Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 66-70)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : « قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ » هذا سؤال الملاطِف ، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب ، المعنى : هل يتفق لك ويخفّ عليك ؟ وهذا كما في الحديث : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ وعلى بعض التأويلات يجيء كذلك قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ المائدة : 112 ] حسب ما تقدم بيانه في « المائدة » . الثانية : في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب ، ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه ، فقد يشذ عن الفاضل ما يعلمه المفضول ، والفضل لمن فضّله الله فالخضر إن كان ولياً فموسى أفضل منه ، لأنه نبيّ والنبي أفضل من الوليّ ، وإن كان نبياً فموسى فضله بالرسالة . والله أعلم . « ورشداً » مفعول ثان بـ « تعلمني » . { قَالَ } الخضر : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي لأن الظواهر التي هي علمك لا تُعطيه ، وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تُخبَر بوجه الحكمة فيه ، ولا طريق الصواب وهو معنى قوله : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } والأنبياء لا يُقِرّون على منكر ، ولا يجوز لهم التقرير . أي لا يسعك السكوت جرياً على عادتك وحُكمك . وانتصب « خُبْراً » على التمييز المنقول عن الفاعل . وقيل : على المصدر الملاقى في المعنى ، لأن قوله : « لَمْ تُحِطْ » معناه لم تَخْبُرْهُ ، فكأنه قال : لم تَخبره خُبراً وإليه أشار مجاهد . والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يختبر منها . قوله تعالى : { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } أي سأصبر بمشيئة الله . { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } أي قد ألزمت نفسي طاعتك . وقد اختلف في الاستثناء ، هل هو يشمل قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } أم لا ؟ فقيل : يشمله كقوله : { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] . وقيل : استثنى في الصبر فصبَرَ ، وما استثنى في قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } فاعترض وسأل . قال علماؤنا : إنما كان ذلك منه لأن الصبر أمر مستقبل ولا يدري كيف يكون حاله فيه ، ونفيُ المعصية معزوم عليه حاصل في الحال ، فالاستثناء فيه ينافي العزم عليه . ويمكن أن يفرق بينهما بأن الصبر ليس مكتسباً لنا بخلاف فعل المعصية وتركها ، فإن ذلك كله مكتسب لنا والله أعلم . قوله تعالى : { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك ، وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة ، فلو صَبَر ودَأَب لرأى العجب ، لكنه أكثر من الاعتراض ، فتعين الفراق والإعراض .