Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 44-50)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } قال قتادة : يعني « ٱتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ » أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ، « وَمَا خَلْفَكُمْ » من الآخرة . ٱبن عباس وابن جُبير ومجاهد : « مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ » ما مضى من الذنوب ، « وَمَا خَلْفَكُمْ » ما يأتي من الذنوب . الحسن : « مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ » ما مضى من أجَلِكُمْ « وَمَا خَلْفَكُمْ » ما بقي منه . وقيل : « مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ » من الدنيا ، « وَمَا خَلْفَكُمْ » من عذاب الآخرة قاله سفيان . وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ٱبن عباس . قال : « مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ » من أمر الآخرة وما عملوا لها ، « وَمَا خَلْفَكُمْ » من أمر الدنيا فٱحذروها ولا تغتروا بها . وقيل : « مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ » ما ظهر لكم « وَمَا خَلْفَكُمْ » ما خفي عنكم . والجواب محذوف ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا دليله قوله بعد : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } فٱكتفى بهذا عن ذلك . قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله } أي تصدّقوا على الفقراء . قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقيل : هم المشركون قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله وذلك قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [ الأنعام : 136 ] فحرموهم وقالوا : لو شاء الله أطعمكم ٱستهزاء فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا . قالوا : { أَنُطْعِمُ } أي أنرزق { مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } كان بلغهم من قول المسلمين : أن الرازق هو الله . فقالوا هزءا : أنرزق من لو يشاء الله أغناه . وعن ٱبن عباس : كان بمكة زنادقة ، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله ! أيفقره الله ونطعمه نحن . وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلاناً ، ولو شاء الله لأعزَّ ، ولو شاء الله لكان كذا . فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين ، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى . وقيل : قالوا هذا تعلقاً بقول المؤمنين لهم : { أَنفِقُواْ مِمَّا رزَقَكُمُ ٱلله } أي فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم فلم تلتمسون الرزق منا ؟ . وكان هذا الاحتجاج باطلاً لأن الله تعالى إذا ملّك عبداً مالاً ثم أوجب عليه فيه حقّاً فكأنه ٱنتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض . وقد صدقوا في قولهم : لو شاء الله أطعمهم ولكن كذبوا في الاحتجاج . ومثله قوله : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] ، وقوله : { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } قيل : هو من قول الكفار للمؤمنين أي في سؤال المال وفي ٱتباعكم محمداً . قال معناه مقاتل وغيره . وقيل : هو من قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم . وقيل : من قول الله تعالى للكفار حين ردّوا بهذا الجواب . وقيل : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال : يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال : ٱبتلى قوماً بالفقر ، وقوماً بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء . فقال : والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال ! أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنتٰ ؟ فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰوَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [ الليل : 5 6 ] الآيات . وقيل : نزلت الآية في قوم من الزنادقة ، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، وٱستهزءوا بالمسلمين بهذا القول ذكره القشيري والماوردي . قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ } لما قيل لهم : « ٱتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ » قالوا : « مَتَى هَذاَ الْوَعْدُ » وكان هذا ٱستهزاء منهم أيضاً أي لا تحقيق لهذا الوعيد ، قال الله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ } أي ما ينتظرون { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة إسرافيل { تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم وهذه نفخة الصَّعْق . وفي « يَخِصِّمُون » خمس قراءات : قرأ أبو عمرو وٱبن كثير : « وَهُمْ يَخَصِّمُونَ » بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وكذا روى وَرْش عن نافع . فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فرووا عنه « يَخْصِّمُونَ » بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين . وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة : « وَهُمْ يَخْصِمُونَ » بإسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه . وقرأ عاصم والكسائيّ « وَهُم يَخِصِّمُونَ » بكسر الخاء وتشديد الصاد ، ومعناه يخصم بعضهم بعضاً . وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم لا يبعثون . وقد روى ٱبن جبير عن أبي بكر عن عاصم ، وحماد عن عاصم كسر الياء والخاء والتشديد . قال النحاس : القراءة الأولى أبينها ، والأصل فيها يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء . وفي حرف أُبَيّ « وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ » وإسكان الخاء لا يجوز ، لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مدٍّ وَلِين . وقيل : أسكنوا الخاء على أصلها ، والمعنى يخصم بعضهم بعضاً فحذف المضاف ، وجاز أن يكون المعنى يخصمون مجادلَهم عند أنفسهم فحذف المفعول . قال الثعلبي : وهي قراءة أبيّ بن كعب . قال النحاس : فأما « يَخِصمُون » فالأصل فيه أيضاً يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين . وزعم الفرّاء أن هذه القراءة أجود وأكثر فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء وٱجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة ، وزعم أنه أجود وأكثر . وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة الخلق من أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينةٰ وما روي عن عاصم من كسر الياء والخاء فللإتباع . وقد مضى هذا في « البقرة » في { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } وفي « يونس » { يَهْدِي } . وقال عِكرمة في قوله جل وعز : { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } قال : هي النفخة الأولى في الصور . وقال أبو هريرة : يُنفخ في الصُّور والناس في أسواقهم : فمن حالبٍ لقحة ، ومن ذارعٍ ثوباً ، ومن مارّ في حاجة . وروى نعيم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ، والرجل يَلِيط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة ، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يَتَبلَّعها حتى تقوم الساعة " وفي حديث عبد الله بن عمرو : " « وأوّل من يسمعه رجل يَلُوط حوضَ إبله قال فيصعق ويصعق الناس » الحديث " { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي بعضاً لما في يده من حق . وقيل : لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضاً بالتوبة والإقلاع بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم . { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } إذا ماتوا . وقيل : إن معنى « وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ » لا يرجعون إليهم قولاً . وقال قتادة : « وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ » أي إلى منازلهم لأنهم قد أعجلوا عن ذلك .