Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 24-35)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } لما آنسه بالعصا واليد ، وأراه ما يدل على أنه رسول ، أمره بالذهاب إلى فرعون ، وأن يدعوه . « طغى » معناه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد . { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي * وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } طلب الإعانة لتبليغ الرسالة . ويقال : إن الله أعلمه بأنه ربط على قلب فرعون وأنه لا يؤمن فقال موسى : يا رب فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطت على قلبه فأتاه ملك من خزان الريح فقال : يا موسى انطلق إلى ما أمرك الله به . فقال موسى عند ذلك : { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } أي وسِّعه ونوّره بالإيمان والنبوّة . { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي سهّل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون . { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فِيهِ وهو طفل . قال ابن عباس : كانت في لسانه رُتَّة . وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم وهو طفل فلطمه لطمة ، وأخذ بلحيته فنتفها فقال فرعون لآسية : هذا عدوّي فهات الذبّاحين . فقالت آسية : على رِسْلك فإنه صبيّ لا يفرق بين الأشياء . ثم أتت بطَسْتين فجعلت في أحدهما جمراً وفي الآخر جوهراً ، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها في فيه على لسانه ، فكانت تلك الرتّة . وروي أن يده احترقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ . ولما دعاه قال : إلى أيّ ربٍّ تدعوني ؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها . وعن بعضهم : إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قَصْعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة . ثم اختلف هل زالت تلك الرتّة فقيل : زالت بدليل قوله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } . وقيل : لم تزل كلها بدليل قوله حكاية عن فرعون : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] . ولأنه لم يقل احلل كل لساني ، فدل على أنه بقي في لسانه شيء من الاستمساك . وقيل : زالت بالكلية بدليل قوله : « أُوتِيتَ سُوْلَكَ » وإنما قال فرعون : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] لأنه عرف منه تلك العقدة في التربية ، وما ثبت عنده أن الآفة زالت . قلت : وهذا فيه نظر لأنه لو كان ذلك لما قال فرعون : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } حين كلمه موسى بلسان ذَلِق فصيح . والله أعلم . وقيل : إن تلك العقدة حدثت بلسانه عند مناجاة ربه ، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه . { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } أي يعلموا ما أقوله لهم ويفهموه . والفقه في كلام العرب الفهم . قال أعرابي لعيسى بن عمر : شهدت عليك بالفقه . تقول منه : فَقِه الرجل بالكسر . وفلان لا يَفْقَه ولا يَنْقَه . وأفقهتك الشيء . ثم خُصّ به علم الشريعة ، والعالم به فقيه . وقد فَقُه بالضم فَقَاهَة وفَقَّهه الله وتَفَقَّه إذا تعاطى ذلك . وفاقهته إذا باحثته في العلم قاله الجوهري . والوزير المؤازر كالأكيل المؤاكل لأنه يحمل عن السلطان وزره أي ثقله . وفي كتاب النسائي عن القاسم بن محمد : سمعت عمتي تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذَكَّره وإن ذَكَر أعانه " ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام : " ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله " رواه البخاري . فسأل موسى الله تعالى أن يجعل له وزيراً ، إلا أنه لم يرد أن يكون مقصوراً على الوزارة حتى لا يكون شريكاً له في النبوّة ، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة . وعَيَّن فقال : « هَرُونَ » . وانتصب على البدل من قوله : « وَزِيراً » . أو يكون منصوباً بـ « ـاجعل » على التقديم والتأخير ، والتقدير : واجعل لي هارون أخي وزيراً . وكان هارون أكبر من موسى بسنة ، وقيل : بثلاث . { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } أي ظهري . والأزر الظهر من موضع الحَقْوين ، ومعناه تقوى به نفسي والأزر القوّة ، وآزره قوّاه . ومنه قوله تعالى : { فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ } [ الفتح : 29 ] . وقال أبو طالب : @ أليس أبونا هاشمٌ شَدَّ أَزْرَه وأَوْصى بنيه بالطِّعانِ وبالضَّرْبِ @@ وقيل : الأزر العون . أي يكون عوناً يستقيم به أمري . قال الشاعر : @ شَددتُ به أَزْرِي وأَيقنْتُ أَنَّهُ أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهبُه @@ وكان هارون أكثر لحماً من موسى ، وأتم طولاً ، وأبيض جسماً ، وأفصح لساناً . ومات قبل موسى بثلاث سنين . وكان في جبهة هارون شامة ، وعلى أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة ، ولم تكن على أحد قبله ولا تكون على أحد بعده ، وقيل : إنها كانت سبب العقدة التي في لسانه . والله أعلم . { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } أي في النبوة وتبليغ الرسالة . قال المفسرون : كان هارون يومئذٍ بمصر ، فأمر الله موسى أن يأتي هو هارون ، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى ، فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحى إليه فقال له موسى : إن الله أمرني أن آتي فرعون فسألت ربي أن يجعلك معي رسولاً . وقرأ العامة « أخي ٱشْدُدْ » بوصل الألف « وَأَشْرِكْهُ » بفتح الهمزة على الدعاء ، أي اشدد يا رب أزري ، وأشركه معي في أمري . وقرأ ابن عامر ويحيـى بن الحارث وأبو حَيْوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق « أَشْدُدْ » بقطع الألف « وَأُشرِكْه » [ بضم الألف أي أنا أفعل ذلك أشدد أنا به أزري « وأشركه » ] أي أنا يا رب « في أمري » . قال النحاس : جعلوا الفعلين في موضع جزم جواباً لقوله : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً } وهذه القراءة شاذة بعيدة لأن جواب مثل هذا إنما يتخرج بمعنى الشرط والمجازاة فيكون المعنى : إن تجعل لي وزيراً من أهلي أشدد به أزري ، وأشركه في أمري . وأمره النبوة والرسالة ، وليس هذا إليه صلى الله عليه وسلم فيخبر به ، إنما سأل الله عز وجل أن يشركه معه في النبوة . وفتح الياء من « أَخِي » ابن كثير وأبو عمرو . { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } قيل : معنى « نسبحك » نصلي لك . ويحتمل أن يكون التسبيح باللسان . أي ننزهك عما لا يليق بجلالك . « وكَثِيراً » نعت لمصدر محذوف . ويجوز أن يكون نعتاً لوقت . والإدغام حسن وكذا { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } . { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } قال الخطابي : البصير المبصر ، والبصير العالم بخفيات الأمور ، فالمعنى أي عالماً بنا ، ومدركاً لنا في صغرنا فأحسنت إلينا ، فأحسن إلينا أيضاً كذلك يا رب .