Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاماً كقوله : { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } [ الأعراف : 120 ] ولا سِحر مع السجود ، فكذلك لا يُتْمَ مع البلوغ . وكان يقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : " يَتيمُ أبي طالب " استِصحابا لما كان . { وآتوا } أي أعطوا . والإيتاء الإعطاء . ولفلان أَتْوٌ ، أي عطاء . أبو زيد أَتَوْتُ الرجل آتُوه إتَاوَةً ، وهي الرِّشوة . واليتيم من لم يبلغ الحُلُم ، وقد تقدّم في « البقرة » مستوفى . وهذه الآية خطاب للأولياء والأوصياء . نزلت في قول مقاتِل والكلبِيّ في رجلٍ من غَطَفان كان معه مالٌ كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمُّه فنزلت ، فقال العمّ : نعوذ بالله من الحُوبِ الكبير ! وردّ المال . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " « من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره » يعني جنته . فلما قبض الفتى المال أنفقه في سبيل الله ، فقال عليه السلام : « ثبت الأجر وبقي الوِزر » . فقيل : كيف يا رسول الله ؟ فقال : « ثبت الأجر للغلام وبقي الوِزر على والده » " لأنه كان مشركا . الثانية وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين : أحدهما إجراء الطعام والكسوة ما دامت الوِلاية إذْ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحق الأخذ الكُلّي والاستبدادَ كالصغير والسفيه الكبير . الثاني : الإيتاء بالتمكّن وإسلام المال إليه ، وذلك عند الابتِلاء والإرشاد ، وتكون تسميته مجازاً ، المعنى : الذي كان يتيما ، وهو استصحاب الاسم كقوله تعالى : { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } أي الذين كانوا سحرةً . وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : " يتيم أبي طالب " فإذا تحقّق الوليَّ رشدَه حرُم عليه إمساك ماله عنه وكان عاصِياً . وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعِشرين سنة أُعطِي ماله كله على كل حال ، لأنه يصير جَدّاً . قلت : لما لم يذكر الله تعالى في هذه الآية إيناسَ الرشد وذكره في قوله تعالى : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . قال أبو بكر الرازي الحنفي في أحكام القرآن : لما لم يقيّد الرشد في موضع وقيِّدَ في موضع وجب استعمالهما ، فأقول : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفِيهٌ لم يُؤنس منه الرشد ، وجب دفع المال إليه ، وإن كان دون ذلك لم يجب ، عملا بالآيتين . وقال أبو حنيفة : لما بلغ رشده صار يصلح أن يكون جدّاً فإذا صار يصلح أن يكون جدّاً فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم وباسم اليتيم ؟ ! وهل ذلك إلاّ في غاية البعد ؟ قال ابن العربي : وهذا باطل لا وجه له لا سيما على أصله الذي يرى المقدّرات لا تثبت قياساً وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة . وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن شاء الله تعالى . الثالثة قوله تعالى : { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } أي لا تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة ، ولا الدرهم الطيب بالزيف . وكانوا في الجاهلية لعدم الدين لا يتحرّجون عن أموال اليتامى ، فكانوا يأخذون الطيب والجيِّد من أموال اليتامى ويبدّلونه بالرديء من أموالهم ، ويقولون : اسم باسم ورأس برأس فنهاهم الله عن ذلك . هذا قول سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك وهو ظاهر الآية . وقيل : المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرّمة خبيثة وتَدَعوا الطيبَ وهو مالكم . وقال مجاهد وأبو صالح وباذانُ : لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتَدَعوا انتظارا الرزق الحلال من عند الله . وقال ابن زيد : كان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث . عطاء : لا تربح على يتيمك الذي عندك وهو غِرٌّ صغير . وهذان القولان خارجان عن ظاهر الآية فإنه يقال : تبدّل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه . ومنه البَدَل . الرابعة قوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } قال مجاهد وهذه الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ بقوله { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] وقال ابن فُورَك عن الحسن : تأوّل الناس في هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه مِن قِبَل أنفسهم فخفف عنهم في آية البقرة . وقالت طائفة من المتأخرين : إنّ { إلَى } بمعنى مع ، كقوله تعالى : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ الصف : 14 ] وأنشد القتبي : @ يِسدُون أبوابَ القِباب بَضُمَّرٍ إلى عُنُنٍ مُسْتَوثِقاتِ الأوَاصِرِ @@ وليس بجيِّد . وقال الحُذّاق : { إلى } على بابها وهي تتضمن الإضافة ، أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل . فنُهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالأكل والانتفاع . الخامسة : قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } { إنَّهُ } أي الأكل . { كَانَ حُوباً كَبِيراً } أي إثماً كبيراً عن ابن عباس والحسن وغيرهما . يقال : حَابَ الرجل يَحُوبُ حَوْباً إذا أثِم . وأصله الزجر للإبل فسمى الإثم حَوْباً لأنه يُزجَر عنه وبه . ويقال في الدعاء : اللهم اغفر حَوْبَتي أي إثمي . والحَوْبَة أيضاً الحاجة . ومنه في الدعاء : إليك أرفع حوبتي أي حاجتي . والحُوب الوحشة ومنه قوله عليه السلام لأبي أيوب . " إن طلاق أم أيوب لحُوب " وفيه ثلاث لغات « حُوباً » بضم الحاء وهي قراءة العامة ولغة أهل الحجاز . وقرأ الحسن « حَوْباً » بفتح الحاء . وقال الأخفش : وهي لغة تميم . مقاتل : لغة الحبش . والحوبُ المصدر ، وكذلك الحِيَابَة . والحُوبُ الاسم . وقرأ أُبيّ بن كعب « حَاباً » على المصدر مثل الْقَال . ويجوز أن يكون اسماً مثل الزاد . والحَوْأَبُ بهمزة بعد الواو : المكان الواسع . والحَوْأَبُ ماءٌ أيضاً . ويقال : ألحق الله به الحَوْبَةَ أي المسكنة والحاجة ومنه قولهم : بات بحِيبَة سوء . وأصل الياء الواو . وتحوّب فلان أي تعبّد وألقى الحَوْبَ عن نفسه ، والتحوُّب أيضاً التحزّن . وهو أيضاً الصياح الشديد كالزجر ، وفلان يتحوّب من كذا أي يتوجّع وقال طُفَيْل :