Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 8-9)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثمان مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } أي من ذكر وأنثى ، صبيح وقبيح ، صالح وطالح وقد تقدّم في سورة « الأنعام » أن الله سبحانه منفرد بعلم الغيب وحده لا شريك له وذكرنا هناك حديث البخاري عن ٱبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتيح الغيب خمس " الحديث . وفيه " لا يعلم ما تغِيض الأرحام إلا الله " وٱختلف العلماء في تأويل قوله : { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } فقال قَتَادة : المعنى ما تُسقِط قبل التسعة الأشهر ، وما تزداد فوق التسعة وكذلك قال ٱبن عباس . وقال مجاهد : إذا حاضت ٱلمرأة في حملها كان ذلك نقصاناً في ولدها فإن زادت على التسعة كان تماما لما نقص وعنه : الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم ، والزيادة ما تزداد منه . وقيل : الغيض والزيادة يرجعان إلى الولد ، كنقصان إصبع أو غيرها ، وزيادة إصبع أو غيرها . وقيل : الغيض ٱنقطاع دم الحيض . « وَمَا تَزْدَادُ » بدم النفاس بعد الوضع . الثانية : في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه . وقال عطاء والشعبي وغيرهما : لا تحيض وبه قال أبو حنيفة ودليله الآية . قال ابن عباس في تأويلها : إنه حيض الحبالى ، وكذلك روي عن عِكْرمة ومجاهد وهو قول عائشة ، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حِضْن أن يتركن الصلاة والصحابة إذ ذاك متوافرون ، ولم ينكر منهم أحد عليها ، فصار كالإجماع قاله ابن القصّار . وذكر أن رجلين تنازعا ولداً ، فترافعا إلى عمر رضي الله عنه فعرضه على القَافَة ، فألحقه القَافَة بهما ، فَعَلاه عمر بالدرة ، وسأل نِسوة من قريش فقال : ٱنظُرْن ما شأن هذا الولد ؟ فقلن : إن الأوّل خلا بها وخلاّها ، فحاضت على الحمل ، فظنّت أن عِدّتها انقضت فدخل بها الثاني ، فانتعش الولد بماء الثاني فقال عمر : الله أكبر ! وألحقه بالأول ، ولم يقل إن الحامل لا تحيض ، ولا قال ذلك أحد من الصحابة فدلّ أنه إجماع ، والله أعلم . احتجّ المخالف بأن قال لو كان الحامل تحيض ، وكان ما تراه المرأة من الدم حيضاً لما صَحّ استبراء الأمة بحيض وهو إجماع . ورُوي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض . الثالثة : في هذه الآية دليل على أن الحامل قد تضع حملها لأقل من تسعة أشهر وأكثر ، وأجمع العلماء على أن أقل الحمل ستة أشهر ، وأن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر . الرابعة : وهذه الستة الأشهر هي بالأهِلّة كسائر أشهر الشريعة ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك ، وأظنه في كتاب ابن حارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الأشهر وزيادتها حكاه ابن عطية . الخامسة : وٱختلف العلماء في أكثر الحمل فروى ابن جُرَيج عن جَميلة بنت سعد عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحوّل ظِل المِغزَل ذكره الدَّارَقُطْنِي . وقالت جَميلة بنت سعد أخت عبيد بن سعد ، وعن الليث بن سعد ـ : إن أكثره ثلاث سنين . وعن الشافعي أربع سنين وروي عن مالك في إحدى روايتيه ، والمشهور عنه خمس سنين وروي عنه لا حدّ له ، ولو زاد على العشرة الأعوام وهي الرواية الثالثة عنه . وعن الزّهري ست وسبع . قال أبو عمر : ومن الصحابة من يجعله إلى سبع والشافعي : مُدَّةٌ الغاية منها أربع سنين . والكوفيون يقولون : سنتان لا غير . ومحمد بن عبد الحكم يقول : سنة لا أكثر . وداود يقول : تسعة أشهر ، لا يكون عنده حمل أكثر منها . قال أبو عمر : وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد ، والرّد إلى ما عُرف من أمر النّساء وبالله التوفيق . رَوى الدَّارَقُطْنِيّ عن الوليد بن مسلم قال : قلت لمالك بن أنس إني حدّثت عن عائشة أنها قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قَدْر ظِلّ المِغْزَل ، فقال : سبحان الله ! مَن يقول هذا ؟ هذه جارتنا ٱمرأة محمد بن عَجْلاَن ، تحمل وتضع في أربع سنين ، ٱمرأة صدق ، وزوجها رجل صدق حملت ثلاث أبطن في ٱثنتي عشرة سنة ، تحمل كل بطن أربع سنين . وذكره عن المبارك ابنُ مجاهد قال : مشهور عندنا كانت ٱمرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين ، وكانت تسمى حاملة الفيل . وروي أيضاً قال : بينما مالك بن دينار يوماً جالس إذ جاءه رجل فقال : يا أبا يحيـىٰ ٱدع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال : ما يرى هؤلاء القوم إلا أَنَّا أنبياء ! ثم قرأ ، ثم دعا ، ثم قال : اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة ، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً ، فإنك تَمْحُو ما تشاء وتُثْبِت ، وعندك أمّ الكتاب ، ورفع مالك يده ، ورفع الناس أيديهم ، وجاء الرسول إلى الرجل فقال : أدرك ٱمرأتك ، فذهب الرجل فما حطّ مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جَعْد قَطَطٌ ٱبن أربع سنين ، قد استوت أسنانه ، ما قُطِعت سراره ورُوي أيضاً أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ! إني غبت عن ٱمرأتي سنتين فجئت وهي حبلى فشاور عمر الناس في رجمها ، فقال معاذ بن جبل : يا أمير المؤمنين ! إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع ، فتركها ، فوضعت غلاماً قد خرجت ثنيتاه فعرف الرجل الشبه فقال : ابني وربّ الكعبةٰ فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر . وقال الضحّاك : وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين ، فولدتني وقد خرجت سِنّي . ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أُمه سنتين ، وقيل : ثلاث سنين . ويقال : إن محمد بن عجلان مكث في بطن أُمه ثلاث سنين ، فماتت به وهو يضطرب اضطراباً شديداً ، فشُقّ بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه . وقال حمّاد بن سلمة : إنما سمي هَرِم بن حيان هَرِماً لأنه بقي في بطن أُمه أربع سنين . وذكر الغَزْنَوي أن الضحّاك وُلد لسنتين ، وقد طلعت سِنّه فُسمّي ضحّاكاً . عبّاد بن العوّام : ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاماً شعره إلى منكبيه ، فمرّ به طير فقال : كش . السادسة : قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد : أقل الحيض والنفاس وأكثره وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد لأن علم ذلك استأثر الله به ، فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقَدْرِ ما أظهره لنا ، ووُجد ظاهراً في النساء نادراً أو معتاداً ولمّا وجدنا ٱمرأة قد حملت أربع سنين وخمس سنين حكمنا بذلك ، والنفاس والحيض لَمّا لم نجد فيه أمراً مستقراً رجعنا فيه إلى ما يوجد في النادر منهنّ . السابعة : قال ابن العربي : نقل بعض المتساهلين من المالكيين أن أكثر الحمل تسعة أشهر وهذا ما لم ينطق به قطّ إلا هالكيّ ، وهم الطبائعيون الذين يزعمون أن مدبّر الحمل في الرَّحِم الكواكب السبعة تأخذه شهراً شهراً ، ويكون الشهر الرابع منها للشمس ولذلك يتحرّك ويضطرب ، وإذا تكامل التداول في السبعة الأشهر بين الكواكب السبعة عاد في الشهر الثامن إلى زُحل ، فيُبْقِله بِبَرْده فيا ليتني تمكنت من مناظرتهم أو مقاتلتهمٰ ما بال المرجع بعد تمام الدّور يكون إلى زُحل دون غيره ؟ آلله أخبركم بهذا أم على الله تفترون ؟ ٰ وإذا جاز أن يعود إلى اثنين منها لم لا يجوز أن يعود التدبير إلى ثلاث أو أربع ، أو يعود إلى جميعها مرتين أو ثلاثاً ؟ ٰ ما هذا التحكم بالظنون الباطلة على الأمور الباطنةٰ . الثامنة : قوله تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } يعني من النقصان والزيادة . ويقال : « بمقدار » قدر خروج الولد من بطن أمّه ، وقَدْر مكثه في بطنها إلى خروجه . وقال قَتَادة : في الرزق والأجل . والمقدار الْقَدْر وعموم الآية يتناول كل ذلك ، والله سبحانه أعلم . قلت : هذه الآية تمدّح الله سبحانه وتعالى بها بأنه { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي هو عالم بما غاب عن الخلق ، وبما شهِدوه . فالغيب مصدر بمعنى الغائب . والشهادة مصدر بمعنى الشاهد فنبّه سبحانه على ٱنفراده بعلم الغيب ، والإحاطة بالباطن الذي يخفى على الخلق ، فلا يجوز أن يشاركه في ذلك أحد فأما أهل الطبّ الذين يستدلّون بالأمارات والعلامات فإن قطعوا بذلك فهو كفر ، وإن قالوا إنها تجربة تُرِكوا وما هم عليه ، ولم يَقدَح ذلك في الممدوح فإن العادة يجوز ٱنكسارها ، والعلم لا يجوز تبدّله . و { ٱلْكَبِيرُ } الذي كل شيء دونه . { ٱلْمُتَعَالِ } عما يقول المشركون ، المستعلي على كل شيء بقدرته وقَهْره وقد ذكرناهما في شرح الأسماء مستوفى ، والحمد لله .