Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-65)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } الآية روى النعمان بن بشير قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . فدل هذا على أن الدعاء هو العبادة . وكذا قال أكثر المفسرين وأن المعنى : وحِّدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم . وقيل : هو الذكر والدعاء والسؤال . قال أنس : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شِسْع نعله إذا انقطع " ويقال الدعاء : هو ترك الذنوب . وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال : أعطيَتْ هذه الأمة ثلاثاً لم تُعْطهن أمة قبلهم إلا نبيّ : كان إذا أرسل نبيّ قيل له أنت شاهد على أمتك ، وقال تعالى لهذه الأمة : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] وكان يقال للنبيّ : ليس عليك في الدين من حرج ، وقال لهذه الأمة : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وكان يقال للنبيّ ادعني أستجب لك ، وقال لهذه الأمة : « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » . قلت : مثل هذا لا يقال من جهة الرأي . وقد جاء مرفوعاً رواه ليث عن شهر بن حَوْشَب عن عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعطِيت أمتي ثلاثاً لم تُعطَ إلا للأنبياء كان الله تعالى إذا بعث النبيّ قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة : « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » وكان الله إذا بعث النبيّ قال : ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وكان الله إذا بعث النبيّ جعله شهيداً على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس " ذكره الترمذي الحكيم في « نوادر الأصول » . وكان خالد الربعي يقول : عجيب لهذه الأمةٰ قيل لها : « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » أمرهم بالدعاء ووعدهم الاستجابة وليس بينهما شرط . قال له قائل : مثل ماذا ؟ قال : مثل قوله تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ البقرة : 25 ] فهاهنا شرط ، وقوله : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ } [ يونس : 2 ] فليس فيه شرط العمل ومثل قوله : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } فهاهنا شرط ، وقوله تعالى : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ليس فيه شرط . وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك . وقد قيل : إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدّم في « البقرة » بيانه . أي « أَسْتَجِبْ لَكُمْ » إن شئت كقوله : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [ الأنعام : 41 ] . وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدّم في « البقرة » بيانه فتأمله هناك . وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورُوَيس عن يعقوب وعَيّاش عن أبي عمرو وأبو بكر والمفضَّل عن عاصم { سَيُدْخَلُونَ } بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسمّ فاعله . الباقون « يَدْخُلُونَ » بفتح الياء وضم الخاء . ومعنى { دَاخِرِينَ } صاغرين أذلاء وقد تقدّم . قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } { جَعَلَ } هنا بمعنى خلق والعرب تفرّق بين جعل إذا كانت بمعنى خلق وبين جعل إذا لم تكن بمعنى خلق فإذا كانت بمعنى خلق فلا تعديها إلا إلى مفعول واحد ، وإذا لم تكن بمعنى خلق عدتها إلى مفعولين نحو قوله : { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } وقد مضى هذا المعنى في غير موضع . { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } أي مضيئاً لتبصروا فيه حوائجكم وتتصرفوا في طلب معائشكم . { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } فضله وإنعامه عليهم . قوله تعالى : { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } بيّن الدلالة على وحدانيته وقدرته . { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن الإيمان بعد أن تبينت لكم دلائله كذلك أي كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه فـ { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ } يصرف عن الحق { ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } . قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } زاد في تأكيد التعريف والدليل أي جعل لكم الأرض مستقراً لكم في حياتكم وبعد الموت . { وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } تقدّم . { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } أي خلقكم في أحسن صورة . وقرأ أبو رزين والأشهب العقيلي « صِوَرَكُمْ » بكسر الصاد قال الجوهري : والصِّور بكسر الصاد لغة في الصُّوَر جمع صورة ، وينشد هذا البيت على هذه اللغة يصف الجواري : @ أشبَهْنَ مِن بَقَرِ الْخَلْصَاءِ أعْيُنَها وهُنَّ أحْسَنُ مِن صِيرانِها صِوراً @@ والصِّيران جمع صُوَار وهو القطيع من البقر والصِوار أيضاً وعاء المسك وقد جمعهما الشاعر بقوله : @ إذ لاَحَ الصّوارُ ذكَرتُ لَيْلَى وأذْكُرَها إذا نَفَح الصّوَارُ @@ والصِّيار لغة فيه . { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } تقدّم . { هُوَ ٱلْحَيُّ } أي الباقي الذي لا يموت { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي الطاعة والعبادة . { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قال الفراء : هو خبر وفيه إضمار أمر أي ادعوه واحمدوه . وقد مضى هذا كله مستوفى في « البقرة » وغيرها . وقال ابن عباس : من قال : « لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله » فليقل « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » .