Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءَ عَمَلِهِ } « مَن » في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف . قال الكسائي : والذي يدلّ عليه قوله تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فالمعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : وهذا كلام عربيّ طريف لا يعرفه إلا قليل . وذكره الزمخشريّ عن الزجاج . قال النحاس : والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية ، لما ذكره من الدلالة على المحذوف ، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيّه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم ، كما قال جل وعز : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } قال أهل التفسير : قاتِل . قال نصر بن عليّ : سألت الأصمعيّ عن " قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن : « هم أرقُّ قلوباً وأبخع طاعةً » " ما معنى أبخع ؟ فقال : أنصح . فقلت له : إن أهل التفسير مجاهداً وغيرَه يقولون في قول الله عز وجل : « لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ » : معناه قاتِل نفسك . فقال : هو من ذاك بعينه ، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه . وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حَسَناً ، فلا تَذْهب نفسُك عليهم حسرات ، فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء . وقيل : الجواب محذوف المعنى أفمن زين له سوءُ عمله كمن هدى ، ويكون يدل على هذا المحذوف { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . وقرأ يزيد بن القَعْقاع : « فَلاَ تُذْهِبْ نَفْسَك » وفي { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءَ عَمَلِهِ } أربعة أقوال ، أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس قاله أبو قِلابة . ويكون « سُوءُ عَمَلِهِ » معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام . الثاني : أنهم الخوارج رواه عمر بن القاسم . فيكون « سُوءُ عَمَلِهِ » تحريف التأويل . الثالث : الشيطان قاله الحسن . ويكون « سُوءُ عَمَلِهِ » الإغواء . الرابع : كفار قريش قاله الكلبي . ويكون « سُوءُ عَمَلِهِ » الشرك . وقال : إنها نزلت في العاص بن وائل السَّهْمِي والأسود بن المطلب . وقال غيره : نزلت في أبي جهل بن هشام . { فَرَآهُ حَسَناً } أي صواباً قاله الكلبيّ . وقيل : جميلاً . قلت : والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال لقوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } [ البقرة : 272 ] ، وقوله : { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [ آل عمران : 176 ] ، وقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] ، وقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ، وقوله في هذه الآية : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } . وهذا ظاهر بيّن ، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم ، فإن الله أضلهم . وهذه الآية تردّ على القدرية قولهم على ما تقدم أي أفمن زُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسناً تريد أن تهديه ، وإنما ذلك إلى الله لا إليك ، والذي إليك هو التبليغ . وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن مُحَيْصن : « فَلاَ تُذهِب » بضم التاء وكسر الهاء « نفسَك » نصباً على المفعول ، والمعنيان متقاربان . « حَسَرَاتٍ » منصوب مفعول من أجله أي فلا تذهب نفسك للحسرات . و « عَلَيْهم » صلة « تذهب » ، كما تقول : هلك عليه حُبًّا ومات عليه حزناً . وهو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته . ويجوز أن يكون حالاً كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير : @ مَشقَ الهواجِرُ لحمَهُنَّ مع السُّرَى حتى ذَهَبْنَ كَلا كِلاً وَصُدُورا @@ يريد : رجعن كَلاَ كِلاً وصدوراً أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قول الآخر : @ فعلى إثرهم تساقط نفسِي حسرات وذكرهم لي سقام @@ أو مصدراً . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .