Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 85-86)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } « أنتم » في موضع رفع بالابتداء ، ولا يعرب لأنه مضمَر . وضُمت التاء من « أنتم » لأنها كانت مفتوحة إذا خاطبت واحداً مذكّراً ، ومكسورة إذا خاطبت واحدة مؤنثة فلما ثنّيت أو جمعت لم يبق إلا الضمة . { هَـٰؤُلاۤءِ } قال القُتَبِيّ : التقدير يا هؤلاء . قال النحاس : هذا خطأ على قول سيبويه ، ولا يجوز هذا أقبل . وقال الزجاج : هؤلاء بمعنى الذين . و { تَقْتُلُونَ } داخل في الصلة أي ثم أنتم الذين تقتلون . وقيل : « هؤلاء » رفع بالابتداء ، و « أنتم » خبر مقدم ، و « تقتلون » حال من أولاء . وقيل : « هؤلاء » نصب بإضمار أعني . وقرأ الزُّهْرِيّ « تُقَتِّلون » بضم التاء مشدّداً ، وكذلك { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَآءَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 91 ] . وهذه الآية خطاب للمواجهين لا يحتمل ردّه إلى الأسلاف . نزلت في بني قَيْنُقاع وقُرَيظة والنَّضِير من اليهود وكانت بنو قَيْنُقاع أعداء قُريظة ، وكانت الأَوْس حلفاء بني قَيْنُقاع ، والخَزْرج حلفاء بني قُريظة . والنَّضير والأوس والخزرج إخوان ، وقريظة والنضير أيضاً إخوان ، ثم ٱفترقوا فكانوا يقتتلون ، ثم يرتفع الحرب فيفدون أساراهم فعيّرهم الله بذلك فقال : « وَإنْ يأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ » . قوله تعالى : { تَظَاهَرُونَ } معنى « تظاهرون » تتعاونون ، مشتقّ من الظَّهر لأن بعضهم يقوّي بعضاً فيكون له كالظهر ومنه قول الشاعر : @ تظاهرتُم أسْتاه بيتٍ تجّمعت على واحد لا زِلْتُمُ قِرْنَ واحدِ @@ والإثم : الفعل الذي يستحق عليه صاحبه الذم . والعدوان : الإفراط في الظلم والتجاوز فيه . وقرأ أهل المدينة وأهل مكة « تَظّاهرون » بالتشديد ، يُدغمون التاء في الظاء لقربها منها والأصل تتظاهرون . وقرأ الكوفيون « تَظَاهرون » مخفّفاً ، حذفوا التاء الثانية لدلالة الأولى عليها وكذا { وَإنْ تَظَاهَرا عَلَيْهِ } [ التحريم : 4 ] . وقرأ قتادة « تَظْهرون عليهم » وكله راجع إلى معنى التعاون ومنه : { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } [ الفرقان : 55 ] وقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] فٱعلمه . قوله تعالى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ } شَرْط ، وجوابه « تفادوهم » و « أُسارَى » نصب على الحال . قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول : ما صار في أيديهم فهم الأسارى ، وما جاء مستأسِراً فهم الأَسْرَى . ولاَ يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو ، إنما هو كما تقول : سَكارى وسَكْرى . وقراءة الجماعة « أُسارى » ما عدا حمزة فإنه قرأ « أَسْرَى » على فَعْلَى ، جمع أسير بمعنى مأسور والباب في تكسيره إذا كان كذلك فَعْلَى ، كما تقول : قتيل وقتلى ، وجريح وجرحى . قال أبو حاتم : ولا يجوز أَسَارى . وقال الزجاج : يقال أسارى كما يقال سَكارى ، وفَعالى هو الأصل ، وفُعَالَى داخلة عليها . وحُكي عن محمد بن يزيد قال : يقال أسير وأُسراء كظريف وظُرفاء . قال ابن فارس : يقال في جمع أسير أسرى وأسارى وقرىء بهما . وقيل : أَسارى بفتح الهمزة وليست بالعالية . الثانية : الأسير مشتق من الإسار ، وهو القِدّ الذي يُشدّ به المحمل فسمِّيَ أسيراً لأنه يشدّ وثاقه والعرب تقول : قد أَسَرَ قَتَبه ، أي شدّه ثم سُمّيَ كل أَخِيذ أسيراً وإن لم يؤسر وقال الأعشى : @ وَقَيّدني الشِّعرُ في بَيْتِهِ كما قَيّد الآسِراتُ الحِمارا @@ أي أنا في بيته يريد بذلك بلوغه النهاية فيه . فأمّا الأَسْر في قوله عز وجل : { وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } [ الإنسان : 28 ] فهو الخَلْق . وأُسرة الرجل رهطه لأنه يتقوّى بهم . الثالثة : قوله تعالى : { تُفَادُوهُمْ } كذا قرأ نافع وحمزة والكسائي . والباقون « تَفْدُوهم » من الفداء . والفداء : طلب الفِدية في الأسير الذي في أيديهم . قال الجوهري : « الفداء إذا كُسِر أوله يُمدّ ويقصر ، وإذا فُتح فهو مقصور يقال : قُمْ فدًى لك أبي . ومن العرب من يكسر « فِداءً » بالتنوين إذا جاور لام الجر خاصة فيقول : فِداءٍ لك ، لأنه نكرة يريدون به معنى الدعاء . وأنشد الأصمعي للنابغة : @ مَهْلاً فِداءٍ لك الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثمِّرُ من مالٍ ومن وَلَدِ @@ ويقال : فَداه وفاداه إذا أعطى فِداءه فأنقذه . وفَداه بنفسه ، وفدّاه يُفَدّيه إذا قال جعلت فَداك . وتَفَادَوْا أي فَدَى بعضهم بعضاً » . والفِدية والفَدَى والفِداء كله بمعنىً واحد . وفاديت نفسي إذا أطلقتها بعد أن دفعت شيئاً ، بمعنى فديت ومنه قول العباس للنبيّ صلى الله عليه وسلم : فاديتُ نفسي وفاديتُ عَقِيلاً . وهما فعلان يتعدّيان إلى مفعولين الثاني منهما بحرف الجر تقول : فديت نفسي بمالي وفاديته بمالي قال الشاعر : @ قِفِي فادِي أسيرَكَ إن قومي وقومَك ما أرى لهمُ ٱجتماعَا @@ الرابعة : قوله تعالى : { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } « هو » مبتدأ وهو كناية عن الإخراج ، و « مُحَرّمٌ » خبره و « إخراجُهم » بدل من « هو » وإن شئت كان كناية عن الحديث والقصة ، الجملة التي بعده خبره أي والأمر محرّم عليكم إخراجهم . فـ « ـإخراجهم » مبتدأ ثان . و « محرم » خبره ، والجملة خبر عن « هو » وفي « محرّم » ضمير ما لم يسم فاعله يعود على الإخراج . ويجوز أن يكون « محرمٌ » مبتدأ ، و « إخراجهم » مفعول ما لم يُسَمّ فاعله يسدّ مسدّ خبر « محرم » ، والجملة خبر عن « هو » . وزعم الفراء أن « هو » عماد وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون في أول الكلام . ويُقرأ « وهْوَ » بسكون الهاء لثقل الضمة كما قال الشاعر : @ فَهْو لا تَنْمِي رَمِّيتُه مالَه لا عُدّ مِن نَفَرِهْ @@ وكذلك إن جئت باللام وثم وقد تقدم . قال علماؤنا : كان الله تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتل ، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة ، وفداء أساراهم فأعرضوا عن كل ما أمِروا به إلا الفداء فوبّخهم الله على ذلك توبيخاً يُتْلَى فقال : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ } وهو التوراة { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ! ! قلت : ولَعَمْرُ الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض ! ليت بالمسلمين ، بل بالكافرين ! حتى تركنا إخواننا أذِّلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم ! . قال علماؤنا : فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد . قال ٱبن خُوَيزِ مَنْداد : تضمّنت الآية وجوب فَكّ الأسرى ، وبذلك وردت الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فكّ الأسارى وأمر بفكّهم ، وجرى بذلك عمل المسلمين وٱنعقد به الإجماع . ويجب فك الأسارى من بيت المال ، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين . وسيأتي . الخامسة : قوله تعالى : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ٱبتداء وخبر . والخِزْيُ الهوان . قال الجوهري : وخَزِيَ بالكسر يَخْزَى خِزْياً إذا ذَلّ وهان . قال ٱبن السكّيت : وقع في بلية . وأخزاه الله ، وخَزِي أيضاً يَخْزَى خِزاية إذا ٱستحيا ، فهو خَزْيان . وقوم خَزَايا وٱمرأة خَزْيا . السادسة : قوله تعالى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ } « يردون » بالياء قراءة العامة ، وقرأ الحسن « تردون » بالتاء على الخطاب . { إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تقدّم القول فيه ، وكذلك : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } الآية فلا معنى للإعادة . « يومَ » منصوب بـ « ـيُرَدُّون » .