Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه أربع مسائل : الأولى قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ } أخبرنا تعالى بإحيائه الموتى ردًّا على الكفرة . وقال الضحاك والحسن : أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل . والأوّل أظهر أي نحييهم بالبعث للجزاء . ثم توعدهم بذكره كَتْب الآثار وهي : الثانية وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان . قال قتادة : معناه مِن عملٍ . وقاله مجاهد وٱبن زيد . ونظيره قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] وقوله : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] ، وقال : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } [ الحشر : 18 ] فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها : من أثر حسن كعلم علَّموه ، أو كتاب صنَّفوه ، أو حبيس احتبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد أو رِباط أو قنطرة أو نحو ذلك . أو سَيِّىءٍ كوظيفة وظفها بعض الظلاّم على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم ، أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان ومَلاِهٍ ، وكذلك كل سُنّة حسنة ، أو سيئة يستنّ بها . وقيل : هي آثار المشَّائين إلى المساجد . وعلى هذا المعنى تأوّل الآية عمر وٱبن عباس وسعيد بن جُبير . وعن ٱبن عباس أيضاً أن معنى : « وَآثَارَهُمْ » خُطاهم إلى المساجد . قال النحاس : وهذا أولى ما قيل فيه لأنه قال : إن الآية نزلت في ذلك لأن الأنصار كانت منازلهم بعيدة عن المسجد . وفي الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُكتبُ له برِجلٍ حصنة وتُحطُّ عنه برِجل سيئة ذاهباً وراجعاً إذا خرج إلى المسجد " . قلت : وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : " كانت بنو سَلِمة في ناحية المدينة فأرادوا النُّقلَة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن آثاركم تكتب » فلم ينتقلوا " قال : هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : أراد بنو سَلِمة أن يتحوّلوا إلى قرب المسجد قال : والبقاع خالية قال : فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " يا بني سَلِمة ديارَكم تُكتَبْ آثارُكم ديارَكم تُكْتَبْ آثارُكم " فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحوّلنا . وقال ثابت البُنَاني : مشيت مع أنس بن مالك إلى الصلاة فأسرعت ، فحبسني فلما ٱنقضت الصلاة قال : مشيت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وأسرعت ، فحبسني فلما ٱنقضت الصلاة قال : " أمَا علمت أن الآثار تُكتَب " فهذا ٱحتجاج بالآية . وقال قتادة ومجاهد أيضاً والحسن : الآثار في هذه الآية الخُطَا . وحكى الثعلبي عن أنس أنه قال : الآثار هي الخُطَا إلى الجمعة . وواحد الآثار أثَر ويقال أَثْر . الثالثة : في هذه الأحاديث المفسّرة لمعنى الآية دليل على أن البعد من المسجد أفضل ، فلو كان بجوار مسجد ، فهل له أن يجاوزه إلى الأبعد ؟ ٱختلف فيه فروي عن أنس أنه كان يجاوز المحدَث إلى القديم . وروي عن غيره : الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجْراً . وكره الحسن وغيره هذا وقال : لا يدع مسجداً قربَه ويأتي غيره . وهذا مذهب مالك . وفي تخطي مسجده إلى المسجد الأعظم قولان . وخرّج ٱبن ماجه من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاةً وصلاته في المسجد الذي يُجمَّع فيه بخمسمائة صلاة " الرابعة : « دياركم » منصوب على الإغراء أي ٱلزموا ، و « نكتب » جزم على جواب ذلك الأمر . « وكُلَّ » نصب بفعل مضمر يدلّ عليه « أَحْصَيْنَاهُ » كأنه قال : وأحصينا كل شيء أحصيناه . ويجوز رفعه بالابتداء إلا أن نصبه أولى ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل . وهو قول الخليل وسيبويه . والإمام : الكتاب المقتدَى به الذي هو حجة . وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : أراد اللوح المحفوظ . وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال .