ما قيل انها لو كانت بمعنى القدرة لم يخص آدم بكونه مخلوقاً بيده ، لأن قدرته فى خلق آدم وفى خلق غيره ، فالجواب أنه خلق آدم بقدرة بلا واسطة آب وأم . { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } يوسع على من يشاء ، ويضيق على من يشاء ، ويوسع متى شاء ، ويضيق متى شاء ، بحسب قضائه وحكمته ، والجملة مستأنفة أو خبر ثان ليداه ، والعائد محذوف أى ينفق بهما كيف يشاء ، وهذا العائد داخل فى التأويل السابق لا حال من يداه الا على قول من أجاز الحال من المبتدأ مطلقاً ، وفصل بالخير كما فصل فى قوله تعالى { وهذا بعلى شيخاً } وأما مجىء الحال من المضاف اليه كالهاء هنا فجائز مطلقاً عند بعض ، وبشرط أن يصلح المضاف لعمل الرفع والنصب ، أو كونه جزء المضاف اليه ، أو مثل جزئه عند بعض ، والله منزه عن الجزء والكل معنى ، وأما باعتبار اللفظ تعالى الله ، فاللفظ من قبل كونه جزءاً تعالى الله عن ذلك ، وعلى الحالية من المبتدأ ، فالرابط محذوف أى يتفق بهما ، وعلى الحالية من الهاء فالعائد ضمير ينفق ، ويجوز كونها حالا من المستتر فى مبسوطتان ، فالرابط محذوف كذلك وكيف حال من المستتر فى يشاء ، ويشاء حال من المستتر فى ينفق . { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم } من اليهود متعلق بمحذوف نعت كثيراً ، وكثيراً مفعول أول ، وطغياناً مفعول ثانى ، وما فاعل يزيد . { مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } وهو القرآن وسائر الوحى . { طُغْيَانًا وَكُفْرًا } قد كانوا من قبلهم طغاة كفرة ، ومعنى الزيادة أنه كلما نزلت آية أو وحى ، وبلغهم ذلك أنكروه وطعنوا ، فالمؤمن يزداد بما نزل ايماناً ، والموفق يدخل به فى الدين ، وهؤلاء يزدادون به كفراً وطغياناً لاستحكام الكفر والعناد فيهم ، كالغذاء الصالح ينفع الصحيح ، ومن أراد الله من المرضى ويزداد به بعض المرضى مرضاً ، وطغيان ظلم المؤمنين بما قدروا عليه من الطعن ، وافساد المال وغير ذلك ، والكفر كفرهم بالله ورسوله حملهم على ذلك حب الرئاسة والحسد للعرب . { وأَلقَيْنَا بَيْنَهُمُ } بين اليهود . { العَدَاوَةَ وَالبَغْضَآءَ } كل عدو مبغض ، وبغض المبغض عدو . { إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ } فكان بعضهم يكفر بعضاً ، ويشبه الى ما هو شرك ، فبعضهم جبرية ، وبعض قدرية ، وبعض موحدة ، وبعض مشبهة ، وبعض مجسمة ، والتجسيم أيضاً تشبيه ، فهم متعادون متخاصمون أشد الخصام الى يوم القيامة ، وقال الحسن ومجاهد { أَلقَيْنَا بَيْنَهُمُ } ألقينا بين اليهود والنصارى ، فالنصارى أعداء لليهود أبداً ، وقد جرى ذكرهم فى قوله تعالى { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } ، وعاب الله عليهم ولم يذكر معاداة الموحدين من هذه الأمة بعض لبعض ، لاختلاف فرقهم ، لأنه وجدت فرقهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء المتعادون المختلفون من اليهود والنصارى كان افتراقهم موجوداً فى زمانه صلى الله عليه وسلم ، ولم تجترىء فرقة أن تقول من أهل القبلة فلان إله أو ابن الله ، ومن أثبت ما هو شرك فما وجوده الا كوجود اليهود والنصارى ، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم " لتتبعن سنة من قبلكم " فمن سننهم التفرق ، وقد افترقت الأمة أكثر مما افترقوا ، وصح الحديث أنها كلها هالكة الا واحدة ولم يصح عسكه . { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلحَرْبِ } لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وللحرب متعلق بأوقدوا ، والمحذوف نعت لنار ، أو ايقاد النار كناية عن اثارة الشر هكذا ، أى ما هو مكروه طبعاً ، ثم بين أنهم يثيرونها للحرب ، حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يتكرر قوله للحرب مع { أَوْقَدُوا نَارًا } . { أَطْفَأَهَا اللهُ } أبطل فتنتهم التى يثيرونها بايقاع التنازع بينهم فيفشلون ، كما تبطل النار بالماء ، والظاهر أن قوله { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ } استعارة مركبة شبه مجموع قصدهم لاثارة الشر ، واثارته وقصد المضرة به مع ابطال الله ذلك بالقصد الى النار بالقلب ، والى ايقادها بالجوارح ، وقصد الحراق بها ، ثم ابطالها بنحو الماء ، وكل ظرف زمان متعلق بأطفأها ، وما مصدرية ، والمصدر ناب عن الزمان ، فتحصلت لكل الظرفية باضافتها اليه . وقيل المراد بالحرب كل حرب أرادوها فانهم من حين خالفوا التوراة لم ينصروا ، أفسدوا فسلط الله عليهم بخت نصر ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم فطرس الرومى ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين ، وهم فى حكم المجوس حين سلط الله المسلمين عليهم ، قال قتادة لا تجدهم فى بلد الا أذل الناس ، وما تقدم من أن الحرب حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قول الحسن ومجاهد . { وَيَسْعَونَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا } يجتهدون فى المكر واثارة الحروب والفتن ، وفى كل ما يبطلون به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وَاللهُ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ } فيعاقبهم اليهود ، لأنهم من جملة المفسدين المستوجبين للعقاب .