Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أُمِر أن يضرب لقومه مثلاً بأصحاب القرية هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فيما ذكر الماوردي . نسبت إلى أهل أنطبيس وهو ٱسم الذي بناها ثم غُيِّر لما عُرِّب ذكره السهيلي . ويقال فيها : أنتاكية بالتاء بدل الطاء . وكان بها فرعون يقال له أنطيخس بن أنطيخس يعبد الأصنام ذكره المهدوي ، وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب ووهب . فأرسل الله إليه ثلاثة : وهم صادق ، وصدوق ، وشلوم هو الثالث . هذا قول الطبري . وقال غيره : شمعون ويوحنا . وحكى النقاش : سمعان ويحيى ، ولم يذكرا صادقاً ولا صدوقاً . ويجوز أن يكون « مَثَلاً » و « أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ » مفعولين لاضرب ، أو « أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ » بدلاً من « مَثَلاً » أي ٱضرب لهم مثلَ أصحابِ القرية فحذف المضاف . أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء المشركين أن يحلّ بهم ما حلّ بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل . قيل : رسل من الله على الابتداء . وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله ، وهو قوله تعالى : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } وأضاف الربّ ذلك إلى نفسه لأن عيسى أرسلهما بأمر الربّ ، وكان ذلك حين رُفع عيسى إلى السماء . { فَكَذَّبُوهُمَا } قيل ضربوهما وسجنوهما . { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي فقوّينا وشدّدنا الرسالة « بِثالِثٍ » . وقرأ أبو بكر عن عاصم : « فَعَزَزْنَا بِثَالِثٍ » بالتخفيف وشدّد الباقون . قال الجوهري : وقوله تعالى : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } يخفّف ويشدّد أي قوّينا وشدّدنا . قال الأصمعي : أنشدني فيه أبو عمرو بن العلاء للمتلمِّس : @ أُجُدٌّ إذا رَحَلَت تَعَزَّزَ لَحْمُها وإذا تُشَد بِنِسْعِها لا تَنْبِسُ @@ أي لا ترغو فعلى هذا تكون القراءتان بمعنًى . وقيل : التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا ومنه : { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ صۤ : 23 ] . والتشديد بمعنى قوّينا وكثرنا . وفي القصة : أن عيسى أرسل إليهم رسولين ، فلقيا شيخاً يرعى غُنيمات له وهو حبيب النجار صاحب « يۤس » فدعوه إلى الله وقالا : نحن رسولا عيسى ندعوك إلى عبادة الله . فطالبهما بالمعجزة فقالا : نحن نشفي المرضى وكان له ٱبن مجنون . وقيل : مريض على الفراش فمسحاه ، فقام بإذن الله صحيحاً فآمن الرجل بالله . وقيل : هو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، ففشا أمرهما ، وشَفَيَا كثيراً من المرضى ، فأرسل الملك إليهما وكان يعبد الأصنام يستخبرهما فقالا : نحن رسولا عيسى . فقال : وما آيتكما ؟ قالا : نبرىء الأكمه والأبرص ونبرىء المريض بإذن الله ، وندعوك إلى عبادة الله وحده . فهمَّ الملكُ بضربهما . وقال وهب : حبسهما الملك وجلدهما مائة جلدة فٱنتهى الخبر إلى عيسى فأرسل ثالثاً . قيل : شمعون الصفا رأس الحواريين لنصرهما فعاشر حاشية الملك حتى تمكن منهم ، وٱستأنسوا به ، ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به ، وأظهر موافقته في دينه ، فرضي الملك طريقته ثم قال يوماً للملك : بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى الله ، فلو سألت عنهما ما وراءهما . فقال : إن الغضب حال بيني وبين سؤالهما . قال : فلو أحضرتهما . فأمر بذلك فقال لهما شمعون : ما برهانكما على ما تدّعيان ؟ فقالا : نبرىء الأكمه والأبرص . فجيء بغلام ممسوح العينين موضع عينيه كالجبهة ، فدعوا ربهما فٱنشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين طيناً فوضعاهما في خديه ، فصارتا مقلتين يبصر بهما فعجب الملك وقال : إن هاهنا غلاماً مات منذ سبعة أيام ولم أدفنه حتى يجيء أبوه فهل يحييه ربكما ؟ فدعوا الله علانية ، ودعاه شمعون سرًّا ، فقام الميت حيًّا ، فقال للناس : إني متّ منذ سبعة أيام ، فوُجدت مشركاً ، فأدخلتُ في سبعة أودية من النار ، فأحذِّركم ما أنتم فيه فآمِنوا بالله ، ثم فتحت أبواب السماء ، فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة شمعون وصاحبيه ، حتى أحياني الله ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن عيسى روح الله وكلمته ، وأن هؤلاء هم رسل الله . فقالوا له : وهذا شمعون أيضاً معهم ؟ فقال : نعم وهو أفضلهم . فأعلمهم شمعون أنه رسول المسيح إليهم ، فأثر قوله في الملك ، فدعاه إلى الله ، فآمن الملك في قوم كثير وكفر آخرون . وحكى القشيري أن الملك آمن ولم يؤمن قومه ، وصاح جبريل صيحة مات كل من بقي منهم من الكفار . وروي أن عيسى لما أمرهم أن يذهبوا إلى تلك القرية قالوا : يا نبيّ الله إنا لا نعرف أن نتكلم بألسنتهم ولغاتهم . فدعا الله لهم فناموا بمكانهم ، فهبُّوا من نومتهم وقد حملتهم الملائكة فألقتهم بأرض أنطاكية ، فكلم كل واحد صاحبه بلغة القوم فذلك قوله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } فقالوا جميعاً : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } تأكلون الطعام وتمشون في الأسواق { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } يأمر به ولا من شيء ينهى عنه { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } في دعواكم الرسالة فقالت الرسل : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } وإن كذبتمونا { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } في أن الله واحد { قَالُوۤاْ } لهم { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } أي تشاءمنا بكم . قال مقاتل : حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا هذا بشؤمكم . ويقال : إنهم أقاموا ينذرونهم عشر سنين . { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ } عن إنذارنا { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } قال الفراء : لنقتلنكم . قال : وعامة ما في القرآن من الرجم معناه القتل . وقال قتادة : هو على بابه من الرجم بالحجارة . وقيل : لنشتمنكم وقد تقدّم جميعه . { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } قيل : هو القتل . وقيل : هو التعذيب المؤلم . وقيل : هو التعذيب المؤلم قبل القتل كالسلخ والقطع والصلب . فقالت الرسل : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } أي شؤمكم معكم أي حظكم من الخير والشر معكم ولازمٌ في أعناقكم ، وليس هو من شؤمنا قال معناه الضحاك . وقال قتادة : أعمالكم معكم . ٱبن عباس : معناه الأرزاق والأقدار تتبعكم . الفراء : « طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ » رزقكم وعملكم والمعنى واحد . وقرأ الحسن : « ٱطَّيْركُم » أي تطيركم . { أَإِن ذُكِّرْتُم } قال قتادة : إن ذكرتم تطيرتم . وفيه تسعة أوجه من القراءات : قرأ أهل المدينة : « أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ » بتخفيف الهمزة الثانية . وقرأ أهل الكوفة : « أَإِنْ » بتحقيق الهمزتين . والوجه الثالث : « أَاإِنْ ذُكِّرْتُمْ » بهمزتين بينهما ألف أدخلت الألف كراهة للجمع بين الهمزتين . والوجه الرابع : « أاإنْ » بهمزة بعدها ألف وبعد الألف همزة مخففة . والقراءة الخامسة « أَاأَنْ » بهمزتين مفتوحتين بينهما ألف . والوجه السادس : « أَأَنْ » بهمزتين محققتين مفتوحتين . وحكى الفراء : أنّ هذه القراءة قراءة أبي رُزَين . قلت : وحكاه الثعلبي عن زِرّ بن حُبيش وٱبن السَّمَيْقَع . وقرأ عيسى بن عمر والحسن البصري : { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم } بمعنى حيث . وقرأ يزيد بن القعقَاع والحسن وطلحة « ذُكِرْتُمْ » بالتخفيف ذكر جميعه النحاس . وذكر المهدوي عن طلحة بن مُصَرِّف وعيسى الهَمَذانِي : « آنْ ذُكِّرْتُمْ » بالمد ، على أن همزة الاستفهام دخلت على همزة مفتوحة . الماجشون : « أَنْ ذُكِّرْتُمْ » بهمزة واحدة مفتوحة . فهذه تسع قراءات . وقرأ ٱبن هُرْمُز « طَيْرُكُمْ مَعَكُمْ » . « أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ » أي لإِن وُعِظتم وهو كلام مستأنف ، أي إن وعظتم تطيرتم . وقيل : إنما تطيروا لما بلغهم أن كل نبي دعا قومه فلم يجيبوه كان عاقبتهم الهلاك { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } قال قتادة : مسرفون في تطيّركم . يحيى بن سلاّم : مسرفون في كفركم . وقال ٱبن بحر : السرف هاهنا الفساد ، ومعناه بل أنتم قوم مفسدون . وقيل : مسرفون مشركون ، والإسراف مجاوزة الحد ، والمشرك يجاوز الحدّ .