Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-61)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } لما ذكر ما للمتقين ذكر ما للطاغين . قال الزجاج : « هَذَا » خبر ابتداء محذوف أي الأمر هذا فيوقف على « هذا » قال ابن الأنباري : « هذا » وقف حسن ثم تبتدىء « وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ » وهم الذين كذبوا الرسل . { لَشَرَّ مَآبٍ } أي منقلب يصيرون إليه . ثم بيّن ذلك بقوله : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي بئس ما مهدوا لأنفسهم ، أو بئس الفراش لهم . ومنه مهد الصبي . وقيل : فيه حذف أي بئس موضع المهاد . وقيل : أي هذا الذي وصفت لهؤلاء المتقين ، ثم قال : وإن للطاغين لشر مرجع فيوقف على « هذا » أيضاً . قوله تعالى : { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } « هَذَا » في موضع رفع بالابتداء وخبره « حَمِيمٌ » على التقديم والتأخير أي هذا حميم وغساق فليذوقوه . ولا يوقف على « فلْيَذُوقُوهُ » ويجوز أن يكون « هَذَا » في موضع رفع بالابتداء و « فَلْيَذُوقُوهُ » في موضع الخبر ، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في « هَذَا » فيوقف على « فَلْيَذُوقُوهُ » ويرتفع « حَمِيمٌ » على تقدير هذا حميم . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا ، وحميم وغساق إذا لم تجعلهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغسّاق . والفرّاء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غسّاق وأنشد : @ حتّى إذا ما أَضَاءَ الصُّبْحُ في غلَسٍ وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ @@ وقال آخر : @ لها مَتَاعٌ وأَعْوانٌ غَدَوْنَ بِهِ قِتْبٌ وغَرْب إذا ما أُفْرغَ انْسَحَقَا @@ ويجوز أن يكون « هذَا » في موضع نصب بإضمار فعل يفسره « فَلْيَذُوقُوهُ » كما تقول زيداً اضربه . والنصب في هذا أولى فيوقف على « فَلْيَذُوقُوهُ » وتبتدىء « حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ » على تقدير الأمر حميم وغسّاق . وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في « وغَسَّاق » . وقرأ يحيـى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي « وغسَّاق » بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد في قول الأخفش . وقيل : معناهما مختلف فمن خفّف فهو اسم مثل عذاب وجوَاب وصوَاب ، ومن شدّد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعّال للمبالغة ، نحو ضرّاب وقتّال وهو فعّال من غَسَق يغسِق فهو غسّاق وغاسِق . قال ابن عباس : هو الزمهرير يخوّفهم ببرده . وقال مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده . وقال غيرهما . إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحرِّه . وقال عبد الله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب ، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق . وقال قتادة : هو ما يسيل من فروج الزناة ومن نَتْن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنَّتْن . وقال محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار . وهذا القول أشبه باللغة يقال : غَسَق الجرح يغسِق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر قال الشاعر : @ إذا ما تَذَكَّرْتُ الحياةَ وطِيبهَا إليّ جَرَى دَمْعٌ من اللّيلِ غاسِقُ @@ أي بارد . ويقال : ليل غاسق لأنه أبرد من النهار . وقال السدّي : الغسّاق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم . وقال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، يجمع في حياض النار فيسقونه ، والصديد الذي يخرج من جلودهم . والاختيار على هذا « وغَسّاق » حتى يكون مثل سيّال . وقال كعب : الغسّاق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حُمَةٍ من عقرب وحيَّة . وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد . والغسق أوّل ظلمة الليل ، وقد غَسقَ الليلُ يغسِق إذا أظلم . وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن دَلْواً من غساق يُهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " . قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأوّل كما بينا ، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلماً فيصح الاشتقاقان . والله أعلم . قوله تعالى : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } قرأ أبو عمرو : « وَأخَرُ » جمع أخرى مثل الكبرى والكُبَر . الباقون : « وَآخَرُ » مفرد مذكر . وأنكر أبو عمرو « وَآخَرُ » لقوله تعالى : { أَزْوَاجٌ } أي لا يخبر بواحد عن جماعة . وأنكر عاصم الجحدريّ « وَأخَرُ » قال : ولو كانت « وَأُخَرُ » لكان من شكلها . وكلا الردين لا يلزم والقراءتان صحيحتان . « وَآخرُ » أي وعذاب آخر سوى الحميم والغساق . « مِنْ شَكْلِهِ » قال قتادة : من نحوه . قال ابن مسعود : هو الزمهرير . وارتفع « وآخر » بالابتداء و « أَزْوَاجٌ » مبتدأ ثانٍ و « مِنْ شَكْلِهِ » خبره والجملة خبر « آخر » . ويجوز أن يكون « وآخر » مبتدأ والخبر مضمر دل عليه { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } لأن فيه دليلاً على أنه لهم ، فكأنه قال : ولهم آخر ويكون { مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } صفة لآخر فالمبتدأ متخصص بالصفة و « أَزْوَاجٌ » مرفوع بالظرف . ومن قرأ « وَأُخرُ » أراد وأنواع من العذاب أُخَرُ ، ومن جمع وهو يريد الزمهرير فعلى أنه جعل الزمهرير أجناساً فجمع لاختلاف الأجناس . أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريراً ثم جمع كما قالوا : شابت مفارقه . أو على أنه جمع لما في الكلام من الدلالة على جواز الجمع لأنه جعل الزمهرير الذي هو نهاية البرد بإزاء الجمع في قوله : { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } والضمير في « شكْلِهِ » يجوز أن يعود على الحميم أو الغسّاق . أو على معنى : « وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ » ما ذكرنا ، ورفع « أُخَرُ » على قراءة الجمع بالابتداء و « مِنْ شَكْلِهِ » صفة له وفيه ذكر يعود على المبتدأ و « أَزْوَاجٌ » خبر المبتدأ . ولا يجوز أن يحمل على تقدير ولهم أخر و « مِنْ شَكْلِهِ » صفة لأخر و « أَزْوَاجٌ » مرتفعة بالظرف كما جاز في الإفراد لأن الصفة لا ضمير فيها من حيث ارتفع « أَزْوَاجٌ » بالظرف ولا ضمير في الظرف ، والهاء في « شكله » لا تعود على « أخر » لأنه جمع والضمير مفرد قاله أبو علي . و « أَزْوَاجٌ » أي أصناف وألوان من العذاب . وقال يعقوب : الشكل بالفتح المثل وبالكسر الدل . قوله تعالى : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } قال ابن عباس : هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع ، قالت الخزنة للقادة : « هَذَا فَوْجٌ » يعني الأتباع والفوج الجماعة « مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ » أي داخل النار معكم فقالت السادة : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } أي لا اتسعت منازلهم في النار . والرحب السعة ، ومنه رحبة المسجد وغيره . وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب قال النابغة : @ لاَ مَرْحَباً بِغَدٍ ولاَ أَهْلاً بِهِ إنْ كَانَ تَفْرِيقُ الأَحِبَّةِ في غَد @@ قال أبو عبيدة العرب تقول : لا مرحبا بك أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت . { إِنَّهُمْ صَالُوا ٱلنَّارِ } قيل : هو من قول القادة ، أي إنهم صالوا النار كما صليناها . وقيل : هو من قول الملائكة متصل بقولهم : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } و { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } هو من قول الأتباع . وحكى النقاش : إن الفوج الأوّل قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر ، والفوج الثاني أتباعهم ببدر . والظاهر من الآية أنها عامة في كل تابع ومتبوع . { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } أي دعوتمونا إلى العصيان { فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } لنا ولكم { قَالُواْ } يعني الأتباع { رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا } قال الفراء : من سوّغ لنا هذا وسَنّه . وقال غيره : من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي { فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } وعذاباً بدعائه إيانا فصار ذلك ضعفاً . وقال ابن مسعود : معنى عذاباً ضعفاً في النار الحيات والأفاعي . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 38 ] .