Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 9-12)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } « أَئِنَّكُمْ » بهمزتين الثانية بين بين و « أَائِنَّكُمْ » بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ . أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم ، أي لِمَ تكفرون بالله وهو خالق السموات والأرض ؟ ٰ « فِي يَوْمَيْنِ » الأحد والاثنين . { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي أضداداً وشركاء { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا } أي في الأرض { رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } يعني الجبال . وقال وهب : لما خلق الله الأرض مادت على وجه الماء فقال لجبريل : ثَبِّتها يا جبريل . فنزل فأمسكها فغلبته الرياح ، قال : يا رب أنت أعلم لقد غُلِبت فيها فثبَّتَها بالجبال وأرساها { وَبَارَكَ فِيهَا } بما خلق فيها من المنافع . قال السدي : أنبت فيها شجرها . { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } قال السدي والحسن : أرزاق أهلها ومصالحهم . وقال قتادة ومجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يوم الثلاثاء والأربعاء . وقال عكرمة والضحاك : معنى « قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا » أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد . قال عكرمة : حتى إنه في بعض البلاد ليتبايعون الذهب بالملح مِثلاً بمثل . وقال مجاهد والضحاك : السابريّ من سابور ، والطيالسة من الرّي ، والحبر اليمانية من اليمن . { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } يعني في تتمة أربعة أيام . ومثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تتمة خمسة عشر يوماً . قال معناه ابن الأنباري وغيره . { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة . الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين . واختاره الطبري . وقرأ الحسن البصري ويعقوب الحضرمي « سَوَاءٍ لِلسَّائِلِينَ » بالجر . وعن ابن القعقاع « سَواءٌ » بالرفع فالنصب على المصدر و « سَوَاءً » بمعنى استواء أي استوت استواء . وقيل : على الحال والقطع والجر على النعت لأيام أو لأربعة أي « فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ » مستوية تامة . والرفع على الابتداء والخبر « لِلسَّائِلِينَ » أو على تقدير هذه « سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ » . وقال أهل المعاني : معنى « سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ » ولغير السائلين أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل ، ويعطي من سأل ومن لا يسأل . قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي عَمَد إلى خلقها وقصد لتسويتها . والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال يدل عليه قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } [ البقرة : 29 ] وقد مضى القول هناك . وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } يعني صعد أمره إلى السماء وقاله الحسن . ومن قال : إنه صفة ذاتية زائدة قال : استوى في الأزل بصفاته . و « ثُمَّ » ترجع إلى نقل السماء من صفة الدخان إلى حالة الكثافة ، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس على ما مضى في « البقرة » عن ابن مسعود وغيره . { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع والمصالح وأخرجاها لخلقي . قال ابن عباس : قال الله تعالى للسماء : أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك ، وأجري رياحك وسحابك ، وقال للأرض : شُقِّي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين « قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ » . وفي الكلام حذف أي أتينا أمرك « طَائِعِينَ » . وقيل : معنى هذا الأمر التسخير أي كونا فكانتا كما قال تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما . وعلى القول الأول قال ذلك بعد خلقهما . وهو قول الجمهور . وفي قوله تعالى لهما وجهان : أحدهما أنه قول تكلم به . الثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما فقام مقام الكلام في بلوغ المراد ذكره الماوردي . « قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ » فيه أيضاً وجهان : أحدهما أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما ، ومنه قول الراجز : @ امْتَلأَ الْحَوْضُ وقال قَطْني مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأَتُ بَطْنِي @@ يعني ظهر ذلك فيه . وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى قال أبو نصر السكسكي : فنطق من الأرض موضع الكعبة ، ونطق من السماء ما بحِيالها ، فوضع الله تعالى فيه حَرَمه . وقال : « طَائِعِينَ » ولم يقل طائعتين على اللفظ ولا طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما . وقيل : لما وصفهن بالقول والإجابة وذلك من صفات من يعقل أجراهما في الكناية مجرى من يعقل ، ومثله { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] وقد تقدّم . وفي حديث : إن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما « ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » عصياك ما كنت صانعاً بهما ؟ قال : كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما . قال : يا رب وأين تلك الدابة ؟ قال : في مَرْج من مُرُوجي . قال : يا رب وأين ذلك المرج ؟ قال : عِلْم من علمي . ذكره الثعلبي . وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة « آتَيَا » بالمدّ والفتح . وكذلك قوله : { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } على معنى أعطيا الطاعة من أنفسكما « قَالَتَا » أعطينا « طَائِعِينَ » فحذف المفعولين جميعاً . ويجوز وهو أحسن أن يكون « آتَيْنَا » فاعلنا فحذف مفعول واحد . ومن قرأ « آتَيْنَا » فالمعنى جئنا بما فينا على ما تقدّم بيانه في غير ما موضع والحمد لله . قوله تعالى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } أي أكملهنّ وفرغ منهنّ . وقيل : أحكمهنّ كما قال : @ وعَلَيْهِما مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاودُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ @@ { فِي يَوْمَيْنِ } سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض ، فوقع خلق السموات والأرض في ستة أيام كما قال تعالى : { خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ الأعراف : 54 ] على ما تقدّم في « الأعراف » بيانه . قال مجاهد : ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون . وعن عبد الله بن سَلام قال : خلق الله الأرض في يومين ، وقدّر فيها أقواتها في يومين ، وخلق السموات في يومين خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين ، وقدّر فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، وخلق السموات في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وآخر ساعة في يوم الجمعة خلق الله آدم في عَجَل ، وهي التي تقوم فيها الساعة ، وما خلق الله من دابة إلا وهي تفزع من يوم الجمعة إلا الإنس والجن . على هذا أهل التفسير إلا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : " خلق الله التربة يوم السبت " الحديث ، وقد تكلمنا على إسناده في أوّل سورة « الأنعام » . { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } قال قتادة والسّدي : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها ، وخلق في كل سماء خَلْقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البَرَد والثلوج . وهو قول ابن عباس قال : ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة بحذاء الكعبة ، والذي في السماء الدنيا هو البيت المعمور . وقيل : أوحى الله في كل سماء أي أوحى فيها ما أراده وما أمر به فيها . والإيحاء قد يكون أمراً لقوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] وقوله : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } [ المائدة : 111 ] أي أمرتهم وهو أمر تكوين . { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } أي بكواكب تضيء . وقيل : إن في كل سماء كواكب تضيء . وقيل : بل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا . { وَحِفْظاً } أي وحفظناها حفظاً أي من الشياطين الذين يسترقون السمع . وهذا الحفظ بالكواكب التي تُرجم بها الشياطين على ما تقدّم في « الحجر » بيانه . وظاهر هذه الآية يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء . وقال في آية أخرى : { أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] ثم قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } وهذا يدل على خلق السماء أوّلاً . وقال قوم : خلقت الأرض قبل السماء فأما قوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] فالدَّحْوُ غير الخلق ، فالله خلق الأرض ثم خلق السموات ، ثم دحا الأرض أي مدّها وبسطها قاله ابن عباس . وقد مضى هذا المعنى مجوَّداً في « البقرة » والحمد لله . { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } .