Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 55-59)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } قال ٱبن مسعود وٱبن عباس وقتادة ومجاهد : شغلهم ٱفتضاض العَذَارى . وذكر الترمذيّ الحكيم في كتاب مشكل القرآن له : حدّثنا محمد بن حميد الرّازي ، حدّثنا يعقوب القُمِّي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } قال : شغلهم ٱفتضاض العذارى . حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ٱبن عباس بمثله . وقال أبو قِلابة : بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحوّل إلى أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول فيقال تحوّل أيضاً إلى أهلك . وقيل : أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار ، وما هم فيه من أليم العذاب ، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم قاله سعيد بن المسيّب وغيره . وقال وكيع : يعني في السماع . وقال ٱبن كيسان : « فِي شُغُلٍ » أي في زيارة بعضهم بعضاً . وقيل : في ضيافة الله تعالى . وروى أنه إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدريّ ، ركباناً على نجب من نور أزمتها من الياقوت ، تطير بهم على رؤوس الخلائق ، حتى يقوموا بين يدي العرش ، فيقول الله جل وعز لهم : السلام على عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ، أنا ٱصطفيتكم وأنا ٱجتبيتكم وأنا ٱخترتكم ، ٱذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب فَـ { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } . فيمرون على الصراط كالبرق الخاطف فتفتح لهم أبوابها . ثم إن الخلق في المحشر موقوفون فيقول بعضهم لبعض : يا قوم أين فلان وفلانٰ ؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضاً فينادي منادٍ { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } . و « شُغُلٍ » و « شُغْلِ » لغتان قرىء بهما مثل الرُّعُبِ والرعْبِ والسحُت والسحْت وقد تقدم . { فَاكِهُونَ } قال الحسن : مسرورون . وقال ٱبن عباس : فرحون . مجاهد والضحاك : معجبون . السّدّي : ناعمون . والمعنى متقارب . والفكاهة المزاح والكلام الطيّب . وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج : « فَكِهُونَ » بغير ألف وهما لغتان كالفارِه والفَره ، والحاذَر والحَذِر قاله الفراء . وقال الكسائي وأبو عبيدة : الفاكه ذو الفاكهة مثل شاحم ولاحِم وتامِر ولابِن ، والفَكِه : المتفكّه والمتّنعم . و « فَكِهُون » بغير ألف في قول قتادة : معجبون . وقال أبو زيد : يقال رجل فكِه إذا كان طيب النفس ضحوكاً . وقرأ طلحَة بن مُصرِّف : « فَاكِهِينَ » نصبه على الحال . { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } مبتدأ وخبره . ويجوز أن يكون « هُمْ » توكيداً « وَأَزْوَاجُهُمْ » عطف على المضمر ، و « مُتَّكِئُونَ » نعت لقوله « فَاكِهُونَ » . وقراءة العامة : « فِي ظِلاَلٍ » بكسر الظاء والألف . وقرأ ٱبن مسعود وعبيد بن عمير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : « في ظُلَلٍ » بضم الظاء من غير ألف فالظلال جمع ظِلّ ، وظُلَل جمع ظُلّة . { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } يعني السُّرر في الحجال واحدها أريكة مثل سفينة وسفائن قال الشاعر : @ كأنّ أحمرارَ الوردِ فوق غُصُونِه بوقتِ الضحى في روضةِ المتضاحِك خُدُودُ عذارَى قد خَجِلن من الحَيَا تَهَادَيْنَ بالريحان فوق الأَراَئِكِ @@ وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عُدن أبكاراً " وقال ٱبن عباس : إنّ الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة ، لا يملّها ولا تملّه ، كلما أتاها وجدها بكراً ، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلاً ، لا يكون بينهما منيّ يأتي من غير منيّ منه ولا منها . { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ } ٱبتداء وخبر . { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } الدال الثانية مبدلة من تاء ، لأنه يفتعلون من دعا أي من دعا بشيء أعطيه . قاله أبو عبيدة فمعنى « يَدَّعُونَ » يتمنون من الدعاء . وقيل : المعنى أن من ٱدعى منهم شيئاً فهو له لأن الله تعالى قد طبعهم على ألا يدّعي منهم أحد إلا ما يجمُل ويحسن أن يدّعيه . وقال يحيى بن سلام : « يَدَّعُونَ » يشتهون . ٱبن عباس : يسألون . والمعنى متقارب . قال ٱبن الأنباري : « وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ » وقف حسن ، ثم تبتدىء : « سَلاَمٌ » على معنى ذلك لهم سلام . ويجوز أن يرفع السلام على معنى ولهم ما يدّعون مسلّم خالص . فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على « مَا يَدَّعُونَ » . وقال الزجاج : « سلام » مرفوع على البدل من « ما » أي ولهم أن يسلّم الله عليهم ، وهذا منَى أهلِ الجنة . وروي من حديث جرير بن عبد الله البَجَليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ تعالى قد ٱطلع عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } . فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم " ذكره الثعلبي والقشيري . ومعناه ثابت في صحيح مسلم ، وقد بيّناه في « يونس » عند قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . ويجوز أن تكون « ما » نكرة ، و « سَلاَمٌ » نعتاً لها أي ولهم ما يدعون مسلّم . ويجوز أن تكون « ما » رفع بالابتداء ، و « سلام » خبر عنها . وعلى هذه الوجوه لا يوقف على « وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ » . وفي قراءة ٱبن مسعود « سلاماً » يكون مصدراً ، وإن شئت في موضع الحال أي ولهم ما يدعون ذا سلام أو سلامة أو مسلَّماً فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على « يَدَّعُونَ » . وقرأ محمد بن كعب القُرَظي « سِلمٌ » على الاستئناف كأنه قال : ذلك سلم لهم لا يتنازعون فيه ، ويكون « وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ » تاماً . ويجوز أن يكون « سَلاَمٌ » بدلاً من قوله : { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } ، وخبر « مَا يَدَّعُونَ » « لِهم » . ويجوز أن يكون « سَلاَمٌ » خبراً آخر ، ويكون معنى الكلام أنه لهم خالص من غير منازع فيه . { قَوْلاً } مصدر على معنى قال الله ذلك قولاً . أو بقوله قولاً ، ودلّ على الفعل المحذوف لفظ مصدره . ويجوز أن يكون المعنى ولهم ما يدعون قولاً أي عدة من الله . فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على « يَدَّعُونَ » . وقال السجستاني : الوقف على قوله « سَلاَمٌ » تام وهذا خطأ لأن القول خارج مما قبله . قوله تعالى : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } ويقال تميّزوا وٱمّازوا وٱمتازوا بمعنى ومزته فٱنماز وٱمتاز ، وميّزته فتميّز . أي يقال لهم هذا عند الوقوف للسؤال حين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة أي ٱخرجوا من جملتهم . قال قتادة : عزلوا عن كل خير . وقال الضحاك : يمتاز المجرمون بعضهم من بعض فيمتاز اليهود فرقة ، والنصارى فرقة ، والمجوس فرقة ، والصابئون فرقة ، وعبدة الأوثان فرقة . وعنه أيضاً : إن لكل فرقة في النار بيتاً تدخل فيه ويردّ بابه فتكون فيه أبداً لا تَرَى ولا تُرَى . وقال داود بن الجرّاح : فيمتاز المسلمون من المجرمين ، إلا أصحاب الأهواء فيكونون مع المجرمين .