Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-54)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } هذه النفخة الثانية للنشأة . وقد بيّنا في سورة « النمل » أنهما نفختان لا ثلاث . وهذه الآية دالة على ذلك . وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين النفختين أربعون سنة : الأولى يميت الله بها كلّ حيّ ، والأخرى يحيي الله بها كل ميّت " وقال قتادة : الصُّور جمع صُورَة أي نفخ في الصور والأرواح . وصُورَة وصُور مثل سُورَة البناء وسُور قال العَجَّاج : @ ورُبَّ ذِي سُرَادِقٍ مَحْجُورِ سِرْتُ إليهِ في أَعالِي السُّورِ @@ وقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ : « وَنُفِخَ فيِ الصُّورِ » . النحاس : والصحيح أن « الصور » بإسكان الواو : القَرْن جاء بذلك التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك معروف في كلام العرب . أنشد أهل اللغة : @ نحنُ نَطَحْنَاهُمْ غَداةَ الْغُورَيْن بالضَّابِحاتِ في غُبَار النَّقْعَيْن نَطْحًا شديداً لا كَنَطْحِ الصُّورَيْن @@ وقد مضى هذا في « الأنعام » مستوفًى . { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي القبور . وقرىء بالفاء « مِنَ الأَجْدَافِ » ذكره الزمخشري . يقال : جَدَثٌ وَجَدَفٌ . واللغة الفصيحة الجدث بالثاء والجمع أَجْدُث وأجداث قال المتنخِّل الهذليّ : @ عَرفتُ بأَجْدُثٍ فنِعافِ عِرْقٍ عَلاَماتٍ كتَحبِير النِّمَاطِ @@ وٱجتدثَ : أي ٱتخذ جَدَثاً . { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } أي يخرجون قاله ٱبن عباس وقتادة . ومنه قول ٱمرىء القيس : @ فَسُلِّي ثِيابي منْ ثِيَابِكِ تَنْسُليِ @@ ومنه قيل للولد نَسْل لأنه يخرج من بطن أمه . وقيل : يسرعون . والنَّسَلان والعَسَلان : الإسراع في السير ، ومنه مشية الذئب قال : @ عسَلانَ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِباً بَرَدَ الليلُ عليه فَنَسَلْ @@ يقال : عَسَل الذئبُ ونَسَل ، يَعْسِل ويَنْسِل ، من باب ضرب يضرب . ويقال : يَنسُل بالضم أيضاً . وهو الإسراع في المشي فالمعنى يخرجون مسرعين . وفي التنزيل : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] ، وقال : { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] ، وفي { سَأَلَ سَآئِلٌ } [ المعارج : 1 ] : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [ المعارج : 43 ] أي يسرعون . وفي الخبر : شكونا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم الضعف فقال « عليكم بالنَّسْل » أي بالإسراع في المشي فإنه ينشط . قوله تعالى : { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا } قال ٱبن الأنباري : « يَاوَيْلَنَا » وقف حسن ثم تبتدىء { مَن بَعَثَنَا } . وروي عن بعض القراء « يَاوَيْلَنَا مِنْ بَعْثِنَا » بكسر مِنْ والثاء من البعث . روي ذلك عن عليّ رضي الله عنه فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على قوله : { يٰوَيْلَنَا } حتى يقول { مِن مَّرْقَدِنَا } . وفي قراءة أبيّ بن كعب « مَنْ هَبَّنَا » بالوصل « مِنْ مَرْقَدِنَا » فهذا دليل على صحة مذهب العامة . قال المهدوي : قرأ ٱبن أبي ليلى : « قَالُوا يَاوَيْلَتَنَا » بزيادة تاء وهو تأنيث الويل ، ومثله : { يٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } [ هود : 72 ] . وقرأ عليّ رضي الله عنه « يَاوَيْلَتَا مِنْ بَعثِنَا » فـ « ـمن » متعلقة بالويل أو حال من « ويلتا » فتتعلق بمحذوف كأنه قال : يا ويلتا كائناً مِن بعثنا وكما يجوز أن يكون خبراً عنه كذلك يجوز أن يكون حالاً منه . و « مِن » من قوله : { مِن مَّرْقَدِنَا } متعلقة بنفس البعث . ثم قيل : كيف قالوا هذا وهم من المعذبين في قبورهم ؟ فالجواب أن أُبيّ بن كعب قال : ينامون نومة . وفي رواية فيقولون : ياويلتا من أَهَبَّنَا من مرقدنا . قال أبو بكر الأنباري : لا يحمل هذا الحديث على أن « أَهبَّنا » من لفظ القرآن كما قاله من طعن في القرآن ، ولكنه تفسير « بَعَثَنَا » أو معبر عن بعض معانيه . قال أبو بكر : وكذا حفظته « مَن هَبَّنَا » بغير ألف في أهبنا مع تسكين نون مَن . والصواب فيه على طريق اللغة « مَنَ اهَبَنَا » بفتح النون على أن فتحة همزة أهب ألقيت على نون « من » وأسقطت الهمزة كما قالت العرب : من اخبرك من اعلمك ؟ وهم يريدون من أخبرك . ويقال : أهببتُ النائم فهبّ النائمُ . أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي : @ وعَاذِلَة هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُني ولم يَعتمرْني قبل ذاكَ عَذُول @@ وقال أبو صالح : إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة فذلك قولهم : « مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا » وقاله ٱبن عباس وقتادة . وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب صار ما عذبوا به في قبورهم إلى جنب عذابها كالنوم . قال مجاهد : فقال لهم المؤمنون : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } . قال قتادة : فقال لهم من هدى الله { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } . وقال الفراء : فقال لهم الملائكة : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } . النحاس : وهذه الأقوال متفقة لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله عز وجل . وعلى هذا يتأول قول الله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } [ البينة : 7 ] وكذا الحديث : " المؤمن عند الله خير من كل ما خلق " ويجوز أن تكون الملائكة صلى الله عليهم وغيرهم من المؤمنين قالوا لهم : « هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » . وقيل : إن الكفار لما قال بعضهم لبعض : « مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنَا » صدّقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ، ثم قالوا : « هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » فكذبنا به أقروا حين لم ينفعهم الإقرار . وكان حفص يقف على « مِنْ مَرْقَدِنَا » ثم يبتدىء فيقول : « هَذَا » . قال أبو بكر بن الأنباري : « مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا » وقف حسن ثم تبتدىء : « هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » ويجوز أن تقف على مرقدِنا هذا » فتخفض هذا على الإتباع للمرقد ، وتبتدىء : « مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » على معنى بَعْثكم ما وعد الرحمن أي بَعْثكم وعد الرحمن . النحاس : التمام على « مِنْ مَرْقَدِنَا » و « هَذَا » في موضع رفع بالابتداء وخبره « مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » . ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت لـ « مَرْقَدِنَا » فيكون التمام « مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا » . « مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » في موضع رفع من ثلاث جهات . ذكر أبو إسحاق منها ٱثنتين قال : يكون بإضمار هذا . والجهة الثانية أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن بعثكم . والجهة الثالثة أن يكون بمعنى بعثكم ما وعد الرحمن . { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يعني إن بعثهم وإحياءهم كان بصيحة واحدة وهي قول إسرافيل : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، والشعور المتمزِّقة ! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء . وهذا معنى قوله الحق : { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [ قۤ : 42 ] . وقال : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } [ القمر : 8 ] على ما يأتي . وفي قراءة ٱبن مسعود إن صحّ عنه « إِنْ كَانَتْ إِلاَّ زَقْيَةً وَاحِدَةً » والزقية الصيحة وقد تقدّم هذا . { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } « فَإذَا هُمْ » مبتدأ وخبره « جَمِيعٌ » نكرة ، و « مُحْضَرُونَ » من صفته . ومعنى « مُحْضَرُونَ » مجموعون أحضروا موقف الحساب وهو كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] . قوله تعالى : { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } أي لا تنقص من ثواب عمل . { وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } « مَا » في محل نصب من وجهين : الأول أنه مفعول ثانٍ لما لم يسم فاعله . والثاني بنزع حرف الصفة تقديره : إلا بما كنتم تعملون أي تعملونه فحذف .