Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-11)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إذْ } بدل ثان من إذ فى قوله { إذ يعدكم } أو بدل من إذ المبدلة من هذه ، وإنما صح الإبدال وهو إبدال الشئ من الشئ فى الموضعين ، مع أن كلا من وقت الوعد ، ووقت الاستغاثة ، ووقت الإغشاء غير الآخر لاعتبار مجموعها وقتا واحدا واسعا ، وإن اعتبرت المغابرة فالإبدال إبدال إضراب انتقالى ، أو وقت الوعد ، ووقت الاستغاثة واحد ، أو وإذ هذه مفعول لا ذكروا محذوفا مستأنفا ، أو متعلق بالنصر أو باستقرار قوله { من عند الله } أو به لنيابته عن الاستقرار ، أو بجعل أو بتطمئن أو بحكيم . { يغَشِّيكُم النُّعاسَ } فى يغشى ضمير الله ، وهو مضارع أغشى تعدى لاثنين بالهمزة والكاف مفعول ثان ، والنعاس مفعول أول ، لأنه هو المجعول غاشيا ، وذلك قراءة نافع والأعرج ، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر والكسائى بفتح الغين وتشديد الشين ، وبه قرأ عروة ابن الزبير ، والحسن ، وأبى رجاء ، وعكرمة وغيرهم ، والإعراب مثله فى ذلك ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو إذ يغشاكم النعاس بفتح الياء والشين ورفع النعاس ، وبه قرأ مجاهد ، وابن محيصن ، وأهل مكة وإغشاءهم النعاس إدخاله عليهم وتغطيتهم به ، وذلك استعارة ، والنعاس النوم الخفيف يصيب الإنسان وهو قائم أو ماش . { أمنةً منهُ } أمنة مفعول لأجله بمعنى أمنا منه ، أى من الله نعت أمنة ، وفاعل الأمن الله ، وأما فى قراءة ابن كثير وفاعلها النعاس على الإسناد المجازى وعليها فالهاء فى منه عائدة للنعاس ، والأمنة من أمن المتعدى فى ذلك ، وإن جعل من اللازم كان فاعله المسلمون ، وفاعل الإغشاء أو التغشية الله ، وفاعل الغشى فى قراءة ابن كثير النعاس ، فلا يكون أمنة مفعولا لأجله على المشهور لاختلاف الفاعل ، وقد يجعل فاعل الأمنة النعاس على سبيل الإسناد المجازى أيضا ، فيتحد الفاعل فى قراءة ابن كثير ، أو على أن من حقه أن لا يغشاهم ، فلما غشيهم صار كأنه حصلت له أمنة من الله ، لولاها لم يغشيهم ، ويجوز تضمين يغشيكم ويغشينكم ويغشاكم معنى تنعسون ، والأمنة فعل لفاعل ذلك ، وهو مصدر أمن ، يقال أمن أخوك ، وأمنت أخاك أمنا وأمانا وأمنة ، وقرأ ابن محيصن أمنة بإسكان الميم . وعن ابن مسعود ، وابن عباس النعاس فى القتال أمنة من الله ، وفى الصلاة وسوسة من الشيطان ، وهذه نعمة عظيمة اشتد حالهم بالخوف والعطش ، فألقى عليهم النوم فاستيقظوا ، وقد خف عنهم ذلك ، ولما ناموا ولم يصبهم العدو فى نومهم ، كان ذلك قوة فيهم واجتراء عليه ، وكان خفيفا بحيث لو قصدهم العدو لقاموا به وعرفوه ، وهو فى ذلك الوقت خارق للعادة ، ومعجزة له صلى الله عليه وسلم ، كما أن إسماع أهل القليب فيما قيل كذلك ، روى أنهم نعسوا حتى وقع السلاح من أيديهم . { ويُنزِّلُ عَليْكم مِن السَّماء ماءً ليُطهِّركُم بهِ } من الحدث والجنابة ، وقرئ ينزل بإسكان النون بعد ضم الياء ، وقرأ الشعبى ما ليطهركم ، قال أبو الفتح بن جنى ما اسم موصل أى الذى للتطهير وهو الماء وهو ضعيف ، وقرأ ابن المسيب بسكون الطاء { ويُذْهِبَ عنكُمْ } وقرأ عيسى بن عمرو بإسكان الباء تخفيفا { رِجْز الشَّيطانِ } وهو الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش ، أو جميع ذلك ، والرجز العذاب ، وذلك عذاب منه لهم ، وقرأ ابن محيصن بضم الراء ، وقرأ ابن العالية بالسين . { وليَرْبطَ عَلى قُلوبكُم } يشد عليها بالصبر فتتوصل إلى الوثوق بالله واليقين ، والتشجع على العدو والتثبيت ، ولا حاجة إلى الحكم بزيادة على ، فإنه كما يقال ربطت الشئ يقال ربطت عليه { ويُثبِّت بهِ } بالماء { الأقْدامَ } فلا تسوح فى الرمل أو الماء للربط ، فانه إذا ربط على القلب ثبت القدم فى موطن القتال ، روى أنه صلى الله عليه وسلم ، نزل قريبا من بدر ، وقد أمطرت السماء غير كثير ، ونزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادى ، ونزل المسلمون على كثيب أى تراب متراكم أعفر ، أى مائل إلى البياض تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب ، وقد سبقهم المشركون إلى ماء بدر فأحرزوه ، وحفروا القليب لأنفسهم . وأصبح المسلمون بعضهم محدث ، وبعضهم جنب ، وأصابهم الظمأ وهم لا يصلون إلى الماء ، ووسوس الشيطان لبعضهم وقال تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبى الله ، وأنكم أولياء الله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم عطاش وتصلون محدثين مجنبين ، وما ينتظر أعداؤكم إلا أن يقطع العطش رقابكم ، ويذهب قواكم ، فيتحكموا فيكم كيف شاءوا ، فأرسل الله عليهم مطرا فى الليل أسال منه الوادى ، فشرب المسلمون واغتسلوا وتوضئوا ، وسقوا الركاب وملئوا الأسقية ، وأطفأ الغبار ، ولبَّد الأرض ، حتى ثبتت عليها الأقدام ، وزالت عنهم وسوسة الشيطان ، وطابت أنفسهم فذلك قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء } الآية . وكانت الأرض التى عليها المشركون تزلق بهذا الماء فقيل لكثرته فيها ، وقيل معجزة ماء واحد على قدر واحد فى أرض واحدة ، زلق أرضهم حتى لا يقدروا على الانتقال بسرعة ، ولبد أرض المسلمين ، قال بعضهم " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء ، فنزل بأدنى ماء بدر ، فقال له الخباب بن المنذر بن الجموح يا رسول الله أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ قال " بل الرأى والحرب والمكيدة " قال يا رسول الله صلى الله عليك ، فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزله ، ثم تغور ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فتملأه ماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أشرت بالرأى " فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء إلى القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب فغورت ، وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء ، ثم قذفوا فيه الآنية " .