Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-67)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ما كانَ لنبىٍّ } من الأنبياء ونبينا صلى الله عليه وسلم داخل فى هذا العموم ، وقيل ما كان لنبى قبلك فما يكون لك ، وهذا لمعونة المقام ، وإلا فكم من أمر لم يكن للأنبياء قبله وكان له ، ويجوز أن يكون التنكير للتعظيم لا للعموم ، والمراد النبى صلى الله عليه وسلم ، والأصل ما كان لك فوضع الظاهر موضع المضمر ، وما تقدم أولى ، وقرئ ما كان للنبى بتعريف الحضور ، فالمراد نبينا صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل الجنس . { أنْ يَكونَ } وقرأ أبو عمرو بالفوقية ، قيل وابن عامر نظر إلى معنى الجماعة ، وإلى ألف التأنيث كذا قيل ، والصواب أنه نظر إلى معنى الجماعة ، وإلا جاز قامت طلحة ، وجاءت سلمى إذا أريد بهما رجلان ، وليس بجائز { لَه أسْرَى } جمع أسير كقتيل وقتلى ، وقرأ أبو جعفر أسارى وهو رواية المفضل ، عن عاصم ، وهو كما قال الزجاج جمع أسرى ، فهو جمع الجمع ، وقيل جمع أسير شاذا ، وأصل المعنى واحد ، وقال أبو عمرو بن العلاء ، وهو أبو عمرو القارئ من السبعة إن الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون ، والأسارى هم الموثقون ربطا ، وأنه جمع أسير كما أن أسرى جمع أسير . { حتَّى يُثْخِن فى الأرْضِ } حتى يكثر القتل والجراح ، ويبالغ فى ذلك ، فيذل الكفر وأهله ، ويعز الإسلام وأهله ، يقال أثخنه المرض أثقله وذلك من الثخانة أى هى الغلظ والكثافة ، وقرأ أبو جعفر ، ويحيى ابن يعمر ، ويحيى بن وثاب بفتح الثاء وتشديد الخاء للتعدية لا للمبالغة ، كما قال بعض ، إلا إن أراد أن التشديد تلويح للمبالغة لوقوعها به فى الجملة ، ومعنى الآية إيجاب القتل وتحريم استبقاء الأسرى . قال ابن عباس كان ذلك يوم بدر ، ولما كثر المسلمون نزل { فإما منًّا بعدُ وإما فداء } قيل فكان ناسخا لذلك كما فى كتاب الناسخ والمنسوخ ، وهو ظاهر كلام ابن عباس ، وجار الله ، قال الرازى ليس ناسخا فإن الآيتين متوافقتان ، وكلتاهما يدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان ، ثم بعده أخذ الفداء ، وأقول كلامه يقتضى هذا فى كل قتال على حدة ، وليس بشئ ، وكان الفداء يومئذ أربعة آلاف درهم ، أربعة آلاف لكل أسير . { تُريدُونَ } أيها المؤمنون { عَرضَ الدُّنيا } وهو ما يأخذون من فداء الأسارى ، وسمى عرضا لأن متاع الدنيا حادث قليل اللبث ، سريع الفناء ، وقرئ يريدون بالتحتية ، ولا دليل فى الآية لمن يقدح فى عصمة الأنبياء ، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالفداء ، لأنه قد فوض الله إليه الحكم فى المصالح ، فرأى الحكم به مصلحة ، ولما نهاه كف وكان حراما ، بل قيل إن الآية عتاب رقيق فى اختيار الفداء على القتل ، لا تحريم له ، وأما الأسر ففعلته الصحابة لا هو ، فإن كان ذنبا فمنهم إذا مروا بالقتل فأسروا ، بل لا ذنب لأنهم لم ينهوا عن الأسر يومئذ ، والأمر بالقتل لا يحرم الأسر ، فإنهم إذا أسروا فالأمر بعد للنبى ، فإن شاء ألحق الأسرى بالقتلى بالقتل . ويدل على عدم تحريم الأسر ، وأن الآية عتاب أن الملائكة تعين المؤمنين على أسر الكفار وتأسر ، بل قيل كان مشروعا بشرط الإثخان ، وقد حصل الإثخان فى ظنهم بمن قتلوا وجرحوا ، ويرده أن الأسر يوم بدر كان فى وسط القتال قبل الإثخان وبعده ، لا بعده فقط ، وأما بكاؤه هو وأبو بكر لنزول الآية فإشفاق من فعل الصحابة إذا اشتغلوا بالأسر وتركوا القتل ، أو من فعلهم ما حدث تحريمه بعد الفعل ، أو من ميلهم للفداء ، أو موافقة حكمه بالفداء تحريم الفداء بعد الحكم ، رغبة فى أن لو وفقوا ما لم يحدث تحريمه و تضعيفه . ولم يدخل صلى الله عليه وسلم فى الخطاب بإرادة عرض الدنيا ولا فى غيبتها ، وإن دخل فالمراد بيان أن الراجح أن يختار القتل نفعا للإسلام حاضرا لا العرض للمسلمين ، لأنه ولو كان نفعا للإسلام أيضا لكنه آجل وما أراد العرض لنفسه قط ، وذكر بعضهم أنه دخل فى الآية من جهة المعاتبة فقط ، حيث أسروا ولم ينههم من عريشه ، وقد أنكر سعد بن معاذ ، ولكنه صلى الله عليه وسلم أغفله بعد الأمر وظهور النصر ، ولذلك بكى هو وأبو بكر خوفا من نزول العذاب لكمال خوفهم ، واختار بعضهم أن العتب لأصحاب النبى كما يظهر مما مر ، كأنه قيل لا يستقيم أن تأخذوا الأسارى للنبى . { واللهُ يُريدُ الآخرةَ } أى يريد لكم ثوابها ، أو سبب نيلكم ثوابها من إعزاز دينه بالإثخان ، وقرأ ابن جماز بجر الآخرة على حذف المضاف ، وإبقاء المضاف إليه مجرورا ، فقدره ابن مالك ، والله يريد عرض الآخرة من جنس المضاف المذكور ليشعر به ، وليس فى القياس كقول أبى داود حارثة بن الحجاج ، أو حارثة بن عمران الأيادى ، أو عدى بن زائدة @ أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا @@ أى وكل نار توقد بالليل نارا ، لأن الشرط فى الغالب أن يكون المضاف المحذوف معطوفا على مضاف بمعناه ، والمضاف فى الآية لم يعطف . بل عطفت الجملة ، فقراءة ابن جماز من غير الغالب لذلك ، وإنما سمى ابن مالك خير الآخرة عرضا تجوز للمناسبة ، أو لأنه عارض بمعنى حادث ، ولو كان يدوم ، وللمناسبة ومن قدره هكذا ، والله يريد عمل الآخرة كابن هشام ، أو ثواب الآخرة ونحو ذلك ، كان عنده من غير الغالب لما ذكر ، ولعدم مماثلة لفظ المحذوف للمذكور . { واللهُ عَزيزٌ } فأولياؤه تكون غالبة لأعدائه { حَكيمٌ } فى أفعاله وأقواله ، فمصلحتكم فى الإثخان لا فى الفداء ، قال ابن مسعود جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس ، وعقيل بن أبى طالب ، فاستشار فيهم أصحابه ، فقال أبو بكر رضى الله عنه يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم ويهديهم إلى الإسلام ، وخذ منهم فدية يتقوى بها أصحابك على الكفار . وقال عمر رضى الله عنه كذبوك وأخرجوك ، قدمهم واضرب أعناقهم ، فإنهم أئمة الكفر ، وأن الله أغناك عن الفداء ، مكن عليا من عقيل وهو أخوه ، وحمزة من العباس وهو أخوه أيضا ، ومكننى من فلان نسيب لعمر نضرب أعناقهم . " وقال عبد الله بن رواحة رضى الله عنه انظر واديا كثير الحطب أدخلهم فيه وأضرمه عليهم نارا . فقال العباس إذن تقطع رحمك وسكت ودخل العريش ، وقد كان يهوى قول أبى بكر ، وقد قال سعد بن معاذ حين رأى الأسرى ، وقد وقد كان فى العريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الإثخان فى القتل أحب إلىَّ يا رسول الله ، فكان بعض يقول يأخذ بقول أبى بكر ، وبعض يقول ، عمر ، وبعض يقول ابن رواحة ، ثم خرج فقال " إن الله ليليِّن قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال { فمن تبعنى فإنه منِّى ومن عصانى فإنك غفور رحيم } " زاد فى رواية " ومثل عيسى قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ومثلك يا عمر مثل نوح قال { ربى لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّارا } " زاد فى رواية " ومثل موسى قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم } الآية وأخذ بقول أبى بكر وقال أنتم اليوم عالة لا يفلتن أحد منهم ، إلا بفداء أو ضرب عنقه " " وروى أنه لما خرج أعلمهم التخيير فاختار الأكثر الفداء ولما قال " إلا بفداء أو ضرب عنقه " قال ابن مسعود رضى الله عنه إلا سهيل بن بيضاء ، فإنى سمعته يذكر الإسلام ، فسكت صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود ما رأيتنى فى يوم أخوف أن تقع علىَّ حجارة من السماء من ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا سهيل ابن بيضاء " ونزلت الآية " بموافقة قول عمر بعد أخذ الفداء الألف أربعة آلاف من بعضهم . وذكر عبد الله بن حميد بسنده أن جبريل نزل بالتخيير ، فعلى هذا فالعتب على اختيارهم ما هو مرجوح ، والعذاب فى قوله { لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } على غير اختيارهم وإلا لم يصح ما ذكره ، وذلك مثل أن يحمل على استبقاء الرجال وقت الهزيمة ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس " إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل فى الحرب منكم سبعون على عددهم ، وإن شئتم قتلوا وسلمتم " فقالوا نأخذ المال ويستشهد سبعون ، وفى هذه الرواية ما فى التى قبلها .